الآيات 67-73

وأما قوله ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجالهم عن أبي عبد الله (ع) قال إن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له(1) وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديا فلم ينعموا له فحسد ابن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ثم حمله إلى موسى (ع) فقال يا نبي الله هذا ابن عمى قد قتل قال موسى من قتله؟

قال لا أدري وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم ذلك على موسى فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله؟

وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه وكان نائما وكره ابنه ان ينبهه وينغض عليه نومه فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته فلما انتبه أبوه قال له يا بني ماذا صنعت في سلعتك؟

قال هي قائمة لم أبعها لان المفتاح كان تحت رأسك فكرهت ان أنبهك وأنغص عليك نومك قال له أبوه قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه وامر بني إسرائيل ان يذبحوا تلك البقرة بعينها فلما اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ فتعجبوا فقالوا ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً﴾ نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة فقال لهم موسى ﴿أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ فعلموا انهم قد أخطأوا فقالوا ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ﴾ والفارض التي قد ضربها الفحل ولا تحمل والبكر التي لم يضربها الفحل ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا﴾ اي شديدة الصفرة تسر الناظرين ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ﴾ اي لم تذلل ﴿وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ اي لا تسقى الزرع ﴿مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ﴾ اي لا نقط فيها الا الصفرة ﴿قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا أبيعها الا بملء ء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى فأخبروه فقال لهم موسى لابد لكم من ذبحها بعينها بملء جلدها ذهبا فذبحوها ثم قالوا ما تأمرنا يا نبي الله فأوحى الله تعالى إليه قل لهم اضربوه ببعضها وقولوا من قتلك؟

فاخذوا الذنب فضربوه به وقالوا من قتلك يا فلان فقال فلان بن فلان ابن عمي الذي جاء به وهو قوله ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

********** 75-79

وقوله ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ فإنما نزلت في اليهود وقد كانوا أظهروا الاسلام وكانوا منافقين وكانوا إذا رأوا رسول الله قالوا إنا معكم وإذا رأوا اليهود قالوا انا معكم وكانوا يخبرون المسلمين بما في التورية من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وقالوا لهم كبراؤهم وعلماؤهم ﴿أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ فرد الله عليهم فقال ﴿أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي من اليهود ﴿لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ وكان قوم منهم يحرفون التورية واحكامه ثم يدعون انه من عند الله فأنزل الله فيهم ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾.


1- أنعم له أي قال له " نعم " ج - ز.