الآية 84
واما قوله ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ وإنما نزلت في أبي ذر رحمة الله عليه وعثمان(1) بن عفان وكان سبب ذلك لما امر عثمان بنفي أبي ذر إلى الربذة دخل عليه أبو ذر وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مأة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون ان يقسمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال؟
فقال عثمان مأتة ألف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأي فقال أبو ذر " يا عثمان أيما أكثر مأتة ألف درهم أو أربعة دنانير "؟
فقال عثمان بل " مأتة ألف درهم " قال اما تذكر انا وأنت وقد دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله عشيا فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم(2) يرد علينا السلام فلما أصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له بآبائنا وأمهاتنا دخلنا إليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا ثم عدنا إليك اليوم فرأيناك فرحا مستبشرا فقال نعم كان قد بقي عندي من فئ المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم واسترحت منها فنظر عثمان إلى كعب الأحبار، وقال له يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئا؟
فقال لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يا بن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال " الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " فقال عثمان " يا أبا ذر انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك " فقال " كذبت يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك واما عقلي فقد بقي منه ما احفظه حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفي قومك " فقال وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي قومي؟
قال " سمعت يقول إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دغلا وعباده خولا والفاسقين حزبا والصالحين حربا " فقال عثمان " يا معشر أصحاب محمد هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله " فقالوا لا ما سمعنا هذا من رسول الله " فقال عثمان ادع عليا فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فقال له عثمان: يا أبا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب " فقال أمير المؤمنين مه يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة (اللهجة اللسان) أصدق من أبي ذر " فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله صدق أبو ذر وقد سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى أبو ذر عند ذلك فقال ويلكم كلكم قد مد عنقه إلى هذا المال ظننتم انى اكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نظر إليهم فقال من خيركم فقالوا من خيرنا فقال انا فقالوا أنت تقول انك خيرنا قال نعم خلفت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الجبة وهو عني راض وأنتم قد أحدثتم احداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله الا ما أخبرتني عن شئ أسألك عنه فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا لأخبرتك فقال اي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فقال مكة حرم الله وحرم رسول الله ا عبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا ولا كرامة لك فسكت أبو ذر فقال عثمان اي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها قال الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر قد سألتني فصدقتك وانا أسألك فأصدقني قال نعم قال أخبرني لو بعثتني في بعث من أصحابك إلى المشركين فأسروني فقالوا لا نفديه الا بثلث ما تملك قال كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه الا بنصف ما تملك قال كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه الا بكل ما تملك قال كنت أفديك قال أبو ذر الله أكبر قال حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يوما " يا أبا ذر وكيف أنت إذا قيل لك اي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله ا عبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فأي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فيقال لك سر إليها " فقلت وان هذا لكائن فقال " اي والذي نفسي بيده انه لكائن " فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي هذا على عاتقي فاضرب به قدما قدما قالا لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد انزل الله فيك وفي عثمان آية فقلت وما هي يا رسول الله فقال قوله تعالى " وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ".
1- إن قضية عثمان وأبي ذر نالت من الشياع والظهور ما لا يكاد يخفى على من له مساس بالتاريخ، فمن شاء فليراجع: مروج الذهب 1 / 438، انساب البلاذري 5 / 53، تاريخ اليعقوبي 2 / 148، طبقات ابن سعد 4 / 168 صحيح البخاري كتاب الزكاة، عمدة القاري 4 / 291، شرح نهج البلاغة (محمد عبده) 2 / 17، كتاب أبو ذر الغفاري لعبد الحميد جودة السحار ص 144.
2- لعل هذه الواقعة كانت قبل نزول آية التحية. ج - ز.