الآيات 165-174

وآله

وأما قوله ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ - يقول بمعصيتكم أصابكم ما أصابكم ط - إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ فهم ثلاث مائة منافق رجعوا مع عبد الله بن أبي سلول فقال لهم جابر ابن عبد الله أنشدكم الله في نبيكم ودينكم ودياركم فقالوا والله لا يكون قتال اليوم ولو نعلم أنه يكون قتال اتبعناكم يقول الله ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ وفي رواية علي بن إبراهيم قوله ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون.

وقوله " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " قال أبو عبد الله عليه السلام ما كانوا أذلة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما نزل " لقد نصركم ببدر وأنتم ضعفاء".

فلما سكن القتال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بسعد بن الربيع فقال رجل انا اطلبه فأشار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى موضع فقال اطلبه هناك فاني قد رأيته في ذلك الموضع قد شرعت حوله اثنا عشر رمحا، قال فاتيت ذلك الموضع فإذا هو صريع بين القتلى، فقلت يا سعد، فلم يجبني ثم قلت يا سعد فلم تجيبني فقلت يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد سأل عنك، فرفع رأسه فانتعش كما ينتعش الفرخ ثم قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله لحي؟

قلت اي والله انه لحي وقد أخبرني انه رأى حولك اثنى عشر رمحا فقال الحمد لله صدق رسول الله صلى الله عليه وآله لقد طعنت اثنى عشر طعنة كله قد جأفتني(1) أبلغ قومي الأنصار السلام وقل لهم والله ما لكم عند الله عذر إن تشوك رسول الله شوكة وفيكم عين تطرف، ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور وقد كان اختفى في جوفه وقضى نحبه رحمه الله ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال رحم الله سعدا نصرنا حيا وأوصى بنا ميتا.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بعمي حمزة، فقال الحرث بن سمية انا اعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره ان يرجع إلى رسول الله فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام يا علي اطلب عمك فجاء علي عليه السلام فوقف على حمزة فكره ان يرجع إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال والله ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا المكان لان أمكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بل اصبر، فهذه الآية في سورة النحل وكان يجب أن تكون في هذه السورة التي فيها اخبار أحد، فالقى رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة بردة كانت عليه فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه وإذا مدها على رجليه بدا رأسه، فمدها على رأسه والقى على رجليه الحشيش وقال لولا أني احذر نساء بني عبد المطلب لتركته للعادية والسباع حتى يحشر يوم القيامة من بطون السباع والطير، وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بالقتلى فجمعوا فصلى عليهم ودفنهم في مضاجعهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة، قال وصاح إبليس لعنه الله بالمدينة " قتل محمد " فلم يبق أحد من نساء المهاجرين والأنصار الا خرجن، وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله تعدو على قدميها حتى وافت رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدت بين يديه فكان إذا بكى رسول الله صلى الله عليه وآله بكت لبكائه وإذا انتحب انتحبت، ونادى أبو سفيان موعدنا وموعدكم في عام قابل فتقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام قل نعم، وارتحل رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل المدينة واستقبلته النساء يولولن ويبكين فاستقبلته زينب بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله احتسبي فقالت من يا رسول الله؟

قال أخاك قالت إنا لله وإنا إليه راجعون هنيئا له الشهادة، ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله؟

قال حمزة بن عبد المطلب قالت إنا لله وإنا إليه راجعون هنيئا له الشهادة، ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله؟

قال زوجك مصعب بن عمير، قالت وا حزناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان للزوج عند المرأة لحدا ما لاحد مثله، فقيل لها لم قلت ذلك في زوجك؟ قالت ذكرت يتم ولده.

قال وتؤامرت قريش على أن يرجعوا على المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من رجل يأتينا بخبر القوم؟

فلم يجبه أحد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام انا اتيك بخبرهم، قال اذهب فان كانوا ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فهم يريدون المدينة والله لان أرادوا المدينة لا يأذن الله فيهم، وان كانوا ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة، فمضى أمير المؤمنين (ع) على ما به من الألم والجراحات حتى كان قريبا من القوم فرآهم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فرجع أمير المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أرادوا مكة.

فلما دخل رسول الله المدينة نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك ان تخرج في اثر القوم ولا يخرج معك الا من به جراحة، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا ينادي يا معشر المهاجرين والأنصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم، فاقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها فأنزل الله على نبيه " ولا تهنوا في ابتغاء إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " وهذه الآية في سورة النساء ويجب أن تكون في هذه السورة قال عز وجل ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء﴾ فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله بحمراء الأسد وقريش قد نزلت الروحا قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن عاص وخالد بن الوليد نرجع فنغير على المدينة فقد قتلنا سراتهم وكبشهم يعني حمزة، فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر فقال تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جد الطلب فقال أبو سفيان هذا النكد والبغي قد ظفرنا بالقوم وبغينا والله ما أفلح قوم قط بغوا، فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي فقال أبو سفيان أين تريد؟

قال المدينة لامتار لأهلي طعاما، قال هل لك ان تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمد وتعلمهم ان حلفاءنا وموالينا قد وافونا من الأحابيش(2) حتى يرجعوا عنا ولك عندي عشرة قلايص(3) املؤها تمرا وزبيبا؟

قال نعم، فوافا من غد ذلك اليوم حمراء الأسد، فقال لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله أين تريدون؟

قالوا قريش، قال ارجعوا فان قريشا قد أجنحت إليهم حلفاؤهم ومن كان تخلف عنهم وما أظن الا وأوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة، فقالوا ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ ونزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ارجع يا محمد فان الله قد ارهب قريشا، ومروا لا يلوون على شئ ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وانزل الله ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ يعني نعيم بن مسعود فهذا اللفظ عام ومعناه خاص ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ فلما دخلوا المدينة قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا الذي أصابنا؟

قد كنت تعدنا النصر، فأنزل الله ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ وذلك لان يوم بدر قتل من قريش سبعون وأسر منهم سبعون وكان الحكم في الأسارى القتل، فقامت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال إن الله قد أباح لهم الفداء ان يأخذوا من هؤلاء ويطلقوهم، على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذوا منه الفداء من هؤلاء، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الشرط، فقالوا قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء نتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد ما نأخذ منهم الفداء وندخل الجنة، فاخذوا منهم الفداء وأطلقوهم، فلما كان في هذا اليوم وهو يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله سبعون، فقالوا يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر فأنزل الله " أو لما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم انى هذا قل هو من عند أنفسكم " بما اشترطتم يوم بدر

وأما قوله ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فان هذه نزلت في حرب بدر، وهي مع الآيات التي في الأنفال في اخبار بدر، وقد كتبت في هذه السورة مع اخبار أحد، وكان سبب نزولها انه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما لنا لا نرى القطيفة ما أظن إلا أن رسول الله أخذها، فأنزل الله في ذلك، وما كان لنبي أن يغل.. الخ.

فجاء رجل إلى رسول الله فقال إن فلانا غل قطيفة فاخبأها هنا لك، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله بحفر ذلك الموضع فأخرج القطيفة.

وقوله ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال هم والله شيعتنا إذا دخلوا الجنة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من اخوانهم من المؤمنين في الدنيا ﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وهو رد على من يبطل الثواب والعقاب بعد الموت.


1- جأفه اي صرعه. ج - ز.

2- الأحابيش جمع أحبوشة كأحدوثة وهي الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.

3- جمع قلوص كمجوس وهي الإبل ج - ز.