الآية 30
قوله تعالى: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا﴾
المعنى:
قيل في تعليق الوعيد والإشارة بقوله: " ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما... " الآية، أربعة أقوال:
أولها: وهو أقواها - انه على أكل الأموال بالباطل، وقتل النفس بغير حق، والوعيد بكل واحدة من الخصلتين، لان الوعيد ذكر عقيب ذكر النهي عن الامرين، وهو اختيار الطبري.
الثاني: قال عطاء: هو على قتل النفس المحرمة خاصة.
الثالث: على فعل كلما نهى الله عنه، من أول السورة.
الرابع: أنه راجع إلى قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها " (1) لان ما قبله مقرون بالوعيد. وقوله: (وكان ذلك على الله يسيرا) معناه: أنه قادر على إنجاز الوعيد، لا يمكن صاحبه الامتناع منه، ولا الهرب منه، فيتعذر الايقاع به، فيجب أن تنزلوا الوعيد منزلته، وتكونوا على بصيرة فيه، غير مغترين بأمر يصرف عنه، وإنما قيد قوله: " ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما " لان من وقع منه قتل النفس على وجه السهو والخطأ في خلاف المراد، لم يتناوله الوعيد، وكذلك إذا أكل من أموال الناس على وجه مباح، لم يتوجه إليه الوعيد. والعدوان تجاوز ما أمر الله به، والظلم أن يأخذه على غير وجه الاستحقاق، وأصله وضع الشئ في غير موضعه، وفي المرجئة من قال: إنما قيد بذلك لان المراد من استحل أكل المال بالباطل، واستحل أيضا قتل النفوس، وذلك لا يكون إلا كافرا، فلذلك هدده بالوعيد المخصوص، فأما إذا فعل ذلك محرما له، فإنه يجوز أن يعفو الله عفو، فلا يتناوله الوعيد قطعا على كال حال، ولو لم تحمل الآية على المستحلين، لأمكننا أن نخص الآية بمن لا يعفو الله عنه، كما أنهم لابد لهم أن يخصوها بمن لم يتب من ذلك ولا تكون معصية صغيرة، فليس في الآية ما يمنع من القول بجواز العفو. وإنما قال: (وكان ذلك على الله يسيرا) وإن كان يسيرا عليه الآن وفي مستقبل الأوقات، ليعلم أن الأوقات متساوية في ذلك على كل حال، ولا يجوز أن يقال قياسا على ذلك وكان الله قديما، لان قولنا قديم أغنى عن كان، إذ لم يختص بالحال بل أفاد الوجود في الأزل، فلا معنى لادخال كان فيه. واليسير السهل، يقال: يسر الشئ إذا سهل فهو يسير، وعسر فهو عسير، إذا لم يتسهل.1- سورة النور: آية 61.