الثامن - حديث المتعة
قال تعالى: ﴿فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن فريضة﴾ (1).
ا - متعة النساء
وقع الخلاف في هذه الاية الكريمة هل هي منسوخة الحكم، وما ناسخها، هل هو الكتاب ام السنة الشريفة؟.
ذهب ائمة اهل البيت (ع) إلى انها محكمة لا يزال حكمها ثابتا في الشريعة، ليس لها ناسخ لا في الكتاب ولا في السنة واليه ذهب جملة الاصحاب والتابعين.
وخالفهم فقها سائر المذاهب، نظرا لمنع عمر ذلك، وكان يشدد عليه كما افترضوا له دلائل من الكتاب والسنة لم تثبت عند ائمة النقد والتمحيص.
قال ابن كثير: وقد استدل بعموم هذه الاية على نكاح المتعة ولا شك انه كان مشروعا في ابتدا الاسلام، ثم نسخ بعد ذلك وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول باباحتها للضرورة، وهو رواية عن احمد وكان ابن عباس، وابي بن كعب، وسعيد بن جبير، والسدي يقرأون ﴿فما استمتعتم به منهن - إلى اجل مسمى - فتوهن اجورهن فريضة﴾ - قراة على سبيل التفسير وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة.
قال: ولكن الجمهو ر على خلاف ذلك (2).
وقال ابن قيم الجوزي: الناس في هذا ﴿حديث المتعة﴾ طائفتان: طائفة تقول: ان عمر هو الذي حرمها ونهى عنها، وقد امر رسول اللّه (ع) باتباع ما سنه الخلفا الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فانه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني، عن ابيه عن جده وقدتكلم فيه ابن معين ولم ير البخاري اخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة اليه، وكونه اصلا من اصول الاسلام، ولوصح عنده لم يصبر عن اخراجه والاحتجاج به قالوا: ولوصح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود، حتى يروى عنه: انهم فعلوها، ويحتج بالاية وايضا لوصح لم يقل عمر: انها كانت على عهد رسول اللّه (ع) وانا انهى عنها واعاقب عليها، بل كان يقول: انه (ع) حرمها ونهى عنها قالوا: ولوصح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقا قال: والطائفة الثانية رات صحة حديث سبرة، ولولم يصح فقدصح حديث علي (ع) ان رسول اللّه (ع) حرم متعة النسا فوجب حمل حديث جابر على ان الذي اخبر عنهابفعلها لم يبلغه التحريم، ولولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر، فلما وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر قال: وبهذا تاتلف الاحاديث الواردة فيها (3).
وذهب القرطبي - من المفسرين - إلى ان الاية ليست بشان المتعة، وانما هي بشان النكاح التام قال: ولا يجوزان تحمل الاية على جواز المتعة، لان النبي ص - نهى عن نكاح المتعة وحرمه، ولان اللّه تعالى قال:﴿فانكحوهن باذن اهلهن﴾ ومعلوم ان النكاح باذن الاهلين هو النكاح الشرعي بولى وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك.
قال: وقال الجمهو ر: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الاسلام ونسختها آية ميراث الازواج، إذ كانت المتعة لا ميراث فيها وقالت عائشة والقاسم بن محمد: تحريمها ونسخها في القرآن، وذلك قوله تعالى: ﴿والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أوما ملكت ايمانهم﴾ (4) وليست المتعة نكاحا ولا ملك يمين.
ونسب إلى ابن مسعود انه قال: المتعة منسوخة نسختها الطلاق والعدة والميراث.
وقال بعضهم: انها ابيحت في صدر الاسلام ثم حرمت عدة مرات قال ابن العربي: واما متعة النسا فهي من غرائب الشريعة، لانها ابيحت في صدر الاسلام، ثم حرمت يوم خيبر، ثم ابيحت في غزوة أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك، واستقر الأمر على التحريم وليس لها اخت في الشريعة الا مسالة القبلة، لان النسخ طرا عليها مرتين، ثم استقرت بعد ذلك.
وقال غيره - ممن زعم انه جمع طرق الاحاديث في ذلك: انها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات.
وقال جماعة: لا ناسخ لها سوى ان عمر نهى عنها وروى عطا عن ابن عباس، قال: ما كانت المتعة الارحمة من الل ه رحم بها عباده، ولولا نهي عمر عنها ما زنى الا شقى (5).
وهكذا روى ابن جرير الطبري باسناده إلى الإمام امير المؤمنين (ع) قال: ﴿لولا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى الاشقى﴾ (6) ويروى ﴿الا شفى﴾ بالفا المفتوحة، اي قليل من الناس (7).
قال ابن حزم الاندلسي كان نكاح المتعة - وهو النكاح إلى اجل - حلالا على عهد رسول اللّه (ع) ثم نسخهااللّه تعالى على لسان رسوله، نسخا باتا إلى يوم القيامة.
وقد ثبت على تحليلها بعد رسول اللّه (ع) جماعة من السلف، منهم من الصحابة: اسما بنت أبي بكر (8) وجابر بن عبد اللّه الانصاري (9) وابن مسعود (10) وابن عباس (11) وعمروبن حريث (12) وابوسعيدالخدري (13) وسلمة ومعبد ابنا امية بن خلف (14).
قال: ورواه جابر عن جميع الصحابة، مدة رسول اللّه (ع) ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافته.
قال: ومن التابعين: طأووس وعطا وسعيد بن جبير وسائر فقها مكة (15).
وبعد فالذي يشهد به التاريخ ومتواتر الحديث، ان المتعة ﴿النكاح المؤقت﴾ كانت مما احله الكتاب وجرت به السنة وعمل بها الاصحاب، منذ عهد الرسالة وتمام عهد أبي بكر ونصفا من خلافة عمر حتى نهى عنها وشددعليه لاسباب وعلل، كان يرى انها تخوله صلاحية المنع.
اخرج مسلم من طريق عبد الرزاق قال: اخبرنا ابن جريج عن عطا، قال: قدم جابر بن عبد اللّه معتمرا فجئناه في منزله، فساله القوم عن اشيا ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول اللّه (ع) وابي بكر وعمر.
وايضا عن ابن جريج قال: اخبرني أبوالزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الايام على عهد رسول اللّه (ع) وابي بكر، حتى نهى عنه عمر في شان عمروبن حريث (16).
وفي حديث قيس عنه قال: رخص لنا ان ننكح المراة بالثوب إلى اجل ثم قرا عبد اللّه: ﴿يا ايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل اللّه لكم ولا تعتدوا ان اللّه لا يحب المعتدين﴾ (17).
وكان استشهاده بهذه الاية تدليلا على ان اللّه يحب ان يؤخذ برخصه ولا سيما الطيبات ما لم ينه عنه الشارع الحكيم ذاته اشارة إلى ان نهي مثل عمر لا تاثير له في حكم شرعي مستدام بذاته.
اما قضية عمروبن حريث فهو ما اخرجه الحافظ عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج، قال: اخبرني أبوالزبيرعن جابر قال: قدم عمروبن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة، فاتي بها عمر وهي حبلى، فساله فاعترف، قال:فذلك حين نهى عنها عمر (18).
وقريب منها قصة سلمة ومعبد ابني امية بن خلف:
اخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن عمروبن دينار عن طأووس عن ابن عباس، قال:لم يرع عمر الا ام اراكة قد خرجت حبلى، فسالها عمر، فقالت: استمتع بي سلمة بن امية (19).
وذكر ابن حجر في الاصابة - ان سلمة استمتع من سلمى مولاة حكيم بن امية الاسلمي فولدت له فجحدولدها.
وزاد الكلبي: فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة وروى ايضا ان سلمة استمتع بامراة فبلغ عمرفتوعده (20).
قال ابن حجر: القصة بشان سلمة ومعبد ابني امية واحدة، اختلف فيها هل وقعت لهذا أولهذا (21).
واخرج مالك وعبد الرزاق عن عروة بن الزبير: ان خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: ان ربيعة بن امية استمتع بمراة مولدة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب - يجر رداه فزعا فقال: هذه المتعة (22) اي لواعلنت بالمنع قبل ذلك.
واخرج أبوجعفر الطبري في تاريخه بالاسناد إلى عمران بن سوادة، قال: صليت الصبح مع عمر ثم انصرف وقمت معه، فقال: احاجة؟ قلت: حاجة قال: فالحق فلحقت، فلما دخل اذن لي، فإذا هو على سرير ليس فوقه شي فقلت: نصيحة؟ فقال: مرحبا بالناصح غدوا وعشيا قلت: عابت امتك عليك اربعا فوضع راس درته في ذقنه ووضع اسفلها على فخذه، ثم قال: هات.
فذكر أولا: انه حرم العمرة في اشهر الحج (23) ولم يفعل ذلك رسول اللّه (ع) ولا أبوبكر وهي حلال فاعتذرعمر: انهم لواعتمروا في اشهر الحج لرأوها مجزية عن حجهم.
والثاني: انه حرم متعة النسا، وقد كانت رخصة من اللّه نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث فاعتذر عمر: ان رسول اللّه احلها في زمان ضرروة والان قد رجع الناس إلى السعة.
والثالث: انه حكم بعتاق الامة ان وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها (24) فقال عمر: الحقت حرمة بحرمة ومااردت الا الخير واستغفر اللّه.
والرابع: انه ياخذ الرعية بالشدة والعنف فاجاب عمر بما حاصله: ان ذلك مما لا بد منه في انتظام الرعية (25).
1- النسا / 24.
2- تفسير ابن كثير، ج1، ص 474.
3- زاد المعاد لابن قيم، ج2، ص 184 185.
4- المؤمنون / 5 6.
5- تفسير القرطبي، ج5، ص 130 132.
6- تفسير الطبري، ج5، ص 9.
7- قال ابن الاثير: من قولهم: غابت الشمس الا شفى، اي قليلا من ضوئها عند غروبها وقال الازهري: ﴿﴿الا شفى﴾﴾ اي الا ان يشفى، يعني يشرف على الزنى ولا يواقعه فاقام الاسم وهو الشفى مقام المصدر الحقيقي، وهو الاشفا على الشي.
8- اخرج ابودأود الطيالسي في مسنده، ص 227 عن مسلم القرى قال: دخلنا على اسمابنت ابي بكر فسالناها عن متعة النسا، فقالت: فعلناها على عهد النبي ﴿الغدير، ج6،ص 209﴾. وفي محأورة جرت بين ابن عباس وعروة بن الزبير في المتعة، فقال له ابن عباس: سل امك يا عرية ﴿زاد المعاد لابن قيم الجوزي، ج1، ص 213﴾ وكذا بينه وبين عبد اللّه، فقال له ابن عباس: أول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير ﴿العقد الفريد، ج4، ص 14﴾ وفي محاضرات الراغب ﴿ج 2، ص 94﴾: عير عبد اللّه بن الزبير عبد اللّه بن عباس بتحليله المتعة،فقال له: سل امك كيف سطعت المجامر بينها وبين ابيك: فسالها، فقالت: ما ولدتك الا في المتعة. راجع تفصيل القصة في مروج الذهب للمسعودي ﴿ج 3، ص 90- 91﴾ وراجع ايضا صحيح مسلم ﴿ج 4، ص 55 56﴾.
9- ياتي الحديث عنه، وهو الذي اعلن صريحا انها كانت مباحة مند عهد الرسول فالى النصف من خلافة عمر، حتى نهى عنها عمر لاسباب ياتي ذكرها ويفند من زعم انه كان بمنع رسول اللّه ايام حياته.
10- فقد ذكر النووي عنه انه قرا ﴿فما استمتعتم به منهن الى اجل﴾ ﴿شرح مسلم، ج9، ص 179﴾.
11- وهو المشتهر بفتواه الاباحة في ربوع مكة، وسارت عنه الركبان في سائر البلدان ﴿فتح الباري، ج9 ص 148﴾.
12- وهو الذي استمتع بمولاة فاحبلها في ايام عمر﴿فتح الباري، ج9، ص 149﴾.
13- وهو الذي واكب جابرا في الاعلان باباحة المتعة منذ عهد الرسول ﴿عمدة القارئ للعيني،ج8 ص 310﴾ و﴿فتح الباري، ج9، ص 151﴾.
14- نسب ذلك الى كل منهما، اخرج عبد الرزاق بسند صحيح: انه لم يرع عمر الا ام اراكة قدخرجت حبلى فسالها عمر، فقالت: استمتع بي سلمة وفي اخرى: معبد ﴿فتح الباري، ج9،ص 151﴾ و﴿الاصابة، ج2، ص 63﴾.
15- المحلى لابن حزم، ج9، ص 519 520 رقم 1854.
16- صحيح مسلم، ج4، ص 131.
17- المصدر نفسه، ص 130 والاية من سورة المائدة / 87.
18- فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر ﴿ج 9، ص 149﴾ واخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج ﴿الغدير، ج6، ص 206 207﴾.
19- فتح الباري، ج9، ص 151.
20- الاصابة في تمييز الصحابة، ج2، ص 63 رقم 3363.
21- فتح الباري، ج9، ص 151.
22- الدر المنثور، ج2، ص 141.
23- كانت العرب في الجاهلية يرون العمرة في اشهر الحج من افجر الفجور ﴿البخاري، ج2،ص 175﴾ و﴿مسلم، ج4، ص 56﴾ وقد كافح النبي (ع) هذه العادة الجاهلية واصر على معارضتها ونقضها قولا وعملا ومن ثم فان ما قام به عمر كانت محأولة لاعادة رسم غابرخالف شريعة الاسلام. راجع: الغدير ﴿ج 6، ص 217﴾ تجد الدعوة الى الاعتمار في غير اشهر الحج عودا الى الراي الجاهلي عن قصد أوغير قصد.
24- الامة ذات الولد لا تباع ولا تنقل لتتحرر بعد موت سيدها، وتكون من نصيب ولدها في الارث.
25- لخصناه عن الطبري، ج4، ص 225، حوادث سنة 23 ﴿ط المعارف﴾ ونقله ابن ابي الحديدفي شرح النهج ﴿ج 12، ص 121﴾ عن الطبري وشرح الغريب من الفاظه رواية عن ابن قتيبة.