الآيات 77-81

وقوله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ فإنها(1) نزلت بمكة قبل الهجرة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وكتب عليهم القتال نسخ هذا، فجزع أصحابه من هذا فأنزل الله " ألم تر إلى الذين قيل لهم بمكة كفوا أيديكم " لأنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة ان يأذن لهم في محاربتهم فأنزل الله " كفوا لان قائل هذه الكلمة قد اظهر عدم وفائه لرسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين حيث اظهر فرحه على عدم اصابته المصيبة معه صلى الله عليه وآله مع أنه من شأن المؤمن ان يشارك النبي صلى الله عليه وآله في المصائب حيث أمكن، ومع عدم الامكان يتمنى المشاركة ويظهر حزنه على حزنه.

ج - ز يعني ان آية " كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فقط نزلت بمكة، والباقي نزل في المدينة.

ج - ز أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فلما كتب عليهم القتال بالمدينة ﴿قَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ فقال الله قل لهم يا محمد ﴿مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ الفتيل القشر الذي في النواة ثم قال ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ يعني الظلمات الثلاث التي ذكرها وهي المشيمة والرحم والبطن.

وقوله ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾ يعني الحسنات والسيئات ثم قال في آخر الآية ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ وقد اشتبه هذا على عدة من العلماء، فقالوا يقول الله وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله الحسنة والسيئة، ثم قال في آخر الآية " وما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، فكيف هذا وما معنى القولين؟

فالجواب في ذلك ان معنى القولين جميعا عن الصادقين عليهم السلام انهم قالوا الحسنات في كتاب الله على وجهين والسيئات على وجهين (فمن الحسنات) التي ذكرها الله، الصحة والسلامة والامن والسعة والرزق وقد سماها الله حسنات " وان تصبهم سيئة " يعني بالسيئة ههنا المرض والخوف والجوع والشدة " يطيروا بموسى ومن معه " أي يتشاءموا به (والوجه الثاني من الحسنات) يعني به افعال العباد وهو قوله " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ومثله كثير وكذلك السيئات على وجهين فمن السيئات الخوف والجوع والشدة وهو ما ذكرناه في قوله " وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " وعقوبات الذنوب فقد سماها الله السيئات (والوجه الثاني من السيئات) يعني بها؟

افعال العباد التي يعاقبون عليها فهو قوله " ومن جاء بالسيئة فكبت وجوهم في النار ".

وقوله: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " يعني ما عملت من ذنوب فعوقبت عليها في الدنيا والآخرة فمن نفسك بأفعالك لان السارق يقطع والزاني يجلد ويرجم والقاتل يقتل فقد سمى الله تعالى العلل والخوف والشدة وعقوبات الذنوب كلها سيئات فقال ما أصابك من سيئة فمن نفسك بأعمالك.

وقوله ﴿قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾ يعنى الصحة والعافية والسعة والسيئات التي هي عقوبات الذنوب من عند الله.

وقوله عز وجل يحكى قول المنافقين فقال ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ أي يبدلون ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾.


1- كما أن بعض الآيات فيه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمراد منه أمته على نحو " إياك أعني واسمعي يا جارة " كذلك هذه الآية - بناءا على التفسير المذكور - وإن كان ظاهرها متعرضا لشأن بني إسرائيل اما باطنها متعلق بأعداء آل محمد ج - ز.