فائدة
اختلف في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق المشهور أنها خمسة.
وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسل عثمان أربعة مصاحف.
قال ابن أبي داود: ز سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة والشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحداً.
فصل:
الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توفيقي لا شبهة في ذلك.
أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوفيقه صلى الله عليه وسلم أمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين انتهى.
وسيأتي من نصوص العلماء ما يدل عليه وأما النصوص فمنها حديث زيد السابق كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع.
ومنها ما أخرجه أحمد وأبوداود الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: نلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السورة ذات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لها أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال.
ومنها: ما أخرجه احمد بإسناد حسن بن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى إلى آخرها
ومنها: ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً قد نسخها الآية الأخرى فلم تكتبها أوتدعها قال: يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه
ومنها: ما رواه مسلم عن عمر قال ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري وقال: تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء.
ومنها: الأحاديث في خواتيم سورة البقرة.
ومنها: ما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعاً من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الجال.
وفي لفظ عنده من قرأ العشر لأواخر من سورة الكهف.
ومن النصوص الدالة على ذلك إجمالاً ما ثبت من قراءته صلى الله عليه وسلم لسور عديدة كسورة البقرة وآل عمران والنساء في حديث حذيفة والأعراف في صحيح البخاري أنه قرأها في المغرب.
وقد أفلح روى النسائي أنه قرأها في الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع.
والروم: روى الطبراني أنه قرأها في الصبح.
وألم تنزيل وهل أتى على الإنسان روى الشيخان أنه كان يقرؤهما في صبح الجمعة.
وق في صحيح مسلم أنه كان يقرؤها في الخطبة.
والرحمن: في المستدرك وغيره: أنه قرأها على الجن.
والنجم: في الصحيح أنه قرأها بمكة على الكفار وسجد في آخرها.
واقتربت: عند مسلم أنه كان يقرؤها مع ق في العيد.
والجمعة والمنافقون: في مسلم أنه كان يقرأ بهما في صلاة الجمعة.
والصف: في المستدرك عن عبد الله بن سلام أنه صلى الله عليه وسلم قرأها عليهم حين أنزلت حتى ختمها في سور شتى من المفصل تدل قراءته صلى الله عليه وسلم لها بمشهد من الصحابة أن ترتيب آياتها توقيفي وكان الصحابة ليرتبوا ترتيباً سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على خلافه فبلغ ذلك مبلغ التواتر.
نعم يشكل على ذلك ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوها في آخرها.
قال ابن حجر: ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك إلا بتوقيف.
قلت: يعارضه ما أخرجه ابن أبي داود من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب أنهم جمعوا القرآن فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ظنوا أن هذا آخر ما أنزل فقال أبيّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعد هذا آيتين لقد جاءكم رسول إلى آخر السورة.
وقال مكي وغيره: ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة.
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا.
وقال أيضاً: الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين الذي حواه مصحف عثمان وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه ز أن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى ورتبه عليه رسوله من آي السور لم يقدم من ذلك مؤخر ولا منه مقدم وإن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات التلاوة وأنه يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رتب سوره وأن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده ولم يتول ذلك بنفسه.
قال: وهذا الثاني أقرب.
وأخرج عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البغوي في شرح السنة: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أوأنقصوا منه شيئاً خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أ قدموا شيئاً وأخروا أووضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعى الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ في اللوح على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقاً عند الحاجة.