قصة المنع من المتعتين
والذي يبت من الأمر بتا ان عمر هو الذي حال دون تدأوم شريعة المتعة، وانها كانت محللة حتى اصدر الخليفة المنع منها لا عن سابقة نسخ أوتحريم تلك قولته المعروفة: ﴿متعتان كانتا على عهد رسول اللّه، وانا محرمهما ومعاقب عليهما: متعة النسا ومتعة الحج﴾.
وهذا الكلام وان كان ظاهره منكرا كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي (1) - فله مخرج وتأويل اختلف الفقها فيه.
وفي ذلك يقول الإمام الرازي: ظاهر قول عمر: وانا انهى عنهما انهما مشروعتان غير منسوختين، وانه هو الذي نسخهما وما لم ينسخه الرسول فلا ناسخ له ابدا.
ثم اخذ في تأويل كلامه بان المراد: انا انهى عنهما لما ثبت عندي ان النبي نسخها قال: لانه لوكان مراده ان المتعة كانت مباحة في شرع محمد(ع) وانا انهى عنها، لزم تكفيره وتكفير كل من لم يحاربه، ويفضي ذلك إلى تكفير امير المؤمنين، حيث لم يحاربه ولم يرد عليه ذلك القول (2).
واغرب القسطلاني في شرحه على البخاري، حيث قوله: ان نهي عمر كان مستنداالى نهي النبي (ع) وكان خافيا على سائر الصحابة، فبينه عمر لهم، ولذلك سكتوا أووافقوا (3).
اللهم ان هذا الا تخرص بالغيب وتفسير كلام بما لا يرضى صاحبه واشد غرابة ما ذكره القوشجي - في شرحه على تجريد الاعتقاد للخواجه نصير الدين الطوسي - قال: ان عمرقال على المنبر: ايها الناس ثلاث كن على عهد رسول اللّه (ع) وانا انهى عنهن واحرمهن واعاقب عليهن:متعة النسا، ومتعة الحج، وحي على خير العمل ثم اعتذر بان ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه، فان مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع (4).
انظر إلى هذا الرجل العالم المتجاهل، كيف يجعل من صاحب الرسالة الذي لا ينطق الا عن وحي يوحى اليه، كيف يجعله عدلا لفرد من آحاد امته، ولا سيما مثل ابن الخطاب الذي اعلن صريحا ومرارا: كل الناس افقه منه (5).
وبعد فلنعطف الكلام عن حديث المتعتين الذي اعلن به عمر على رؤوس الاشهاد:
1- اخرج البيهقي في سننه بالاسناد إلى أبي نضرة قال: قلت لجابر بن عبد اللّه الانصاري: ان ابن الزبير ينهى عن المتعة وان ابن عباس يامر بها اللّه (ع) ومع أبي بكر، فلمأولي عمر خطب الناس فقال:
﴿ان رسول اللّه هذا الرسول، وان هذا القرآن هذا القرآن وانهما كانتا متعتان على عهد رسول اللّه، وانا انهى عنهما واعاقب عليهما، احداهما: متعة النسا، ولا اقدر على رجل تزوج امراة إلى اجل الا غيبته بالحجارة والاخرى: متعة الحج﴾ (6).
2- واخرج مسلم في صحيحه ايضا عن أبي نضرة، قال: كان ابن عباس يامر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فذكرت ذلك لجابر، فقال: على يدى دار الحديث تمتعنا مع رسول اللّه (ع) فلماقام عمر قال: ﴿ان اللّه كان يحل لرسوله ما شا بما شا، وان القرآن قد نزل منازله، فاتموا الحج والعمرة للّه كماامر اللّه، وابتوا نكاح هذه النسا، فلن أوتي برجل نكح امراة إلى اجل الا رجمته بالحجارة﴾ (7).
3- واخرج أبوبكر الجصاص باسناده إلى شعبة عن قتادة قال: سمعت ابا نضرة يقول: كان ابن عباس يامربالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر فقال: على يدى دار الحديث، تمتعنا مع رسول اللّه (ع) فلما قام عمر قال: ﴿ان اللّه كان يحل لرسوله ما شا بما شا، فاتموا الحج والعمرة كما امر اللّه، وانتهو ا عن نكاح هذه النسا، لا أوتي برجل نكح امراة إلى اجل الا رجمته.
قال الجصاص: فذكر عمر الرجم في المتعة، وجائز ان يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس عنها (8).
4- وذكر بشان متعة الحج، وهي احدى المتعتين اللتين قال عمر بن الخطاب: ﴿متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (ع) انا انهى عنهما واضرب عليهما: متعة الحج ومتعة النسا﴾ (9).
وهكذا رواه الحافظ أبوعبد اللّه بن القيم الجوزي قال: ثبت عن عمر انه قال (10).
وقال شمس الدين السرخسي: وقد صح ان عمر نهى الناس عن المتعة، فقال: متعتان كانتا (11).
وذكره القرطبي بنفس اللفظ (12)، والفخر الرازي بلفظ: ﴿متعتان كانتا مشروعتين﴾ (13).
الى غيرذلك من تصريحات اعلام الفقه (14) والتفسير، تنبؤك عن تواتر حديث منع المتعتين منعا مستندا إلى عمر بالذات وليس مستندا إلى شريعة السما.
الا مر الذي دعا بكثير من النبها ان ياخذوا من قولة عمر هذه دليلا على الجواز استنادا إلى روايته تاركين رايه إلى نفسه، أولا حجية لراي في مقابلة الشريعة، كما لا اجتهاد في مقابلة النص.
يذكر ابن خلكان - في ترجمة يحيى بن اكثم - ان المامون العباسي امر فنودي بتحليل المتعة فدخل عليه ابن اكثم فوجده يستاك، ويقول - وهو مغتاظ: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وعلى عهد أبي بكر وانا انهى عنهما (15).
وفي لفظ الخطيب: ومن انت يا احول حتى تنهى عما فعله النبي وابوبكر؟ (16).
وذكر الراغب ان يحيى بن اكثم - وكان قاضيا في البصرة نصبه المامون - قال لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال: بعمر بن الخطاب الخبر الصحيح انه صعد المنبر فقال: ان اللّه ورسوله قد احلا لكم متعتين واني محرمهما عليكم ومعاقب عليهما فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه (17).
وهناك من الصحابة والتابعين من ثبتوا على القول بالتحليل الأول منذ عهد الرسول (ع) ولم يستسلموا لنهي عمر، وجاهروا في مخالفته اما في حياته أوبعد مماته.
هذا جابر بن عبد اللّه الانصاري هو أول من جاهر بالتحليل واعلن بالمخالفة لنهي عمر.
وهذا أبوسعيد الخدري قد عرفت مواكبته مع جابر في اعلام المخالفة.
وعبد اللّه بن مسعود قرا: ﴿الى اجل مسمى﴾ بملا من الناس.
وأبي بن كعب كان يقرا قراة ابن مسعود.
وسعيد بن جبير، وطأووس، وعطا، ومجاهد، وسائر فقها مكة واضرابهم حسبما تقدم الكلام عنهم.
ويقول الإمام امير المؤمنين (ع): لولا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شفى - أو- الا شقي، (18) على ما سبق بيانه.
وكذلك ابن عباس في قوله: يرحم اللّه عمر، ما كانت المتعة الا رحمة من اللّه رحم بها امة محمد(ع) ولولانهيه ما احتاج إلى الزنى الا شقي - أو- الا شفى (19).
وقد عرض ابن الزبير بابن عباس في قوله:ان ناسا اعمى اللّه قلوبهم كما اعمى ابصارهم يفتون بالمتعة فناداه ابن عباس: انك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين - يريد رسول اللّه (ع) فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فواللّه لئن فعلتها لارجمنك باحجارك (20).
وهذا ابنه عبد اللّه تراه لا يكترث بنهي نهاه ابوه تفاديا دون سنة سنها رسول اللّه (ع) ونطق بها الكتاب فقداخرج احمد في مسنده عن أبي الوليد قال: سال رجل ابن عمر عن المتعة وانا عنده ﴿متعة النسا﴾، فقال: واللّه ما كنا على عهد رسول اللّه (ع) زانين ولا مسافحين (21).
وهكذا نجد كبار الصحابة والتابعين ومن ورائهم الفقها لم يابهو ا بنهي عمر عن متعة الحج مع تصريحه بالمنع واردافه لها مع متعة النسا وما ذلك الا من جهة عدم اعتبار اى اجتهاد في مقابلة نص الشريعة.
هذا ابن عمر نراه كما لم يكترث بنهي ابيه عن متعة النسا، كذلك لم يكترث بنهيه عن متعة الحج:
روى الترمذي باسناده إلى ابن شهاب ان سالما حدثه انه سمع رجلا من اهل الشام وهو يسال عبد اللّه بن عمرعن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال عبد اللّه: هي حلال فقال الشامي: ان اباك قد نهى عنها اللّه؟ فقال الرجل: بل امر رسول اللّه (ع)فقال: لقد صنعها رسول اللّه (ع) (22).
وكذلك روى ابن اسحاق عن الزهري عن سالم قال: اني لجالس مع ابن عمر في المسجد، إذ جاه رجل من اهل الشام فساله عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال ابن عمر: حسن جميل قال: فان اباك كان ينهى عنها ام بامر رسول اللّه؟ قم عني؟ قال القرطبي: اخرجه الدار قطني (23).
وهكذا نرى سعد بن أبي وقاص لم يابه بمنع عمر تجاه سنة سنها رسول اللّه (ع)رواه الترمذي ايضا باسناده إلى شهاب عن محمد بن عبد اللّه بن الحارث: انه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك: لا يصنع ذلك الا من جهل امر اللّه فقال سعد: بئس ما قلت، يا ابن اخي اللّه، وصنعناها معه (24).
وهذا عمران بن الحصين يحذوحذوهما في جراة وصراحة، يقول: ﴿ان اللّه انزل في المتعة آية وما نسخها بية اخرى وامرنا رسول اللّه (ع) بالمتعة وما نهانا عنها قال رجل فيها برآيه ما شا﴾، يريد عمر بن الخطاب، على ما صرح به الرازي (25) وابن حجر (26) اخرجه ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم (27).
واخرجه ايضا احمد في مسنده عنه قال: ﴿نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تبارك وتعالى، وعملنا بها مع رسول اللّه (ع) فلم تنزل آية تنسخها، ولم ينه عنها النبي حتى مات (28).
وعمران هذا من فضلا الصحابة وفقهائهم، وقد بعثه عمر ليفقه اهل البصرة، ثقة بمكان فقهه وامانته قال ابن سيرين: كان افضل من نزل البصرة من الصحابة (29).
قال الشيخ أبوعبد اللّه المفيد - في جواب من ساله عن قول مولانا جعفر بن محمد الصادق (ع) ﴿ليس منا من لم يقل بمتعتنا﴾: ان المتعة التي ذكرها الإمام الصادق (ع) هي النكاح المؤجل الذي كان النبي (ع) اباحها لامته في حياته ونزل بها القرآن ايضا، فتؤكد ذلك باجماع الكتاب والسنة فيه، حيث يقول اللّه: ﴿واحل لكم مأورا ذلك ان تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن فريضة﴾ (30)، فلم يزل على الاباحة بين المسلمين لا يتنازعون فيها حتى راى عمربن الخطاب النهي عنها فحظرها وشدد في حظرها وتوعد على فعلها، فتبعه الجمهو ر على ذلك، وخالفهم جماعة من الصحابة والتابعين فاقاموا على تحليلها إلى ان مضوا لسبيلهم، واختص باباحتها جماعة من الصحابة والتابعين وائمة الهدى من آل محمد(ع)، فلذلك اضافها الصادق (ع)بقوله: متعتنا (31).
1- شرح النهج، ج1، ص 182.
2- التفسير الكبيرج 10، ص 53 54.
3- ارشاد الساري بشرح البخاري للقسطلاني، ج11، ص 77.
4- شرح التجريد آخر مباحث الامامة.
5- وقد عقد ابن ابي الحديد ﴿شرح النهج، ج1، ص 181﴾بابا ذكر فيه موارد افتى فيها عمر ثم نقضها وراجع ايضا نوادر الاثر في علم عمر للعلامة الاميني ﴿الغدير، ج6، ص 83 325﴾ وكان مستقاتا في هذا العرض.
6- السنن الكبرى للبيهقي، ج7، ص 206.
7- صحيح مسلم، ج4، ص 38.
8- احكام القرآن للجصاص، ج2، ص 147 واستند السرخسي في المبسوط ﴿ج 5،ص 153﴾ الى ماروي عن عمر انه قال: ﴿﴿لا أوتي برجل تزوج امراة الى اجل الا رجمته ولوادركته ميتا لرجمت قبره﴾﴾ .
9- احكام القرآن للجصاص، ج1، ص 290 291.
10- زاد المعاد، ج2، ص 184.
11- المبسوط للسرخسي، ج4، ص 27.
12- تفسير القرطبي، ج2، ص 392.
13- التفسير الكبير، ج10، ص 52 53.
14- راجع: المحلى لابن حزم، ج7، ص 107.
15- تاريخ ابن خلكان ﴿وفيات الاعيان﴾، ج6، ص 149 150، وجعل معناه: لجوج.
16- تاريخ بغداد، ج14، ص 199.
17- محاضرات الراغب الاصبهاني، ج2، ص 94 ﴿الغدير، ج6، ص 212﴾.
18- فتح الباري، ج5 ص 9.
19- الدر المنثور، ج2، ص 141.
20- صحيح مسلم، ج4، ص 133 والنووي، ج9، ص 188.
21- مسند الامام احمد، ج2، ص 95.
22- جامع الترمذي، ج3، ص 185 186 رقم 824 كتاب الحج.
23- تفسير القرطبي، ج2، ص 388.
24- جامع الترمذي، ج3، ص 185 رقم 823.
25- أورده الامام الرازي بشان متعة النسا ﴿التفسير الكبير، ج10، ص 53﴾.
26- قال ابن حجر: لانه أول من نهى عنها وكان من بعده ﴿عثمان ومعأوية﴾ كان تابعا له في ذلك ﴿فتح الباري، ج3، ص 345﴾.
27- الدر المنثور، ج1، ص 216 وراجع: صحيح مسلم، ج4، ص 48 49 أورده بالفاظ مختلفة ومتقاربة تماما وأورده البخاري في تفسير سورة البقرة باب فمن تمتع ﴿ج 6،ص 33﴾ وفي كتاب الحج باب التمتع على عهد رسول اللّه ﴿ج 2، ص 176﴾.
28- مسند الامام احمد، ج4، ص 436.
29- الاصابة لابن حجر، ج3، ص 26 27.
30- النساء/ 24.
31- المسائل السروية ﴿المسالة الأولى﴾ المطبوعة ضمن رسائل المفيد، ص 207 208.