الآية 53
قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾
النظم والاعراب:
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها اتصال الصفة بالبخل، والصفة بالحسد والجهل، لان قوله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) يدل على أنهم حسدوا المؤمنين وأنهم يعملون أعمال الجاهلين، إلا أن الكلام خرج مخرج الاستفهام، للتوبيخ، والتقريع بتلك الحال. وجاءت أم ههنا غير معادلة للألف لتدل على اتصال الثاني بالأول. والمعنى بل ألهم نصيب من الملك؟وتسمى أم هذه المنقطعة عن الألف لأنها بخلاف المتصلة بها على المعادلة. ومثله " ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه " (1) وقال بعضهم: إن الألف محذوفة، لان أم لا تجئ مبتدأة على تقدير أهم أولى بالنبوة " أم لهم نصيب من من الملك " فيلزم الناس طاعتهم. وهذا ضعيف، لان حذف الألف إنما يجوز في ضرورة الشعر بالاجماع ولا ضرورة في القرآن. " وإذا " لم تعمل في يؤتون لأنها إذا وقعت بين الفاء، والفعل، جاز أن تقدر متوسطة فتلغى كما تلغى (أرى) (2) إذا توسطت أو تأخرت، لأن النية به التأخير. والتقدير أم لهم نصيب من الملك فلا يؤتون الناس نقيرا إذا، وكذلك إذا كان معها واو، نحو " وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا " (3) ويجوز أن تقدر مستأنفة، فتعمل مع حرف العطف. و (اذن) لا تعمل إلا بشروط أربعة: أن تكون جوابا لكلام، وأن تكون مبتدأة في اللفظ، ولا يكون ما بعدها متعلقا بما قبلها، ويكون الفعل بعدها مستقبلا. ومتى نقص واحد من هذه الشروط لم تعمل.
المعنى واللغة:
وقوله: (لا يؤتون الناس نقيرا) اخبار من الله تعالى عن لومهم، وبخلهم أي لا يؤتونهم نقيرا. وقيل في معنى النقير ههنا ثلاثة أقوال:
أحدها: قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، وعطاء، والضحاك، وابن زيد: إنه النقطة التي في ظهر النواة. وقال مجاهد: هو الحبة التي في بطن النواة. وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن النقير ما نقر الرجل بإصبعه، كما ينقر الدرهم. والنقر: النكت ومنه المنقار، لأنه ينقر به. والناقور: الصور، لان الملك ينقر فيه بالنفخ المصوت. والنقرة: حفرة في الأرض أو غيرها، والنقير: خشبة تنقر وينبذ فيها. والمناقرة: مراجعة الكلام. وانتقر: اختص كما يختص بالنقر واحدا واحدا. والمنقر: المقلع عن الشئ، لأنه كما يقلع في النقر، ثم يعود إليه. ومعنى (أم لهم نصيب من الملك) ما يدعيه اليهود أن الملك يعود إليهم. وقوله: " فإذا لا يؤتون الناس " يعني العرب. وذكر الزجاج في معناه وجهين:
أحدهما: بل لهم نصيب، لأنهم كانوا أصحاب بساتين وأموال، وكانوا في غاية البخل.
والثاني: أنهم لو أعطوا الملك، ما أعطوا الناس نقيرا من بخلهم اختاره البلخي وبه قال السدي، وابن جريج.1- في المخطوطة (الربيع) بالقاط (ابن الربيع) وفي مجمع البيان (أبو رافع).
2- سورة ألم السجدة: آية 1، 2، 3 ،.
3- أي (أرى) القلبية.