الآيات 89-90

وقوله ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾ فإنها نزلت في أشجع وبنى ضمرة (وهما قبيلتان) وكان من خبرهما انه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى غزاة الحديبية (بدر ط) مر قريبا من بلادهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله هادن بنى ضمرة ووادعهم(1) قبل ذلك فقال أصحاب رسول الله ص، يا رسول الله هذه بنو ضمرة قريبا منا ونخاف ان يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشا فلو بدأنا بهم؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلا إنهم أبر العرب بالوالدين، وأوصلهم للرحم، وأوفاهم بالعهد، وكان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بنى ضمرة وهم بطن من كنانة وكانت أشجع بينهم وبين بنى ضمرة حلف في المراعاة والأمان، فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بلاد بنى ضمرة فصارت أشجع إلى بلاد بنى ضمرة فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله مسيرهم إلى بنى ضمرة تهيأ للمصير إلى أشجع فيغزوهم للموادعة التي كانت بينه وبين بنى ضمرة فأنزل الله ودوا لو تكفرون كما كفروا.. الخ

ثم استثنى بأشجع فقال ﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ وكانت أشجع محالها البيضاء والجبل والمستباح، وقد كانوا قربوا من رسول الله صلى الله عليه وآله فهابوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبعث إليهم من يغزوهم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد خافهم ان يصيبوا من أطرافه شيئا فهم بالمسير إليهم فبينما هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة وهم سبعمائة، فنزلوا شعب سلع وذلك في شهر ربيع الأول (الآخر ط) سنة ست فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله أسيد ابن حصين، فقال له اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع، فخرج أسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم، فقال ما أقدمكم؟

فقام إليه مسعود بن رجيلة وهو رئيس أشجع فسلم على أسيد وعلى أصحابه وقالوا جئنا لنوادع محمدا فرجع أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله خاف القوم ان اغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم، ثم بعث إليهم بعشرة اجمال تمر فقدمها امامه، ثم قال نعم الشئ الهدية امام الحاجة، ثم اتاهم، فقال يا معشر أشجع ما أقدمكم؟

قالوا قربت دارنا منك وليس في قومنا أقل عددا منا فضقنا بحربك لقرب دارنا منك، وضقنا بحرب قومك لقلتنا فيهم، فجئنا لنوادعك فقبل النبي صلى الله عليه وآله ذلك منهم ووادعهم، فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم وفيهم نزلت هذه الآية ﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ - إلى قوله - فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾.


1- اي صالحهم.