محأورة مفيدة

ويتناسب هنا ان ننقل محأورة وقعت بين الشيخ أبي عبد اللّه المفيد، وشيخ من الاسماعيلية كان على مذهب الجماعة يعرف بابن لؤلؤ قال المفيد: حضرت دار بعض قواد الدولة، وكان بالحضرة شيخ من الاسماعيلية، فسالني: ما الدليل على اباحة المتعة؟.

فقلت له: الدليل على ذلك قول اللّه عز وجل: ﴿واحل لكم مأورا ذلكم ان تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ان اللّه كان عليما حكيما﴾ (1).

فاحل جل اسمه نكاح المتعة بصريح لفظها، وبذكر أوصافها من الاجر عليها، والتراضي بعد الفرض له، من الازدياد في الاجل وزيادة الاجر فيها.

فقال: ما انكرت ان تكون هذه الاية منسوخة بقوله: ﴿والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أوما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى ورا ذلك فأولئك هم العادون﴾ (2) فحظر اللّه تعالى النكاح الا لزوجة أوملك يمين وإذا لم تكن المتعة زوجة ولا ملك يمين، فقدسقط من احلها.

فقلت له: قد اخطات في هذه المعارضة من وجهين:

احدهما: انك ادعيت ان المستمتع بها ليست بزوجة، ومخالفك يدفعك عن ذلك، ويثبتها زوجة في الحقيقة.

والثاني: ان سورة المؤمنون مكية، وسورة النسا مدنية، والمكي متقدم على المدني، فكيف يكون ناسخا له وهو متاخر عنه، وهذه غفلة شديدة فقال: لوكانت المتعة زوجة لكانت ترث، ويقع بها الطلاق.

فقلت له: وهذا ايضا غلط منك في الديانة، وذلك ان الزوجة لم يجب لها الميراث ويقع بهاالطلاق من حيث كانت زوجة فقط، وانما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية (3).

والدليل على ذلك ان الامة إذا كانت زوجة لم ترث ولم تورث (4) والقاتلة لا ترث، والذمية لا ترث والامة المبيعة تبين بغير طلاق (5) والملاعنة ايضا تبين بغير طلاق (6) وكذلك المختلعة (7) والمرتد عنهازوجها (8) والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الام، والزوجة تبين بغيرطلاق (9).

وكل ما عددناه زوجات في الحقيقة، فبطل ما توهمت فلم يات بشي.

فقال صاحب الدار وهو رجل اعجمي، لا معرفة له بالفقه وانما يعرف الظواهر: انااسالك في هذا الباب عن مسالة: هل تزوج رسول اللّه (ع) متعة، أوتزوج امير المؤمنين؟ فلوكان في المتعة ماتركاها فقلت له: ليس كل ما لم يفعله رسول (ع) كان محرما وذلك ان رسول اللّه والائمة (ع) لم يتزوجوا الاما ولانكحوا الكتابيات ولا خالعوا ولم يفعلوا كثيرا من اشيا كانت مباحة وبعد ان تبادلت مسائل من هذا القبيل، قال الشيخ المفيد:

فقلت له: ان امرنا مع هؤلا المتفقهة عجيب، وذلك انهم مطبقون على تبديعنا في نكاح المتعة مع اجماعهم على ان رسول اللّه (ع) قد كان اذن فيها، وانها عملت على عهده، ومع ظاهر الكتاب واجماع آل محمد(ع) على اباحتها، والاتفاق على ان عمر حرمها في ايامه، مع اقراره بانها كانت حلالا على عهد رسول اللّه (ع).

فلوكنا على ضلالة فيها لكنا في ذلك على شبهة، تمنع ما يعتقده المخالف فينا من الضلال والبراة منا وفيمن خالفنا من يقول في النكاح وغيره بضد القرآن وخلاف الاجماع والمنكر في الطباع - ثم جعل يعدد مواردمنها (10) - ثم قال: وهم يتولى بعضهم بعضا وليس ذلك الا لاختصاص قولنا بل محمد(ع) (11).

ب - متعة الحج.

تنقسم فريضة الحج إلى تمتع وقران وافراد والأول فرض من ناى عن مكة، ولم يكن اهله حاضري المسجدالحرام فيهل بالعمرة إلى الحج، فإذا طاف وسعى قصر وخرج عن احرامه حتى إذا كان يوم التروية اهل بالحج وذهب إلى عرفات وكان له بين تحلله واحرامه هذا ان يتمتع بما كان قد حرم عليه لاجل احرامه ومن ذلك جات هذه التسمية.

ولا زال يعمل بها المسلمون على مختلف مذاهبهم جريا مع نص الكتاب وسنة الرسول وعمل الاصحاب غيران عمر حأول المنع منه، لما استهجنه من توجه الناس إلى عرفات ورؤوسهم تقطر ما اجتهادا مجردا في مقابلة النص الصريح.

وقد عرفت تشديده بشان المتعتين، لكن تعليله لذلك يبدواغرب.

اخرج مسلم باسناده عن أبي موسى انه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك فانك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد فساله - فقال عمر:

كرهت ان يظلوا معرسين بهن في الاراك (12) ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم (13).

ولعلها بقية من عقائد قديمة (14) وقع مثلها في حياة الرسول (ع) مما اثار غضبه.

فقد اخرج مسلم باسناده عن عطا: ان جماعة من صحابة النبي (ع) اهلوا بالحج مفردا فقدم النبي صباح رابعة مضت من ذي الحجة فامرهم ان يحلوا ويصيبوا النسا قال عطا: لم يعزم عليهم ولكن احلهن لهم فقال بعضهم لبعض: ليس بيننا وبين عرفة الا خمس، فكيف يامرنا ان نفضي إلى نسائنا فناتي عرفة تقطر مذاكيرنا.

فبلغ ذلك النبي (ع) فقام فيهم وقال - مستغربا هذا الفضول من الكلام: قد علمتم اني اتقاكم للّه واصدقكم، ابركم ولولا هديي لحللت كما تحلون ولواستقبلت من امري ما استدبرت لم اسق الهدى فحلوا قال جابر:فحللنا، وسمعنا واطعنا.

وفي رواية: فكبر ذلك علينا وضاقت به صدرورنا وفي اخرى: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال (ع):افعلوا ما آمركم به ففعلوا (15).

وفي حديث طويل اخرجه مسلم باسناده إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)عن ابيه عن جابر، يشرح حج رسول الله (ع) حتى ينتهي إلى قوله (ع): ﴿فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة﴾ قال:فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول اللّه، العامنا هذا ام لابد؟ فقال (ع): بل لابد ابد (16).

قال العلامة الاميني: ولم يكن نهي عمر عن المتعتين الا رايا محضا واجتهادا مجردا تجاه النص، اما متعة الحج فقد نهى عنها لما استهجنه من توجه الناس إلى الحج ورؤوسهم تقطر ما لكن اللّه سبحانه ابصر منه بالحال، ونبيه (ع) كان يعلم ذلك حين شرع اباحة متعة الحج حكما باتا ابديا (17).

قال ابن قيم: ومنهم من يعد النهي رايا رآه عمر من عنده، لكراهته ان يظل الحاج معرسين بنسائهم في ظل الاراك قال أبوحنيفة عن حماد عن ابراهيم النخعي عن الاسود بن يزيد، قال: بينما انا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشى ة عرفة، فإذا هو برجل مرجل شعره يفوح منه ريح الطيب، فقال له عمر: امحرم انت؟ قال:نعم فقال عمر: ما هياتك بهياة محرم، انما المحرم الاشعث الاغبر الاذفر (18) قال: اني قدمت متمتعا وكان معي اهلي، انما احرمت اليوم فقال عمر - عند ذلك: لا تتمتعوا في هذه الايام، فاني لورخصت في المتعة لهم لعرسوابهن في الاراك ثم راحوا بهن حجاجا قال ابن قيم: وهذا يبين ان هذا من عمر راي رآه (19).


1- النساء/24.

2- المؤمنون / 5 6.

3- يعني ان مسالة الطلاق ليست من لوازم الطبيعة للزوجية، بل لكونها دائمة أونحوذلك مما هو خارج الطبيعة.

4- بنا على ان المملوك لا يتملك.

5- يعني إذا بيعت الامة المزوجة ولم ياذن مالكها الجديد بالزواج، فان الزوجية تنفسخ حالابغير طلاق.

6- بنا على ان اللعان يوجب الفرقة من غير حاجة الى طلاق.

7- بنا على عدم الحاجة الى الطلاق وكفاية صيغة الخلع.

8- إذا ارتد الزوج تبين منه زوجته بغيرطلاق.

9- إذا ارضعت ام الزوجة وليدتها، اي وليدة زوجة الرجل، حرمت عليه، اذ لا ينكح ابوالمرتضع في أولاد صاحب اللبن وكذا لوارضعت الزوجة الكبيرة المدخول بها الزوجة الصغيرة حرمتا، لان الأولى اصبحت ام الزوجة، والثانية بنت المدخول بها.

10- راجع تلك الموارد في الفصول المختارة من العيون والمحاسن للشيخ المفيد، ص 122 123، فانه ممتع.

11- الفصول المختارة، ص 119 123 ﴿ط نجف﴾.

12- يقال: اعرس الرجل بامراته إذا بنى بها والاراك: موضع قرب نمرة.

13- صحيح مسلم، ج4، ص 45 46 باب نسخ التحلل.

14- قال ابن قيم الجوزي: كانت العرب في الجاهلية تكره العمرة في اشهر الحج وكانوايقولون: إذا ادبر الدبر وعفى الاثر وانسلخ صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر ﴿زاد المعاد،ج1، ص 214﴾ و﴿البخاري، ج 2، ص 175﴾ و﴿مسلم، ج4، ص 56﴾.

15- راجع: صحيح مسلم في عدة روايات، ج4، ص 36 38 وصحيح البخاري، ج2،ص 175- 176.

16- صحيح مسلم، ج4، ص 39 43 وفي المحلى لابن حزم ﴿ج 7، ص 108﴾: بل لابد الابد.

17- الغدير، ج6، ص 213.

18- الذفر بالتحريك :يقع على الطيب والكريه، ويفرق بينهما بما يضاف اليه ويوصف به والمراد هنا الريح الكريهة.

19- زاد المعاد لابن قيم، ج1، ص 214 وهكذا ذهب ابن حزم ان هذا راي رآه عمر ﴿المحلى،ج7، ص 102﴾.