الآيات 3-4
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ، وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾
النزول والمعنى:
واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية على ستة أقوال:
أولها: ما روي عن عائشة انها قالت: نزلت في اليتيمة التي تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها، ويريد أن ينكحها بدون صداق مثلها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لها صداق مهر مثلها، وأمروا أن ينكحوا ما طاب مما سواهن من النساء إلى الأربع " فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة " من سواهن " أوما ملكت ايمانكم " ومثل هذا ذكر في تفسير أصحابنا. وقالوا: انها متصلة بقوله: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن) (1) (فان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) الآية وبه قال الحسن والجبائي والمبرد.
والثاني: قال ابن عباس وعكرمة: ان الرجل منهم كان يتزوج الأربع والخمس والست والعشر ويقول ما يمنعني أن أتزوج كما تزوج فلان فإذا فنى ماله مال على مال اليتيم فانفقه، فنهاهم الله تعالى عن أن يتجاوزوا بالأربع إن خافوا على مال اليتيم وإن خافوا من الأربع أيضا أن يقتصروا على واحدة.
والثالث: قال سعيد بن جبير والسدي وقتادة والربيع والضحاك. وفي احدى الروايات عن ابن عباس قالوا: كانوا يشددون في أمر اليتامى ولا يشددون في النساء، ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهن، فقال الله تعالى كما تخافون ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء، فانكحوا واحدة إلى الأربع، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة.
والرابع: قال مجاهد: ان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى معناه: ان تحرجتم من ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنا، وانكحوا النكاح المباح من واحدة إلى أربع، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة.
والخامس: قال الحسن: ان خفتم ألا تقسطوا في اليتيمة المرباة في حجركم فانكحوا ما طاب لكم من النساء مما أحل لكم من يتامى قراباتكم مثنى وثلاث ورباع، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت ايمانكم. وبه قال الجبائي وقال: الخطاب متوجه إلى أولياء اليتيمة إذا أراد أن يتزوجها إذا كان هو وليها كان له أن يزوجها قبل البلوغ وله أن يتزوجها.
والسادس: قال الفراء: المعنى ان كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فاحرجوا من جمعكم بين اليتامى، ثم لا تعدلون بينهن. وقوله: (فانكحوا ما طاب لكم) جواب لقوله: (وان خفتم ألا تقسطوا) على قول من قال ما رويناه أولا عن عائشة وأبي جعفر (ع). ومن قال: تقديره: ان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء الجواب قوله: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " والتقدير: فان خفتم ألا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء، فلا تتزوجوا منهن إلا من تأمنون معه الجور، مثنى وثلاث ورباع، وان خفتم أيضا من ذلك فواحدة، فان خفتم من الواحدة فما ملكت ايمانكم، فترك ذكر قوله فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء لدلالة الكلام عليه وهو قوله: (فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت ايمانكم) ومعنى " ألا تقسطوا " أي لا تعدلوا ولا تنصفوا، فالاقساط هو العدل والانصاف والقسط هو الجور. ومنه قوله: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) (2) وقد بيناه فيما مضى. واليتامى جمع لذكران اليتامى وإناثهم في هذا المعنى.
المعنى واللغة والاعراب:
وقال الحسين بن علي المغربي: معنى ما طاب أي بلغ من النساء كما يقال: طابت الثمرة إذا بلغت، قال: والمراد المنع من تزويج اليتيمة قبل البلوغ لئلا يجري عليها الظلم، فان البالغة تختار لنفسها، وقيل: معنى " ما طاب لكم من النساء " من أحل لكم منهن دون من حرم عليكم، وإنما قال: " ما طاب " ولم يقل: من طاب وإن كان من لما يعقل وما لما لا يعقل لان المعنى: انكحوا الطيب أي الحلال هذه العدة، لأنه ليس كل النساء حلالا، لان الله حرم كثيرا منهن بقوله: " حرمت عليكم أمهاتكم " (3) الآية. هذا قول الفراء. وقال مجاهد: فانكحوا النساء نكاحا طيبا. وقال المبرد: " ما " ههنا للجنس كقول القائل: ما عندك؟فتقول: رجل أو امرأة، فالمعني بقوله: ما طاب الفعل دون أعيان النساء وأشخاصهن، لان الأعيان لا تحرم ولا تحلل، وإنما يتناول التحريم والتحليل التصرف فيها، وجرى ذلك مجرى قول القائل: خذ من رقيقي ما أردت: إذا أراد خذ منهم إرادتك ولو أراد خذ الذي تريد لم يجز إلا أن يقول خذ من رقيقي من أردت وكذلك قوله: " أوما ملكت ايمانكم " معناه أو ملك ايمانكم، ومعنى " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع، كما قال: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة " (4) معناه: فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة. وقوله: (مثنى وثلاث ورباع) بدل من (ما طاب) وموضعه النصب وتقديره: اثنين اثنين، وثلاثا وثلاثا، وأربعا أربعا، إلا أنه لا ينصرف لعلتين، إحداهما: انه معدول عن اثنين اثنين وثلاث ثلاث في قول الزجاج، وقال غيره: لأنه معدول ولأنه نكرة، والنكرة أصل للأشياء، وقال غيرهم: هو معرفة، وهذا فاسد عند البصريين، لأنه صفة للنكرة في قوله: " اولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع " (5) والمعنى اولي أجنحة ثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة. وقال الفراء لأنه معدول، لأنه يقع على الذكر والأنثى، ولأنه مضاف إلى ما يضاف إليه الثلاث، فكأن لامتناعه من الإضافة كان فيه الألف واللام. قال الشاعر:
ولكنما أهلي بواد أنيسه * ذئاب تبغى الناس مثنى وموحدا (6)
ومن قال: انه اسم للعدد معرفة استدل بقول تميم بن أبي مقبل:
ترى النعرات الزرق تحت لبانه * آحاد ومثنى أصعقتها صواهله (7)
فرد آحاد ومثنى على النعرات وهي معرفة، وقد يجئ منكرا مصروفا كما قال الشاعر:
قتلنا به من بين مثنى وموحد * بأربعة منكم وآخر خامس (8)
وترك الصرف أكثر قال صخر الغي:
منت لك أن تلاقيني المنايا * آحاد آحاد في شهر حلال (9)
وقد تقع هذه الألفاظ على الذكر والأنثى، فوقوعها على الأنثى مثل الآية التي نحن في تفسيرها، ووقوعها على الذكر قوله: " اولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع " لان المراد به الجناح وهو مذكر، ويقال: آحاد وموحد وثنى ومثنى، وثلاث ومثلث، ورباع ومربع، ولم يسمع في ما زاد عليه مثل خماس ولا المخمس ولا السداس والسباع إلا بيت للكميت فإنه يروى في العشرة عشار، وهو قوله: فلم يستريثوك حتى رميت فوق الرجال خصالا عشارا (10) يريد عشرا. وقال صخر السلمي في ثنا وموحد:
ولقد قتلتكم ثناء وموحدا * وتركت مرة مثل أمس الدابر (11)
ولم يرد أنه قتل الثلاثة، وإنما أراد انه قتل نفرا كثيرا منهم واحدا بعد واحد واثنين بعد اثنين، وقوله: " فواحدة " نصب على أنه مفعول به، والتقدير: فان خفتي ألا تعدلوا فيما زاد على الواحدة فانكحوا واحدة، ولو رفع كان جايزا، وقد قرأبه أبو جعفر المدني، وتقديره: فواحدة كافية، أو فواحدة مجزية، كما قال: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) (12) ومن استدل بهذه الآية على أن نكاح التسع، جائز فقد أخطأ، لان ذلك خلاف الاجماع، وأيضا فالمعنى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ان امنتم الجور وإما ثلاث ان لم تخافوا ذلك أو رباع ان امنتم ذلك فيهن، بدلالة قوله: " فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة " لان معناه فان خفتم في الثنتين فانكحوا واحدة، ثم قال: فان خفتم أيضا في الواحدة فما ملكت ايمانكم. على أن مثنى لا يصح إلا لاثنين اثنين، أو اثنتين اثنتين على التفريق في قول الزجاج، فتقدير الآية " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث " فثلاث (13) بدلا من مثنى ورباع بدلا من ثلاث، ولو قيل ب? (أو) لظن أنه ليس لصاحب مثنى ثلاث، ولا لصاحب الثلاث رباع. ومن استدل بقوله: " فانكحوا " على وجوب التزويج من حيث أن الامر يقتضي الايجاب، فقد أخطأ، لان ظاهر الامر وإن اقتضى الايجاب، فقد ينصرف عنه بدليل، وقد قام الدليل على أن التزويج ليس بواجب على أن الغرض بالآية النهي عن العقد على من يخاف ألا يعدل بينهن، والتقدير: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فتحرجتم فيهم، فكذلك فتحرجوا في النساء، فلا تنكحوا إلا ما أمنتم الجور فيه (14) منهن، مما أحللته لكم منهن، من الواحدة إلى الأربع، وقد يراد. بصورة الامر ما يراد بالنهي (15) أو التهديد كقوله: " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " (16) وقال: " ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون " (17) والمراد بذلك كله التهديد والزجر، فكذلك معنى الآية النهي، وتقديرها: فلا تنكحوا إلا ما طاب لكم من النساء على ما بيناه. وقوله: (ذلك أدنى ألا تعولوا) إشارة إلى العقد على الواحدة مع الخوف من الجور فيما زاد عليها، أو الاقتصار على ما ملكت أيمانكم، ومعنى " أدنى " أقرب " ألا تعولوا " وقيل في معنى " ألا تعولوا " ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو الأقوى والأصح = أن معناه: ألا تجوروا، ولا تميلوا يقال منه: عال الرجل يعول عولا وعيالة إذا مال وجار، ومنه عول الفرائض، لان سهامها إذا زادت دخلها النقص، قال أبو طالب: بميزان قسط وزنه غير عائل (18) وقال أبو طالب أيضا:
بميزان قسط لا يخيس شعيرة * له شاهد من نفسه غير عائل (19)
وروي: لا يضل شعيرة، وبهذا قال إبراهيم، وعكرمة، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبو مالك، والربيع بن أنس، والسدي، وابن عباس، واختاره الطبري، والجبائي. وقال قوم: معناه: ألا تفتقروا، وهذا خطأ، لان العول (20) الحاجة، يقال منه: عال الرجل يعيل عيلة إذا احتاج، كما قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه * وما يدري الغني متى يعيل (21)
أي: متى يفتقر. وقال ابن زيد: معناه: ألا تكثر عيالكم، وهذا أيضا خطأ، لان المراد لو كان ذلك لما أباح الواحدة، وما شاء من مالك الايمان، لان إباحة كل ما ملكت اليمين أزيد في العيال من أربع حرائر، على أن من كثرة العيال يقال: أعال يعيل فهو معيل، إذا كثر عياله وعال العيال: إذا مانهم، ومنه قوله: ابدأ بمن تعول. وحكي الكسائي، قال: سمعت كثيرا من العرب يقول: عال الرجل يعول إذا كثر عياله. وقوله: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " فصدقاتهن: جمع صدقة، يقال: هو صداق المرأة، وصدقة المرأة، وصدقة المرأة، وصداق المرأة، والفتح أقلها. ومن قال: صدقة المرأة قال: صدقاتهن، كما تقول: غرفة وغرفات، ويجوز صدقاتهن، بضم الصاد وفتح الدال، وصدقاتهن، ذكره الزجاج. ولا يقرأ من هذه إلا بما قرئ به صدقاتهن، لان القراءة سنة متبعة. وقوله: " نحلة " نصب على المصدر، ومعناه، قال بعضهم: فريضة، وقال بعضهم ديانة، كما يقال: فلان ينتحل كذا وكذا، أي يدين به، ذكره الزجاج، وابن خالويه. قال بعضهم: هي نحلة من الله لهن، أن جعل على الرجل الصداق ولم يجعل على المرأة شيئا من الغرم، وذلك نحلة من الله تعالى للنساء. ويقال: نحلت الرجل: إذا وهبت له نحلة ونحلا، ونحل جسمه ونحل: إذا دق، وسمي النحل نحلا لان الله نحل الناس منها العسل الذي يخرج من بطونها، والنحلة عطية عليك على غير جهة المثامنة، والنحلة الديانة، والمنحول من الشعر ما ليس له، واختلفوا في المعني بقوله " وآتوا النساء " فقال ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد، واختاره الطبري، والجبائي، والرماني، والزجاج: المراد به الأزواج، أمرهم الله تعالى باعطاء المهر إذا دخل بها كملا، إذا سمى لها، فأما غير المدخول بها إذا طلقت فان لها نصف المسمى، وإن لم يكن سمى، فلها المتعة على ما بيناه فيما مضى. وقال أبو صالح: هذا خطاب للأولياء، لان الرجل منهم كان إذا زوج أيمة أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك، وأنزل هذه الآية. وروى هذا أبو الجارود، عن أبي جعفر (ع)، وذكر المعمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرمي ان أناسا كانوا يعطي هذا الرجل أخته، ويأخذ أخت الرجل، ولا يأخذون كثير مهر، فنهى الله عن ذلك، وأمر باعطاء صداقهن، وأول الأقوال أقوى، لان الله تعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين للنساء، ونهاهم عن ظلمهن والجور عليهن، ولا ينبغي أن يترك الظاهر من غير حجة ولا دلالة، وقوله: (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا) اختلفوا فيمن المخاطب به، فقال عكرمة، وإبراهيم، وعلقمة، وقتادة، وابن عباس، وابن جريج، وابن زيد: الخطاب متوجه إلى الأزواج، لان أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شئ مما ساق إلى امرأته، فأنزل الله هذه الآية. وقال أبو صالح: ، المعني به الأولياء، لأنه حمل أول الآية أيضا عليهم، على ما حكيناه عنه، والأول هو الأولى، لأنا بينا أن الخطاب متوجه إلى الأزواج الناكحين، فكذلك آخر الآية. ومعنى " فان طبن لكم عن شئ منه نفسا " إن طابت لكم أنفسهن بشئ، ونصبه على التمييز، كما يقولون: ضقت بهذا الامر ذرعا، وقررت به عينا، والمعنى ضاق به ذرعي وقرت به عيني، كما قال الشاعر:
إذا التياز ذو العضلات قلنا * " إليك إليك " ضاق بها ذراعا (22)
وإنما هو على ذرعا وذراعا، لان المصدر والاسم يدلان على معني واحد، فنقل صفة الذراع إلى رب الذراع، ثم أخرج الذراع مفسرة لموقع الفعل، ولذلك وحد النفس لما كانت مفسرة لموقع الخبر، والنفس المراد به الجنس، يقع على الواحد والجمع، كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب (23)
ولم يقل: فجلودها، ولو قال: (فان طبن لكم عن شئ منه) أنفسا لمجاز، وكذلك ضقت به أذرعا وذراعا. فأما قوله: (بالأخسرين أعمالا) (24) إنما جمع لئلا يوهم أنه عمل يضاف إلى الجميع، كما يضاف القتل إلى جماعة إذا رضوا به، ومالأوا عليه. ومثل الآية: أنت حسن وجها، فالفعل للوجه، فلما نقل إلى صاحب الوجه، نصب الوجه على التمييز. وقوله: (فكلوه هنيئا مريئا) فهنيئا مأخوذ من هنأت البعير بالقطران، وذلك إذا جرب فعولج به، كما قال الشاعر:
متبذلا تبدو محاسنه * يضع الهناء مواضع النقب (25)
فالهني شفاء من المرض، كما أن الهناء شفاء من الجرب. ومعنى (فكلوه هنيئا مريئا) أي دواء شافيا، يقال منه: هنأني الطعام ومرأني: إذا صار لي دواء وعلاجا شافيا، وهنيني ومريني بالكسر، وهي قليلة، ومن قال: هناني يقول في المستقبل: يهناني، ويمراني، ومن يقول: هنأني، يقول يهنئني، ويمرئني، فإذا أفردوا قالوا: قد أمراني هذا الطعام، ولا يقولون: أهنانى، والمصدر منه هنا، مرا، وقد مرؤ هذا الطعام مرا، ويقال: هنأت القوم إذا علتهم، وهنأت فلانا المال إذا وهبته له، أهنؤه هنا، ومنه قولهم: إنما سميت هانيا لتهنأ، أي: لتعطي، ومعنى قوله: (فان طبن لكم عن شئ منه) يعني من المهر، و " من " ههنا ليست للتبعيض وإنما معناه لتبيين الجنس، كما قال (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) (26) ولو وهبت له المهر كله لجاز، وكان حلالا بلا خلاف. واستدل أبو علي بهذه الآية على أن لولي اليتيمة الذي هو غير الأب أن يزوج اليتيمة، أو يتزوجها قبل أن تحيض، أو يكمل عقلها، بأن (27) قال الخطاب في قوله: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) متوجه إلى الأولياء الذين كانوا يتحرجون من العقد على اليتامى اللائي لهم عليهن ولاية، خوفا من الجور، فقال الله لهم: ان خفتك من العقد على أربع فعلى ثلاث، أو اثنتين، أو واحدة، أوما ملكت أيمانكم من سوهن، ثم أمرهم باعطائهن المهر، ثم قال: (فان طبن لكم) يعني الأزواج الذين هم الأولياء، " عن شئ " من ذلك، " فكلوه هنيئا مريئا " وهذا الذي قاله ليس بصحيح، لأنه لا يسلم له أولا أنه خطاب للأولياء، فما الدليل على ذلك ثم إن عندنا وعند الشافعي ليس لأحد من الأولياء أن يزوج الصغيرة إلا الأب (28) خاصة فكيف يسلم له ما قاله؟ومن قال: يجوز ذلك، قال: يكون العقد موقوفا على بلوغها ورضاها، فإن لم ترض كان لها الفسخ، فعلى كل حال لا يصح ما قاله.
1- سورة النساء: آية 126.
2- سورة الجن: آية 15.
3- سورة النساء: آية 220.
4- سورة النور: آية 4.
5- سورة فاطر: آية 12.
6- قائله ساعدة بن جؤية الهذلي. اللسان (بغى) وروايته (سباع) بدل (ذئاب).
7- معاني القرآن 1: 255، 345، واللسان (نعر)، (صعق)، (قرد)، (ثنى) وروايته في (فرد) فراد، بدل، آحاد. وأضعفتها، بدل أصعقتها وفي (نعر) و (صعق) الحضر، بدل، الزرق. النعرات جمع نعرة وهي ذبابة تسقط على الدواب فتؤذيها وأصعقتها صواهله أي قتلتها صهيله.
8- معاني القرآن للفراء 1: 254 وروايته: وان الغلام المستهام بذكره * قتلنا به من بين مثنى وموحد بأربعة منكم وآخر خامس * وساد مع الاظلام في رمح معبد ولم يعرف لهما قائل. والبيت في المتن كما ترى ملفق منهما. وساد - بالتنوين - بمعنى سادس.
9- نسبة محمود محمد شاكر في تفسير الطبري 7: 545 إلى عمرو ذي الكلب وخطأ من نسبه إلى غيره، وهذا خطأ منه لا محالة لان رواية القدماء أكثرها إذا لم تكن جميعها تنسبه إلى صخر الغي. وقد اعترف هو أن الطبري روايته كذلك. وفي بعض الروايات (في شهر حلال) منت لك: أي قدرت لك نيتك أن تلقاني في شهر حلال، أو حرام على اختلاف الرواية.
10- مجاز القرآن 1: 116، والأغاني 3: 139 واللسان (عشر) استراثه: استبطأه، وعشار أي عشرا عشرا.
11- مجاز القرآن 1: 115، والأغاني 13: 139. وروايته فيهما (المدبر) بدل (الدابر).
12- سورة البقرة: آية 282.
13- أثبتنا ما بين القوسين لعدم استقامة المعني بدونه.
14- في المطبوعة: (الا ما أمنتم به الجور فيه.).
15- في المطبوعة: (ما يراد النهي.) وفي المخطوطة: (ما يراد به النهي.).
16- سورة الكهف: آية 29.
17- سورة النحل: آية 55، وسورة الروم: آية 34.
18- سيرة ابن هشام 1: 296. وفي البيت رواية أخرى هي (بميزان صدق).
19- سيرة ابن هشام 1: 296. وفي البيت رواية أخرى هي (بميزان صدق).
20- أثبتنا ما بين القوسين لعدم تمامية المعني الآية.
21- قائله أحيحة بن الجلاح الأوسي. معاني القرآن للفراء 1: 255، والكامل لابن الأثير 1: 278، واللسان (عيل) من قصيدة قالها في حرب بين قومه وبين الخزرج، وفي معاني القرآن بدل (وما) في الموضعين (ولا).
22- قائله القطامي، ديوانه: 44. واللسان (تيز) ومعاني القرآن 1: 256. والتياز: الكثير اللحم. وقوله (إليك إليك) أي: خذها.
23- قائله علقمة بن عبدة (علقمة الفحل) ديوانه: 27، وشرح المفضليات: 777، وسيبويه 1: 107 من قصيدة في الحارث بن جبلة بن أبي شمر الغساني حين أسر أخاه شأسا، فرحل إليه علقمة يطلب فكه. وقوله: (بها حيف الحسرى) الضمير راجع إلى المطلوب في البيت السابق، وهي آثار الطريق، والصليب الودك الذي يسيل من جلودها بعد موتها.
24- سورة الكهف: آية 104.
25- قائله دريد بن الصمة. اللسان (نقب) والأغاني 10: 22، والشعر والشعراء 302. والنقب - بضم النون وسكون القاف وفتحها - جمع نقبه، أول الجرب حين يبدو.
26- سورة الحج: آية 30.
27- في المطبوعة: فان، وقد صححنا على المخطوطة.
28- في المطبوعة: إلى الأب، وهو تحريف.