الآية 57

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً﴾

المعنى:

لما ذكر الله تعالى في الآية الأولى ما توعد به الكفار والجاحدين لآياته تعالى، وعد في هذه الآية المصدقين به تعالى، والعاملين الاعمال الصالحات، وهي الحسنات التي هي طاعات الله، وصالح يجري على وجهين:

أحدهما: على من يعمل الطاعة.

الثاني: على نفس العمل ويقال: رجل صالح، ومعناه ذو عمل صالح، ويقال: عمل صالح، فيجري عليه الوصف بأنه صالح. وعدهم بأن سيدخلهم جنات وهي جمع جنة وهي البستان التي يجنها الشجر " تجري من تحتها الأنهار " وفيه محذوف، لان التقدير تجري من تحتها مياه الأنهار، لأن الماء هو الجاري دون الأنهار غير أنه بعرف الاستعمال سقط عنه اسم مجاز، كما سقط في قولهم: هذا شعر امرئ القيس وإن كان المراد انه حكاية عنه، فاما قوله: " واسأل القرية " مجار لا محالة، لأنه لابد فيه من تقدير أهلها، وقوله: " خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة " يعني من النفاس والحيض ومن جميع الأقذار، والأدناس.

اللغة:

والطهارة نقيض النجاسة. والنجاسة في الأصل هي ما كان نتنا نحو الجيف، وغيرها، وشبه بذلك نجاسة الحكم تبعا للشريعة كما يقال في الخمر: إنها نجسة. وقوله: " ويدخلهم ظلا ظليلا " فالظل أصله الستر من الشمس قال رؤبة: كل موضع يكون فيه الشمس، فتزول عنه، فهو ظل وفئ. وما سوى ذلك فظل، لا يقال فيه فئ. والظل: الليل، لأنه كالستر من الشمس. والظلة: السترة، وظل يفعل كذا: إذا فعله نهارا، لأنه في الوقت الذي يكون للشمس ظل. والاظلال الدنو، لان الشئ بدنوه، كأنه قد ألقى عليك ظله. والاظل: باطن منسم البعير، لان المنسم يستره. والظليل: هو الكنين، لأنه لا شمس فيه ولا سموم. قال الحسن: ربما كان ظل ليس بظليل، لأنه يدخله الحر والسموم، فلذلك وصف ظل الجنة بأنه ظليل. ومنه قوله: " وظل ممدود " (1) لأنه ليس كل ظل ممدودا. وروي أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، لا يقطعها وهي شجرة الخلد. وقيل: إنما قال " ظلا ظليلا " فرقا بينه وبين " ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب " (2) وقيل يدخلهم ظلا ظليلا في الموقف حيث لا ظل إلا ظل عرشه.

1- سورة إبراهيم: آية 50.

2- سورة الواقعة: آية 31.