العاشر - مسالة البداء

العاشر - مسالة البداء

البداء في التكوين كالنسخ في التشريع، امر واقع، وقد صرح به الكتاب وتواترت به الروايات عن اهل بيت العصمة.

وهو كالنسخ، له معنى باطل ومستحيل على اللّه تعالى، وهو عبارة عن نشاة راي جديد هذا المعنى مستحيل على اللّه، ولا تصح نسبته اليه تعالى شانه.

وله معنى آخر، هو معقول، عبارة عن ظهو ر امر بعد خفائه على الناس كان يعلم به اللّه منذ الازل، وقدره كذلك منذ البد، ولكن لمصلحة في التكليف اخفاه ثم ابداه لوقته كما في مسالة النسخ، كان الامد ﴿امد التكليف﴾ معلوما للّه ومقدرا من البد، سوى ان الناس حسبوا دوامه واستمراره استنادا إلى ظهو ر اللفظ في الدوام، ما لم يات ناسخ.

وهكذا الاجل في مسالة البدا، له ظاهر يعلمه أولوالبصائر في اسرار الوجود، وله واقع يعلمه علام الغيوب فيبديه لوقته وفق حكمته.

فالبدا من البدو، اي الظهو ر، انما يحصل للناس، وكانت نسبته إلى اللّه مجازا بالمناسبة، لانه الذي يظهره لهم وتشبيه في التعبير، كانه بدا للّه وهو في الحقيقة ابدا منه تعالى.

واليك من دلائل الكتاب ما يدلك على هذه الحقيقة، مشفوعة بنبذ من كلمات الائمة الاطهار.

1- قال تعالى: ﴿لكل اجل كتاب، يمحواللّه ما يشا ويثبت وعنده ام الكتاب﴾ (1).

الاجال مقدرة في الازل حسب استعدادات الاشيا والاشخاص كل بحسب ذاته وطبعه، لولا عروض الطوارئ المغيرة للاجال، والتي لا يعلمها سوى اللّه، ومن ثم يمحوما يشا ويثبت وعنده ام الكتاب، اي العلم النهائي المكنون في اللوح المحفوظ.

فعلمه تعالى التدبيري لاحوال الخلق علمان: علم مخزون لا يعلمه سوى اللّه، وهو المسمى باللوح المحفوظ وعلم علمه ملائكته وانبياه وسائر أوليائه، وهو الذي يصير فيه البدا، المعبر عنه بلوح المحووالاثبات.

قال الإمام الصادق (ع): ﴿ان للّه علمين، علم مكنون مخزون لا يعلمه الا هو ، من ذلك يكون البدا وعلم علمه ملائكته ورسله وانبياه ونحن نعله﴾ (2).

قوله: ﴿من ذلك يكون البدا﴾ اي منشا البدا هو ذلك العلم الازلي المخزون الذي لا يتغير فهناك علم يكون منه البدا، وهو اللوح المحفوظ وعلم يكون فيه البدا، وهو لوح المحووالاثبات.

قال (ع): ﴿من زعم ان اللّه عز وجل يبدوله في شي لم يعلمه امس، فابرؤوا منه﴾ (3) وهذا هو معنى البداالباطل، المستحيل على اللّه سبحانه وتعالى.

2 - وقال تعالى: ﴿هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا، واجل مسمى عنده﴾ (4).

فهناك اجلان: اجل قضى وقدر حسب طبائع الاشيا واستعداداتها يعلمه من يعلم من اسرار طبيعة الوجودحسبما علمه اللّه وفيه البدا، واجل مسمى عنده في علمه المخزون الذي لا يتغير ويكون منه البدا حسب تعبير الإمام الصادق (ع).

وقد احتار الإمام الرازي في تفسير هذه الاية والاية الأولى قال في قوله تعالى: ﴿واجل مسمى عنده﴾:اختلف المفسرون على وجوه:

الأول: ﴿قضى اجلا﴾: آجال الماضين، ﴿واجل مسمى﴾: آجال الباقين.

الثاني: ان الأول اجل الموت، والثاني اجل القيامة.

الثالث: ان الأول اجل هذه الحياة، والثاني اجل الحياة البرزخية.

الرابع: القبض عند النوم، والقبض عند الموت.

الخامس: مقدار ما انقضى من العمر، ومقدار ما بقي من العمر.

السادس: وهو قول الحكما: احدهما الاجال الطبيعية، والثاني الاجال الاخترامية (5).

وقال في قوله تعالى: ﴿يمحواللّه ما يشا ويثبت﴾: في هذه الاية قولان: القول الأول: انها عامة في كل شي، فهو تعالى يزيد في الرزق وينقص، وكذا في الاجل والسعادة والشقا والايمان والكفر وهو مذهب جماعة من السلف.

القول الثاني: انها خاصة ببعض الاشقيا قال: وعلى هذا التقرير ففي الاية وجوه:

الأول: المحووالاثبات، بنسخ حكم سابق واثبات حكم لاحق.

الثاني: المحومن ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة.

الثالث: اثبات الاثم بالذنب ومحوه بالتوبة.

الرابع: يمحوما يشا، اي يتوفى من جا اجله ويثبت من لم يجئ اجله فيبقيه.

الخامس: يثبت في ابتدا السنة فإذا انتهت محاه.

السادس: يمحونور القمر ويثبت نور الشمس.


1- الرعد/ 39.

2- بحار الانوار، ج4، ص 109 110 رقم 27.

3- المصدر، ص 111 رقم 30.

4- الانعام / 2.

5- التفسير الكبير، ج12، ص 153.