الآية 19
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
القراءة واللغة:
قرأ (بفاحشة مبينة) بفتح الياء، ابن كثير، وأبو بكر، عن عاصم. الباقون بالكسر، وهو الأقوى، لأنه لا يقصد إلى إظهارها. وقرأ حمزة والكسائي " كرها " بضم الكاف هنا وفي التوبة والأحقاف، وافقهما في الأحقاف عاصم، وابن عامر، إلا الحلواني، ويعقوب. الكره والكره لغتان، مثل الشهد والشهد، والضعف والضعف، والفقر والفقر.
المعنى:
هذا الخطاب متوجه إلى المؤمنين، نهاهم الله أن يرثوا النساء كرها، واختلفوا في معنى ذلك، فقال الزهري، والجبائي، وغيرهما، وروي ذلك عن أبي جعفر (ع): هو أن يحبس الرجل المرأة عنده، لا حاجة له إليها، وينتظر موتها حتى يرثها، فنهى الله (تعالى) عن ذلك. وقال الحسن، ومجاهد: معناه ما كان يعمله أهل الجاهلية، من أن الرجل إذا مات، وترك امرأته قال وليه: ورثت امرأته، كما ورثت ماله، فان شاء تزوجها بالصداق الأول، ولا يعطيها شيئا، وإن شاء زوجها وأخذ صداقها، وروي ذلك أبو الجارود، عن أبي جعفر (ع). وقال مجاهد: إذا لم يكن الولي ابنها قال أبو مجلز: وكان أولى بالميراث أولى بها من ولي نفسها. وقوله: (ولا تعضلوهن) قيل فيمن عني بهذا النهي أربعة أقوال:
أحدها: قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، والضحاك: هو الزوج أمره الله بتخلية السبيل إذا لم يكن له فيها حاجة، ولا يمسكها إضرارا بها، حتى تفتدي ببعض مالها.
والثاني: قال الحسن: هو الوارث، نهي عن منع المرأة من التزويج، كما يفعل أهل الجاهلية على ما بيناه.
والثالث: قال مجاهد: المراد الولي.
الرابع: قال ابن زيد: المطلق يمنعها من التزويج، كما كانت تفعل قريش في الجاهلية، ينكح الرجل منهم المرأة الشريفة، فإذا لم توافقه فارقها، على أن لا تتزوج إلا باذنه، فيشهد عليها بذلك، ويكتب كتابا، فإذا خطبها خاطب، فان أعطته وأرضته، أذن لها وإن لم تعطه عضلها، فنهى الله عن ذلك. والأول أظهر الأقاويل.
اللغة:
والعضل هو التضييق بالمنع من التزويج، وأصله الامتناع، يقال: عضلت الدجاجة ببيضتها: إذا عسرت عليها، ومنه العضلة: لصلابتها، ومنه الداء العضال إذا لم يبرء، وعضل الفضا بالجيش الكثير إذا لم يمكن سلوكه لضيقه.
المعنى:
وقوله: (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قيل فيه قولان:
أحدهما: قال الحسن، وأبو قلابة، والسدي: يعني الزنا، وقالوا إذا أطلع منها على زنية فله أخذ الفدية.
والثاني: قال ابن عباس، والضحاك، وقتادة: هو النشوز، والأولى حمل الآية على كل معصية، لان العموم يقتضي ذلك، وهو المروي عن أبي جعفر (ع) واختاره الطبري. وقوله: (وعاشروهن بالمعروف) قال السدي: معناه خالطوهن، وخالقوهن، من العشرة التي هي المصاحبة بما أمركم الله به من المصاحبة، بأداء حقوقهن التي أوجبها على الرجال، أو تسريح باحسان. وقوله: (فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) يعني في إمساكهن على كره منكم " خيرا كثيرا " من ولد يرزقكم، أو عطفكم عليهن بعد الكراهية، وبه قال ابن عباس، ومجاهد.
الاعراب:
والهاء في فيه، يحتمل أن ترجع إلى الشئ في قوله: (أن تكرهوا شيئا) ويحتمل أن تكون راجعة إلى الذي يكرهونه. وقوله: (ولا تعضلوهن) يحتمل أن يكون جزما بالنهي، ويحتمل أن يكون نصبا بالعطف على قوله: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن) وفي قراءة عبد الله: (ولا أن تعضلوهن) باثبات أن.
النزول:
وقيل في سبب نزول هذه الآية أن أبا قيس بن الأسلت لما مات عن زوجته كبشة بنت معن بن عاصم، أراد ابنه أن يتزوجها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا نبي الله: لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تركت فأنكح، فنزلت هذه الآية، ذكره أبو جعفر عليه السلام، وغيره.