الآية 2
قوله تعالى: ﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾
المعنى:
هذا خطاب لأوصياء اليتامى، أمرهم الله بأن يعطوا اليتامى أموالهم إذا بلغوا الحلم وأونس منه الرشد، وسماهم يتامى بعد البلوغ، وايناس الرشد مجازا، لان النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا يتم بعد احتلام) كما قالوا في النبي صلى الله عليه وآله إنه يتيم أبي طالب بعد كبره يعنون انه رباه. وقوله: (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) معناه: لا تستبدلوا ما حرمه الله عليكم من أموال اليتامى بما أحله الله لكم من أموالكم، واختلفوا في صفة التبديل فقال بعضهم كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم والرفيع منه ويجعلون مكانه الردئ الخسيس، ذهب إليه إبراهيم النخعي، والسدي، وابن المسيب، والزهري، والضحاك، وقال قوم: معناه " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " بأن تتعجلوا الحرام قبل أن يأتيكم الرزق الحلال الذي قدر لكم. ذهب إليه أبو صالح، ومجاهد. وقال ابن زيد: معناه ما كان أهل الجاهلية يفعلونه، من أنهم لم يكونوا أيرزقون النساء ولا الصغار بل يأخذه الكبار. وأقوى الوجوه الوجه الأول، لأنه ذكر عقيب مال اليتامى وإن حمل على عموم النهي عن التبديل بكل مال حرام كان قويا. وقوله: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) يعني أموال اليتامى مع أموالكم والتقدير: ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوهما جميعا، فأما خلط مال اليتيم بمال نفسه إذا لم يظلمه فلا بأس به بلا خلاف قال الحسن لما نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى، فشق ذلك عليهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله، فأنزل الله تعالى: (ويسئلونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) (1) وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع). وقوله: (انه كان حوبا كبيرا) يعني إن أكلكم أموال اليتامى مع أموالكم حوب كبير، أي اثم كبير في قول ابن عباس ومجاهد. والهاء في قوله: " انه " دالة على اسم الفعل الذي هو الاكل. والحوب الاثم، يقال: حاب يحوب حوبا وحباة والاسم الحوب. وقرأ الحسن حوبا: ذهب إلى المصدر. ويقال: تحوب فلان من كذا إذا تحرج منه. ويقال نزلنا بحوبة من الأرض وبحيب من الأرض يعني بموضع سوء. وحكى الفراء عن بني أسد ان الحائب القاتل. وقال الشاعر:
إيها تطيع ابن عبس انها رحم * حبتم بها فانا ختم بحعجاع (2)
أي أثمتم والحوبة الحزن، والتحوب التحزن، والتحوب التأثم، والتحوب الهياج الشديد، والحوباء الروح والكبير العظيم.
1- سورة آل عمران: آية 220.
2- اللسان (حوب) نسبه إلى النابغة وفي (جعع) نسبه إلى نهكية الفزاري ورواية البيت فيهما: صبرا بغيض بن ريث انها رحم...