التاسع - حديث الرجعة

قال تعالى: ﴿ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بياتنا فهم يوزعون﴾ (1). هذه الاية الكريمة اظهر آية دلتنا على ثبوت الرجعة، وهي الحشرة الصغرى قبل الحشرة الكبرى يوم القيامة حيث التعبير وقع في هذه الاية بحشر فوج من كل امة، اي جماعة منهم وليس كلهم اما الحشر الاكبرفهو الذي قال فيه تعالى: ﴿وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا﴾ (2) وقد تكرر قوله تعالى: ﴿ويوم نحشرهم جميعا﴾ (3).

قال الإمام الصادق (ع): هذا في الرجعة فقيل له: ان القوم يزعمون انه يوم القيامة اللّه يوم القيامة من كل امة فوجا ويدع الباقين؟ حشرناهم فلم نغادرمنهم احدا﴾ (4).

ومسالة الرجعة، حسبما تعتقده الشيعة الإمامية، وهي رجعة اموات إلى الحياة قبل قيام الساعة، ثم يموتون موتهم الثاني، ليست بدعا من القول إلى جنب قدرة اللّه تعالى في الخلق، كما قص في كتابه من قصة عزير، واصحاب الكهف، والذين خرجوا من ديارهم وهم الوف، والسبعين رجلا من قوم موسى، وغير ذلك مما وقع في امم خلت، فلا بدع ان يقع في هذه الامة مثلها.

ولعلمائنا الاعلام بهذا الشان دلائل ومسائل استقصوا فيها الكلام نذكر منها:

وللصدوق ﴿ره﴾ في رسالة الاعتقاد بيان واف بشان اثبات الرجعة، استشهد بيات جا فيها ذكر الاحيا لاموات في هذه الحياة، فبعثهم اللّه احيا بعد ما اماتهم، فعاشوا زمانا ثم ماتوا موتهم الثاني، نظير ما نقوله في الرجعة، يعود اقوام إلى الحياة ويعيشون فترة ثم يموتون قبل قيام الساعة كل ذلك دليل على امكان الرجعة وانها ليست بدعا من القول أويستنكر إلى جنب قدرة اللّه تعالى في الخلق.

والايات التي استشهد بها هي:

1 - قوله تعالى: ﴿الم تر الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم﴾ (5) هؤلا قوم حزقيل - ويقال له ابن العجوز (6) - فروا من القتال أوالطاعون، فاماتهم اللّه فخرج حزقيل في طلبهم فوجدهم موتى فدعا اللّه ان يعيد اليهم الحياة فاحياهم اللّه فرجعوا إلى الدنيا وسكنوا الدور واكلوا الطعام ونكحوا النسا ومكثوا ما شا اللّه ثم ماتوا بجالهم (7).

2- قوله: ﴿أوكالذي مر على قرية وهى خأوية على عروشها قال انى يحيي هذه اللّه بعد موتها فاماته اللّه مائة عام ثم بعثه - إلى قوله - ولنجعلك آية للناس﴾ (8) هو عزير، وقيل: ارميا وكلا هما مروى، الأول عن الإمام أبي عبد اللّه والثاني عن الإمام أبي جعفر(ع).

وروي عن علي (ع) ان عزير خرج من اهله وامراته حامل، وله خمسون سنة ثم لما رجع وهو على سنه الأولى وجد ابنه اكبر منه، ابن مائة سنة وهذا من آيات اللّه (9).

3- وقوله تعالى: ﴿وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فاخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون﴾ (10) قال الطبرسي:اي ثم احييناكم لاستكمال آجالكم.

قال: واستدل قوم من اصحابنا بهذه الاية على جواز الرجعة وقول القائل: لا تجوز الا في حياة النبي لتكون دليلا على نبوته باطل، لانه عندنا بل عند اكثر الامة يجوز اظهار المعجزات على ايدي الائمة والأوليا وقال أبوالقاسم البلخي: لا تجوز الرجعة مع الاعلام بها، لاستلزامه الاغرا بالمعاصي اتكالا على التوبة عند الكرة وجوابه: ان الرجعة التي نقول بها ليست لجميع الناس فلا اغرا، إذ لا قطع برجوع اى احد (11).

4- وقوله تعالى - خطابا مع عيسى (ع): ﴿وإذ تخرج الموتى باذني﴾ (12) قال الصدوق: وجميع الموتى الذين احياهم عيسى المسيح باذن اللّه، عاشوا فترة ثم ماتوا بجالهم.

5 - واصحاب الكهف ﴿لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا﴾ ثم بعثهم اللّه قال تعالى:﴿فضربنا على إذانهم في الكهف سنين عدا، ثم بعثناهم لنعلم اى الحزبين احصى لما لبثوا امدا - إلى قوله - وكذلك بعثناهم ليتسالوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوالبثنا يوما أوبعض يوم﴾ (13).

قال الصدوق: وحيث كانت الرجعة في الامم السالفة، فلا غروان يقع مثلها في هذه الامة، كما في الحديث: يكون في هذه الامة ما وقع في الامم السالفة (14).

6- وزاد أبوعبد اللّه المفيد الاستدلال بقوله تعالى: ﴿قالوا ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل﴾ (15) فهذا الاعتراف والاستدعا كان يوم القيامة والمراد بالحياتين والمماتين: الحياة قبل الرجعة والحياة بعدها وكذا الموتتان قبل وبعد الرجعة وذلك لانهم ندموا على ما فرط منهم في تينك الحياتين، ومعلوم ان لا عمل نافعا ولا تكليف الا في الحياة الدنيا.

وقد استوفى الكلام حول الاية بمناسبة المقام، حسبما ياتي عند نقل كلامه.

7 - وهكذا قوله تعالى: ﴿انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا﴾ (16) حيث سئل عن هذا النصر، فاجاب من وجوه: وقال: وقد قالت الإمامية: ان اللّه تعالى ينجز الوعد بالنصر للأوليا قبل الاخرة عند قيام القائم والكرة التي وعد بها المؤمنين في العاقبة (17).

8 - واستدل الصدوق ايضا بقوله تعالى: ﴿واقسموا باللّه جهد ايمانهم لايبعث اللّه من يموت، بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس لا يعلمون﴾ (18).

قال: يعني في الرجعة، وذلك انه يقول: ﴿ليبين لهم الذي يختلفون فيه﴾ (19) والتبيين يكون في الدنيا (20).

9 - وذكر جار اللّه الزمخشري في حديث ذي القرنين عن علي امير المؤمنين (ع)، ساله ابن الكوا: ما ذوالقرنين، املك ام نبي، فقال: ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبدا صالحا، ضرب على قرنه الايمن في طاعة اللّه فمات، ثم بعثه اللّه فضرب على قرنه الايسر فمات، فبعثه اللّه فسمي ذا لقرنين، وفيكم مثله (21) يعني نفسه (ع).

قال السيد رضي الدين بن طأووس: قول مولانا علي (ع): ﴿وفيكم مثله﴾ اشارة إلى ضرب ابن ملجم له، وانه يعود إلى الدنيا بعد وفاته كما رجع ذوالقرنين وهذا ابلغ من روايات الشيعة في الرجعة (22).

10- وروى الشيخ حسن بن سليمان في كتابه المحتضر حديث الائمة الاثني عشر، رواه سلمان الفارسي عن رسول اللّه (ع) ثم قال سلمان: فبكيت وقلت يا رسول اللّه، فانى لسلمان لادراكهم؟ قال: يا سلمان انك مدركهم وامثالك ومن تولاهم حقيقة المعرفة قال سلمان: فشكرت اللّه كثيرا، ثم قلت: يا رسول اللّه، اني مؤجل إلى عهدهم؟ قال: يا سلمان، اقرا: ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلنكم اكثر نفيرا﴾ (23).

قال سلمان: قلت بعهد منك يا رسول الل ه؟ قال: اي وكل من هو منا ومظلوم فينا، ثم ليحضرن ابليس وجنوده وكل من محض الايمان محضا ومحض الكفر محضا حتى تؤخذ الأوتار والثارات، ولا يظلم ربك احدأونحن تأويل هذه الاية: ﴿ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الا رض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الا رض﴾ (24).

قال العلامة المجلسي: ورواه ابن عياش في المقتضب باسناده إلى سلمان ايضا (25).

قلت: وهذا عن تأويل الايتين وتفسير معاني القرآن الباطنة.

قال أبوعلي الطبرسي: واستدل بهذه الاية - سورة النمل / 83 - على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بان قال: ان دخول ﴿من﴾ في الكلام يوجب التبعيض، فدل ذلك على ان اليوم المشار اليه في الاية يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه: ﴿وحشرناهم فلم نغادرمنهم احدا﴾.

قال: وقد تظاهرت الاخبار عن ائمة الهدى من آل محمد(ع) في ان اللّه تعالى سيعيد عند قيام المهدي قوماممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ويبتهجوا بظهو ر دولته، ويعيد ايضا قوما من اعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من الخزي والهو ان.

قال: ولايشك عاقل ان هذا مقدور للّه تعالى غير مستحيل في نفسه وقد فعل اللّه ذلك في الامم الخالية، ونطق به القرآن في عدة مواضع، مثل قصة عزير وغيره على ما فسرناه في موضعه.

قال: الا ان جماعة من الإمامية تأولوا ما ورد من الاخبار في الرجعة، إلى رجوع دولة الحق، دون رجوع الاشخاص باحيا الاموات وأولوا الاخبار الواردة في ذلك، ما ظنوا ان الرجعة تنافي التكليف.

قال: وليس كذلك، لانه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح، والتكليف يصح معها كمايصح مع ظهو ر المعجزات الباهرة والايات القاهرة.

قال: ولان الرجعة لم تثبت بظواهر الاخبار ليتطرق اليها التأويل، وانما المعول في ذلك اجماع الشيعة الإمامية، وان كانت الاخبار تعضده (26).

وللعلامة المجلسي كلام مسهب حول مسالة الرجعة، أورد اكثر من مئتي حديث عن مصادر معتبرة، ثم يقول: وكيف يشك مؤمن بحقية الائمة الاطهار، فيما تواتر عنهم في قريب من مئتي حديث صريح رواها نيف واربعون من الثقات العظام والعلما الاعلام، في ازيد من خمسين من مؤلفاتهم ثم ياخذ في تعداد من الف في ذلك بالخصوص، أوأورد احاديثه في كتابه من قدما اصحابنا ومتاخريهم وياخذ بالاستشهاد بيات، وكذاروايات عن غير طرق اهل البيت، مما يمس مسالة الرجعة أوتكون نظيرة لها فراجع (27).

وكان بين السيد اسماعيل بن محمد الحميري والقاضي سوار (28) منأوشة وعدا على عهد المنصورالعباسي فمما جرى بينهما فيما رواه الشيخ أبوعبد اللّه المفيد باسناده إلى الحرث بن عبد اللّه الربعي - قال: كنت جالسا في مجلس المنصور، وهو بالجسر الاكبر، وسوار عنده، والسيد ينشده:

ان الاله الذي لا شي يشبهه آتاكم الملك للدنيا وللدين.

آتاكم اللّه ملكا لا زوال له حتى يقاد اليكم صاحب الصين.

وصاحب الهند ماخوذ برمته وصاحب الترك محبوس على هو ن.

حتى اتى على القصيدة والمنصور مسرور.

فقال سوار: هذا واللّه يا امير المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه، واللّه ان القوم الذين يدين بحبهم لغيركم، وانه لينطوي على عدأوتكم.

فقال السيد: والل ه انه لكاذب، واننى في مديحك لصادق، ولكنه حمله الحسد، إذ رآك على هذه الحال وان انقطاعي ومودتي لكم اهل البيت لمعرق (29) لي فيها عن ابوى، وان هذا وقومه لاعداؤكم في الجاهلية والاسلام، وقد انزل اللّه عز وجل في اهل بيت هذا ﴿ان الذين ينادونك من ورا الحجرات اكثرهم لا يعقلون﴾ (30).

فقال المنصور: صدقت.

فقال سوار: يا امير المؤمنين، انه يقول بالرجعة، ويتنأول الشيخين.

فقال السيد: اما قوله: باني اقول بالرجعة، فان قولي في ذلك على ما قال اللّه تعالى:﴿ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بياتنا فهم يوزعون﴾ (31) وقد قال في آخر: ﴿وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا﴾ (32) فعلمت ان هاهنا حشرين: احدهما عام والاخر خاص وقال سبحانه: ﴿ربناامتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل﴾ (33) وقال اللّه تعالى: ﴿الم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم﴾ (34) وقال اللّه تعالى: ﴿فاماته اللّه ماة عام ثم بعثه﴾ (35).

فهذا كتاب اللّه عز وجل وقد قال رسول اللّه (ع): ﴿يحشر المتكبرون في صورة الذر يوم القيامة﴾ وقال (ع): ﴿لم يجر في بني اسرائيل شي الا ويكون في امتي مثله حتى المسخ والخسف والقذف﴾ وقال حذيفة: ﴿واللّه ما ابعد ان يمسخ اللّه كثيرا من هذه الامة قردة وخنازير﴾.

فالرجعة التي نذهب اليها هي ما نطق به القرآن وجات به السنة وانني اعتقد ان اللّه تعالى يرد هذا - يعني سوارا - إلى الدنيا كلبا أوقردا أوخنزيرا أوذرة، فانه واللّه متجبر متكبر كافر فضحك المنصور (36).

وقال الشيخ أبوعبد اللّه المفيد، في جواب من ساله عن قول مولانا جعفر بن محمد الصادق (ع):﴿ليس منا من لم يقل بمتعتنا ولم يؤمن برجعتنا﴾ ا هي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمنين أولغيرهم من الظلمة الجائرين يوم القيامة؟.

فاجاب عن المتعة بما اسلفنا ثم قال: واما قوله (ع): من لم يؤمن برجعتنا فليس منا فانما اراد بذلك ما اختصه من القول به في ان اللّه تعالى يحيي قوما من امة محمد(ع) بعد موتهم قبل يوم القيامة وهذا مذهب مختص به آل محمد، وقد اخبر اللّه عز وجل في ذكر الحشر الاكبر: ﴿وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا﴾ وقال في حشر الرجعة قبل يوم القيامة: ﴿ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بياتنا فهم يوزعون﴾ فاخبر ان الحشر حشران: حشر عام وحشر خاص وقال سبحانه يخبر عمن يحشر من الظالمين انه يقول في القيامة يوم الحشر: ﴿ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل﴾.

وللعامة في هذه الاية تأويل مردود، وهو : ان المعنى بقوله: ﴿امتنا اثنتين﴾ انه خلقهم امواتا ثم اماتهم بعدالحياة (37).

وهذا باطل لا يجري على لسان العرب، لان الفعل لا يدخل الا على ما كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها، ومن خلقه اللّه ميتا لا يقال له: اماته، وانما يقال ذلك فيمن طرا عليه الموت بعد الحياة (38)، ولذلك لايقال: جعله اللّه ميتا الا بعد ما كان حيا وهذا بين.

قال: وقد زعم بعضهم ان المراد بقوله: ﴿امتنا اثنتين﴾ الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمسائلة، فتكون الأولى قبل الاحيا والثانية بعده.

وهذا ايضا باطل من وجه آخر، وهو : ان الحياة للمسائلة ليست لتكليف فيندم الانسان على ما فاته في حياته، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم مرتين، يدل على انه لم يرد حياة المسائلة، لكنه اراد حياة الرجعة التي يكون لتكليفهم الندم على تفريطهم، فلم يفعلوا فيندعون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك (39).

وسئل السيد المرتضى علم الهدى عن حقيقة الرجعة، لان شذاذ الإمامية يذهبون إلى ان الرجعة رجوع دولتهم في ايام القائم (ع) من دون رجوع اجسامهم.

فاجاب ﴿قدس سره﴾ بان الذي تذهب الشيعة الإمامية اليه: ان اللّه يعيد عند ظهو ر امام الزمان المهدي (ع) قوما ممن كان قد تقدم موته من شيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته، ويعيد ايضا قوما من اعدائه لينتقم منهم، فيلتذوا بما يشاهدون من ظهو ر الحق وعلوكلمة اهله.

والدلالة على صحة هذا المذهب ان الذي ذهبوا اليه بما لا شبهة على عاقل في انه مقدور للّه تعالى غير مستحيل في نفسه، فانا نرى كثيرا من مخالفينا ينكرون الرجعة انكار من يراها مستحيلة غير مقدورة.

وإذا ثبت جواز الرجعة ودخولها تحت المقدور، فالطريق إلى اثباتها اجماع الإمامية على وقوعها، فانهم لا يختلفون في ذلك، واجماعهم قد بينا في مواضع من كتبنا انه حجة.

وقد بينا ان الرجعة لا تنافي التكليف، وان الدواعي مترددة معها، حيث لا يظن ظان ان تكليف من يعاد باطل وذكرنا ان التكليف كما يصح مع ظهو ر المعجزات الباهرة والايات القاهرة، فكذلك مع الرجعة، لانه ليس في الجميع ملجئ إلى فعل الواجب والامتناع من فعل القبيح.

فاما من تأول الرجعة من اصحابنا، على ان معناها رجوع الدولة والأمر والنهي، من دون رجوع الاشخاص واحيا الاموات، فان قوما من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة وبيان جوازها وانها تنافي التكليف، عولواعلى هذا التأويل للاخبار الواردة بالرجعة وهذا منهم غير صحيح، لان الرجعة لم تثبت بظواهر الاخبار المنقولة، فيطرق التأويلات عليها، فكيف يثبت ما هو مقطوع على صحته باخبار الاحاد التي لا توجب العلم وانماالمعول في اثبات الرجعة على اجماع الإمامية (40).

وقال الإمام كاشف الغطا ردا على من زعم ان القول بالرجعة ركن من اركان التشيع - (41):

﴿وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم، ولا انكارها بضار، وان كانت ضرورية عندهم، ولكن لا يناطالتشيع بها وجودا وعدما وليست هي الا كبعض انبا الغيب، وحوادث المستقبل، واشراط الساعة مثل: نزول عيسى من السما، وظهو ر الدجال، وخروج السفياني وامثالها، من القضايا الشائعة عند المسلمين، وما هي من الاسلام في شي، ليس انكارها خروجا منه، ولا الاعتراف بها بذاته دخولا فيه وكذا حال الرجعة عند الشيعة.

ثم قال: هل ترى المتهو سين على الشيعة بحديث الرجعة قديما وحديثا، عرفوا معنى الرجعة والمراد بها عندمن يقول بها من الشيعة؟ واي غرابة واستحالة في العقول ان سيحيي اللّه سبحانه جماعة من الناس بعد موتهم، واي نكر في هذا بعد ان وقع مثله بنص الكتاب الكريم الم يسمع المتهو سون قصة ابن العجوز التي قصها اللّه سبحانه بقوله: ﴿الم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم﴾ (42) الم تمر عليهم كريمة قوله تعالى: ﴿ويوم نحشر من كل امة فوجا﴾ (43)، مع ان يوم القيامة تحشر فيه جميع الامم لا من كل امة فوج.

قال: وحديث الطعن بالرجعة كان داب علما السنة من العصر الأول إلى هذه العصور، فكان علما الجرح والتعديل منهم إذا ذكروا بعض العظما من رواة الشيعة ومحدثيهم ولم يجدوا مجالا للطعن فيه لوثاقته وورعه وامانته نبزوه بانه يقول بالرجعة فكانهم يقولون: يعبد صنما أويجعل للّه شريكا ونادرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة معروفة وانا لا اريد ان اثبت - في مقامي هذا ولا غيره - صحة القول بالرجعة، وليس لها عندي من الاهتمام قدر صغير أوكبير، ولكني اردت ان ادل ﴿فجر الاسلام﴾ على موضع غلطه وسؤتحامله﴾ (44).

وقال العلامة العميد الشيخ محمد رضا المظفر: الذي تذهب اليه الإمامية اخذا بما جا عن آل البيت (ع) ان اللّه تعالى يعيد قوما من الاموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقا ويذل فريقا آخر، ويدين المحقين من المبطلين، والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد(ع).

ولا يرجع الا من علت درجته في الايمان أومن بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أوالعقاب، كما حكى اللّه تعالى في قرآنه الكريم، تمنى هؤلاالمرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع، فنالوا مقت اللّه ان يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون: ﴿قالوا ربنا امتنااثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل﴾ (45).

نعم قد جا القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا، وتظافرت به الاخبار عن بيت العصمة والإمامية باجمعها عليه الا قليلون منهم تأولوا ما ورد في الرجعة بان معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهو ر الإمام المنتظر، من دون رجوع اعيان الاشخاص واحيا الموتى.

ثم يتعرض للنقاش حول امكان الرجعة، والروايات الواردة بشانها، وانها مما تواترت عن ائمة آل البيت ولاموضع للتشنيع بها على الشيعة واخيرا يقول:

وعلى كل حال فالرجعة ليست من الاصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها وانمااعتقادنا بها كان تبعا للاثار الصحيحة الواردة عن آل البيت (ع) الذين ندين بعصمتهم من الكذب، وهي من الامور الغيبية التي اخبروا عنها، ولا يمتنع وقوعها (46).

وفسر الاية ﴿النمل / 83﴾ من لا يعتقد بالرجعة بانه حشر ثان إلى النار، بعد الحشر الاكبر من القبور.

قالوا: والمراد بالفوج هم الزعما وقادة الضلال، يحشرون إلى النار في مقدمة اتباعهم فيساق أبوجهل والوليدبن المغيرة وشعبة بن ربيعة بين يدي كفار مكة وهكذا يحشر قادة سائر الامم بين ايديهم إلى النار (47).

قال الزمخشري: ﴿فهم يوزعون﴾ اي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا فيكبكبوا في النار قال: وهذه عبارة عن كثرة العدد وتباعد اطرافه، كما وصفت جنود سليمان بذلك (48).

قال تعالى: ﴿وحشر لسليمان جنوده من الجن والا نس والطير فهم يوزعون﴾ (49).

غير ان الذين يحشرون إلى النار هم اعدا اللّه جميعا وليس فريق منهم قال تعالى: ﴿ويوم يحشر اعدااللّه إلى النار فهم يوزعون﴾ (50) قوله: يوزعون، اي يدفع بعضهم بعضا فيتدافعون إلى النار لكثرتهم وازدحامهم.

اما تلك الاية فالحشر والتدافع كان بالفوج فحسب، وليس كل اعدا اللّه والتفسير بالزعما والقادة امام الاتباع والسفلة، تخرص بالغيب لا مستند له.


1- النمل / 82.

2- الكهف / 47.

3- الانعام / 22 و128 يونس / 28 سباء/ 40.

4- تفسير الصافي، ج2، ص 247 248.

5- البقرة / 243.

6- وذلك ان امه كانت عجوزا فسالت اللّه الولد وقد كبرت فوهبه اللّه لها ﴿مجمع البيان، ج2،ص 346﴾.

7- روى ذلك حمران بن اعين عن الامام ابي جعفر الباقر(ع) ﴿مجمع البيان، ج2، ص 347﴾.

8- البقرة / 259.

9- مجمع البيان، ج2، ص 370.

10- البقره / 55 56.

11- مجمع البيان، ج1، ص 115.

12- المائدة / 110.

13- الكهف / 11 25.

14- عقائد الصدوق، ص 62 والبحار، ج53، ص 128 129.

15- غافر/ 11.

16- غافر/ 51.

17- في اجوبة المسائل العكبيرية ﴿البحار، ج53، ص 130﴾.

18- النحل / 38.

19- النحل / 39.

20- رسالة الاعتقاد والبحار، ج53، ص 130.

21- تفسير الكشاف، ج2، ص 743 سورة الكهف / 83 88.

22- سعد السعود، ص 65.

23- الاسراء/ 6.

24- القصص / 5.

25- بحار الانوار، ج53، ص 142 144.

26- مجمع البيان، ج7، ص 234 235.

27- بحار الانوار، ج53 ﴿باب 29 الرجعة﴾، ص 39 144.

28- هو سوار بن عبد اللّه بن قدامة بن عنزة وينتهي نسبه الى كعب بن العنبر بن عمروبن تميم ولاه المنصور قضا البصرة سنة 138، ومات بها سنة 156 ﴿تهذيب التهذيب، ج4،ص 269﴾.

29- يقال: اعرق الرجل، اي صار عريقا، اي اصيلا في الشرف اي مودتي ذات عرق واصالة قديمة.

30- الحجرات / 4 نزلت في بني العنبر كان النبي (ع) سبى قوما منهم فجاؤوا في فدائهم،فاعتق نصفهم وفادى النصف وكانوا مذ اتوا النبي جعلوا ينادونه من ورا الحجرات ليخرج اليهم، وكان ذلك منهم سؤ ادب، اذ لم يعرفوا مقام النبي يقول تعالى: ﴿ولوانهم صبروا حتى تخرج اليهم لكان خيرا لهم﴾ الحجرات / 4 5 ﴿مجمع البيان، ج9، ص 131﴾ وكان سوار من بني العنبر، وكان عثمانيا خرج مع اصحاب الجمل ايضا وفي ذلك يقول السيد الحميري يهجوه بمحضر المنصور: يا امين اللّه يا منصور يا خير الولاة ان سوار بن عبد اللّه من شر القضاة. نعثلي جملي لكم غير مؤات جده سارق عنز فجرة من فجرات. والذي كان ينادي من ورا الحجرات يا هنات اخرج الينا اننا اهل هنات. ﴿الفصول المختارة للشيخ المفيد، ص 60﴾. وراجع: اخبار السيد في الاغاني ﴿ج 7، ص 248 297﴾ ولا سيما ما جرى بينه وبين القاضي سوار فانه ممتع.

31- النمل /83.

32- الكهف / 47.

33- غافر / 11.

34- البقرة / 243.

35- البقرة / 259.

36- الفصول المختارة من العيون والمحاسن للشيخ ابي عبد اللّه المفيد ﴿ص 61 62﴾ ونقله العلامة المجلسي في البحار ﴿ج 53، ص 130 131﴾.

37- ذكر الفخر الرازي ان كثيرا من المفسرين قالوا بان الموتة الأولى هي الحالة الحاصلة عندكون الانسان نطفة وعلقة ورجح ذلك بقوله تعالى: ﴿كيف تكفرون باللّه وكنتم امواتافاحياكم﴾ ورتب على ذلك انكار الحياة البرزخية في القبر ﴿التفسير الكبير، ج27، ص 39﴾.

38- اما قوله تعالى: ﴿وكنتم امواتا فاحياكم﴾ البقرة / 28 فلان الميت يصدق على ما لا حراك فيه ولا حياة منذ البداية نظير الموات من الارضين.

39- المسائل السروية ﴿ضمن رسائل المفيد﴾، ص 208 209.

40- المسائل الرازية ﴿المسالة الثامنة﴾ رسائل الشريف الرضي المجموعة الأولى، ص 125 126 ونقلها البحار، ج53، ص 138 139.

41- يقول احمد امين: فاليهو دية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة ﴿فجر الاسلام، ص 276﴾،وراجع: صفحات ﴿269 270 و273 ايضا﴾.

42- البقرة / 243.

43- النمل / 83.

44- اصل الشيعة واصولها للعلامة الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطا، رحمه اللّه،ص 99-101.

45- المؤمن / 11.

46- عقائد الامامية للمظفر، ص 80 84 رقم 32.

47- روح المعاني لمحمود الالوسي، ج20، ص 26.

48- الكشاف، ج3، ص 385.

49- النمل / 17.

50- فصلت / 19.