الآيات 127- 129

واما قوله ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ قال إن خافت المرأة من زوجها ان يطلقها ويعرض عنها فتقول له قد تركت لك كلما عليك ولا أسألك نفقة فلا تطلقني ولا تعرض عني فاني اكره شماتة الأعداء، فلا جناح عليه ان يقبل ذلك ولا يجري عليها شيئا، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ويستفتونك في النساء " فان نبي الله صلى الله عليه وآله سئل عن النساء ما لهن من الميراث فأنزل الله الربع والثمن.

وقوله ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء﴾ فان الرجل كان يكون في حجره يتيمة فتكون ذميمة أو ساقطة يعني حمقاء فيرغب الرجل عن أن يزوجها ولا يعطيها مالها فينكحها غيره من اخذ مالها ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها فنهى الله عن ذلك.

وقوله ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾ فان أهل الجاهلية كانوا لا يورثون الصبي الصغير ولا الجارية من ميراث آبائهم شيئا وكانوا لا يعطون الميراث إلا لمن يقاتل وكانوا يرون ذلك في دينهم حسنا، فلما انزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك وجدا(1) شديدا، فقالوا انطلقوا إلي رسول الله صلى الله عليه وآله فنذكره ذلك لعله يدعه أو يغيره فاتوه، فقالوا يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها واخوها ويعطى الصبي الصغير الميراث وليس أحد منهما يركب الفرس ولا يحوز الغنيمة ولا يقاتل العدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك أمرت،

وأما قوله ﴿وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ فإنهم كانوا يفسدون مال اليتيم فامرهم الله ان يصلحوا مالهم.

واما قوله ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ نزلت في ابنة محمد بن مسلمة كانت امرأة رافع بن جريح، وكانت امرأة قد دخلت في السن فتزوج عليها امرأة شابة كانت أعجب إليه من ابنة محمد بن مسلمة، فقالت له بنت محمد بن مسلمة ألا أراك معرضا عني مؤثرا علي؟

فقال رافع هي امرأة شابة وهي أعجب إلي فان شئت أقررت على أن لها يومين أو ثلاثة مني ولك يوم واحد، فأبت ابنة محمد بن مسلمة ان ترضاها فطلقها تطليقة واحدة ثم طلقها أخرى، فقالت لا والله لا ارضى ان تسوي بيني وبينها يقول الله ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ وابنة محمد لم تطب نفسها بنصيبها وشحت عليه، فعرض عليها رافع اما ان ترضى واما ان يطلقها الثالثة، فشحت على زوجها ورضيت فصالحته على ما ذكر فقال الله ﴿فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ فلما رضيت واستقرت.

لم يستطع ان يعدل بينهما فنزلت ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ ان تأتي واحدة وتذر الأخرى لا أيم(2) ولا ذات بعل وهذه السنة فيما كان كذلك إذا أقرت المرأة ورضيت على ما صالحها عليه زوجها فلا جناح على الزوج ولا على المرأة وان هي أبت طلقها أو يساوي بينهما لا يسعه إلا ذلك.

قال علي بن إبراهيم في قوله ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ قال أحضرت الشح فمها ما اختارته ومنها ما لم تختره.

وقوله ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء﴾ انه روي أنه سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول فقال أخبرني عن قوله " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة " وقال في آخر السورة " ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل " فبين القولين فرق، فقول أبو جعفر الأحول فلم يكن في ذلك عندي جواب فقدمت المدينة، فدخلت على أبي عبد الله (عُ) فسألته.

عن الآيتين، فقال اما قوله " فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة " فإنما عنى به النفقة.

وقوله " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء فإنما عنى به المودة، فإنه لا يقدر أحد ان يعدل بين امرأتين في المودة، فرجع أبو جعفر الأحول إلى الرجل فأخبره، فقال هذا حملته الإبل من بالحجاز.


1- الفرح والحزن والمراد معني الأخير، فهو من لغات الأضداد. ج - ز.

2- الأيم كقيم امرأة لا بعل لها. ج. ز.