الآية 5
قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾
القراءة والمعنى:
قرأ نافع، وابن عباس، قيما بغير الف. اختلف أهل التأويل فيمن المراد بالسفهاء المذكورين في الآية، فقال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، والسدي، والضحاك، ومجاهد، وقتادة، وأبو مالك: إنهم النساء والصبيان، وهو الذي رواه أبو الجارود، عن أبي جعفر (ع) وقال سعيد بن جبير، والحسن وقتادة، في رواية أخرى عنهم: أنهم الصبيان الذين لم يبلغوا فحسب، وقال أبو مالك، معناه: لا تعط ولدك السفيه مالك فيفسده الذي هو قيامك وقال ابن عباس في رواية أخرى: إنها نزلت في السفهاء وليس لليتامى في ذلك شئ، وبه قال ابن زيد، وقال أبو موسى الأشعري ثلاثة يدعون فلا يستجيب الله لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، وقال: اللهم خلصني منها، ورجل أعطى مالا سفيها، وقد قال الله: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم "، ورجل له على غيره مال فلم يشهد عليه. وقد روي عن أبي عبد الله (ع) ان السفيه شارب الخمر، ومن جرى مجراه، وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرمي أن المراد به النساء خاصة، وروي ذلك عن مجاهد، والضحاك، وابن عمر، والأولى حمل الآية على عمومها في المنع من اعطاء المال السفيه، سواء كان رجلا أو امرأة بالغا أو غير بالغ. والسفيه هو الذي يستحق الحجر عليه، لتضييعه ماله، ووضعه في غير موضعه، لان الله تعالى قال عقيب هذه الأوصاف: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " فامر الأولياء بدفع الأموال إلى اليتامى إذا بلغوا، وأونس منهم رشد، وقد يدخل في اليتامى الذكور والإناث، فوجب حملها على عمومها.
اللغة:
فأما من حمل الآية على النساء خاصة، فقوله ليس بصحيح، لان فعيلة لا يجمع فعلاء، وإنما يجمع فعايل وفعيلات، كغريبة وغرايب وغريبات، وقد جاء: فقيرة وفقراء، ذكره الرماني. فأما الغرباء فجمع غريب المعنى: وقوله: " أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم " اختلفوا في معناه. فقال ابن عباس، وأبو موسى الأشعري، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وحضرمي. معناه: لا تؤتوا يا أيها الرشد السفهاء من النساء والصبيان - على ما ذكرنا من اختلافهم - " أموالكم التي جعل الله لكم " يعني أموالكم التي تملكونها، فتسلطوهم عليها، فيفسدوها، ويضيعوها، ولكن " ارزقوهم فيها " إن كانوا ممن يلزمكم نفقته، واكسوهم " وقولوا لهم قولا معروفا ". وقال السدي: معناه: لا تعط امرأتك وولدك مالك، فيكونوا هم الذين ينفقون ويقومون عليك، واطعمهم من مالك، واكسهم. وبه قال ابن عباس، وابن زيد. وقال سعيد ابن جبير: يعني ب? " أموالكم " أموالهم، كما قال: " ولا تقتلوا أنفسكم " (1) قال: واليتامى لا تؤتوهم أموالهم، " وارزقوهم فيها واكسوهم ". والأولى حمل الآية على الامرين، لان عمومه يقتضي ذلك، فلا يجوز أن يعطى السفيه الذي يفسد المال، ولا اليتيم الذي لم يبلغ، ولا الذي بلغ ولم يؤنس منه الرشد، ولا أن يوصى إلى سفيه، ولا يختص ببعض دون بعض، وإنما يكون إضافة مال اليتيم إلى من له القيام بأمرهم، على ضرب من المجاز، أو لأنه أراد: لا تعطوا الأولياء ما يخصهم لمن هو سفيه (2) ويجري ذلك مجرى قول القائل لواحد: يا فلان أكلتم أموالكم بالباطل، فيخاطب الواحد بخطاب الجميع، ويريد به أنك وأصحابك أو قومك أكلتم، ويكون التقدير في الآية: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " التي بعضها لكم، وبعضها لهم، فيضيعوها.
اللغة:
وقوله: " التي جعل الله لكم قياما " معناه: ما جعله قوام معايشكم ومعايش سفهائكم، التي بها تقومون قياما، وقيما، وقواما، بمعنى واحد. وأصل القيام: القوام، فقلبت الواو ياء للكسرة التي قبلها، كما قالوا: صمت صياما، وحلت حيالا، ومنه: فلان قوام أهله، وقيام أهله. ومنه: قوام الامر وملاكه، وهو اسم. والقيام مصدر.
المعنى:
وبهذا التأويل قال أبو مالك، والسدي، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن زيد. وقوله: (وارزقوهم فيها واكسوهم) اختلفوا في تأويله، فمن قال: عنى بقوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) يعني أموال أولياء السفهاء، فإنهم قالوا: معناه: وارزقوا أيها الناس سفهاءكم، من نسائكم وأولادكم من أموالكم، طعامهم، وما لابد لهم منه. ذهب إليه مجاهد، والسدي، وغيرهما ممن تقدم ذكره. ومن قال: إن الخطاب للأولياء، بأن لا يؤتوا السفهاء أموالهم، يعني أموال السفهاء، حمل قوله: " وارزقوهم فيها واكسوهم " على أنه من أموال السفهاء، يعني ما لابد منه من مؤنهم، وكسوتهم، وإذا حملنا الآية على عمومها، على ما بيناه، فالتقدير: وارزقوا أيها الرشد من خاص أموالكم من يلزمكم النفقة عليه، مما لابد منه من مؤنة وكسوة، ولا تسلموا إليه إذا كان سفيها، فيفسد المال. ويا أيها الأولياء، أنفقوا على السفهاء من أموالهم، التي لكم الولاية عليها، قدر ما يحتاجون إليه من النفقة والكسوة. وقوله: (وقولوا لهم قولا معروفا) قال مجاهد، وابن جريج. قولوا لهم، يعني للنساء والصبيان، وهم السفهاء، " قولا معروفا " في البر والصلة. وقال ابن زيد: إن كان السفيه ليس من ولدك، ولا يجب عليك نفقته، فقل له قولا معروفا، مثل: عافانا الله وإياك، بارك الله فيك. وقال ابن جريج: معناه: يا معاشر ولاة السفهاء، قولوا قولا معروفا للسفهاء، وهو: إن صلحتم ورشدتم، سلمنا إليكم أموالكم، وخلينا بينكم وبينها، فاتقوا الله في أنفسكم وأموالكم، وما أشبه ذلك، مما هو واجب عليكم، ويحثكم على الطاعة، ، وينهاكم عن المعصية. وقال الزجاج: معناه: علموهم مع إطعامكم إياهم وكسوتكم إياهم، أمر دينهم. وفي الآية دلالة على جواز الحجر على اليتيم إذا بلغ، ولم يؤنس منه الرشد، لان الله تعالى منع من دفع المال إلى السفهاء، وقد بينا أن المراد به أموالهم على بعض الأحوال. وفي الآية دلالة على وجوب الوصية، إذا كان الورثة سفهاء، لان ترك الوصية بمنزلة إعطاء المال في حال الحياة إلى من هو سفيه، وإنما سمي الناقص العقل سفيها (3)، وان لم يكن عاصيا، لان السفه هو خفة الحلم، ولذلك سمي الفاسق سفيها، لأنه لا وزن له عند أهل الدين (4)، والعلم فثقل الوزن وخفته، ككبر القدر وصغره.1- سورة النساء: آية 28.
2- هكذا في المطبوعة والمخطوطة، وهي كما ترى.
3- (سفيها) ساقطة من المطبوعة.
4- عند (أهل الدين) ساقطة من المطبوعة.