الخامس - تحريم الخمر
لم ترد آية في المنع عن شرب الخمر، بلفظ التحريم صريحا، وانما هو امر بالاجتناب عنه أومما ينبغي الانتها منه، مما هو ظاهر في الارشاد إلى حكم العقل محضا الأمر الذي قد يوهم انها غيرمحرمة في شريعة الاسلام ومن ثم سال المهدى العباسى الإمام موسى بن جعفر(ع) عن ذلك، قال: هل هي محرمة في كتاب اللّه عز وجل؟ فان الناس انما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها.
فقال له الإمام: بل هي محرمة في كتاب اللّه، يا امير المؤمنين.
قال: في اى موضع هي محرمة في كتاب اللّه، يا ابا الحسن؟.
فقال: في قول اللّه عز وجل: ﴿قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والا ثم والبغي بغير الحق﴾ (1).
قال (ع): اما ما ظهر فهو الزنى المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية واما مابطن فيعني ما نكح من الابا، كان الناس قبل البعثة إذا كان للرجل زوجة ومات عنها، تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن امه.
قال: واما الاثم فانها الخمرة بعينها وقد قال تعالى في موضع آخر: ﴿يسالونك عن الخمر والميسرقل فيهما اثم كبير ومنافع للناس، واثمهما اكبر من نفعهما﴾ (2).
فالتفت المهدى إلى علي بن يقطين - وكان حاضر المجلس ومن وزرائه - وقال: ياعلى، هذه واللّه فتوى هاشمية منكم اهل البيت فما صبر المهدى ان قال: صدقت يا رافضي وكان يعرف منه الولا لال البيت (3).
وبهذه المقارنة الدقيقة بين آيتين قرآنيتين يعرف التحريم صريحا في كتاب اللّه الأمر الذي اعجب المهدى العباسي واستعظم هذا التنبه الرقيق والذ كا المرهف الذي حظي به البيت الهاشمي الرفيع.
وهكذا روي عن الحسن تفسير ﴿الاثم﴾ في الاية ﴿بالخمر﴾ (4).
قال العلامة المجلسي: المراد بالاثم ما يوجبه، وحاصل الاستدلال انه تعالى حكم في تلك الاية بكون ما يوجب الاثم محرما، وحكم في الاية الاخرى بكون الخمر والميسر مما يوجب الاثم، فثبت بمقتضاهما تحريمهما (5).
والكناية بالاثم عن الخمر، لانها ام الخبائث وراس كل اثم (6)، كان قد شاع ذلك الوقت وقبله وتعارف استعماله انشد الاخفش:
شربت الاثم حتى ضل عقلي كذاك الاثم تذهب بالعقول.
وقال آخر:
نهانا رسول اللّه ان نقرب الخنا وان نشرب الاثم الذي يوجب الوزرا (7).
وايضا قال قائلهم في مجلس أبي العباس:
نشرب الاثم بالصواع جهارا وترى المسك بيننا مستعارا (8).
وقد صرح الجوهري بوروده في اللغة، قال: وقد تسمى الخمر اثما ثم انشد البيت الأول كذلك عدهاالفيروزآبادي احد معانيه.
واما انكار جماعة ان يكون الاثم اسما للخمر، فهو انما يعني الاطلاق الحقيقي دون المجاز والاستعارة، فكل معصية اثم، غير ان الخمر لشدة تاثيمها سميت اثما، لانها راس المثم واصلها واساسها، كما نبهنا والى هذايرجع كلام ابن سيده، قال: وعندي انه انما سماها اثما، لان شربها اثم فهو من الاطلاق الشائع الدائر على الالسن، وضعا ثانويا عرفيا بكثرة الاستعمال نعم ليس من الوضع اللغوي الاصل.
وإلى هذا المعنى ايضا يرجع انكار ابن الانباري أبي بكر النحوي ان يكون الاثم من اسما الخمر (9) لا انكار استعماله فيها مجازا شائعا قال الزبيدي: وقد انكر ابن الانباري تسمية الخمر اثما، وجعله من المجاز، واطال في رد كونه حقيقة (10) قلت: وهو كذلك بالنظر إلى اصل اللغة.
وانكره ابن العربي راسا قال: ﴿لا حجة فيما انشده الاخفش، لانه لوقال: شربت الذنب أوشربت الوزر لكان كذلك، ولم يوجب ان يكون الذنب أوالورز اسما من اسما الخمر، كذلك الاثم قال: والذي أوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة وبطريق الادلة في المعاني﴾.
لكن الفارق ان العرب استعملت ﴿الاثم﴾ في الخمر وتعارف استعماله في عرفهم، حتى خص به على اثر الشياع اما ﴿الذنب﴾ و﴿الوزر﴾ فلم يتعارف استعمالهما في ذلك ولوتعارف لكان كذلك.
قال القرطبي - في رده: انه مروى عن الحسن، وذكره الجوهري مستشهدا بما انشده الاخفش، وهكذا انشده الهروي في غريبيه، على ان الخمر: الاثم قال: فلا يبعد ان يكون الاثم يقع على جميع المعاصي وعلى الخمرايضا لغة، فلا تناقض (11).
1- الاعراف / 33.
2- البقرة / 219.
3- الكافي الشريف، ج6، ص 406.
4- مجمع البيان للطبرسي، ج4، ص 414.
5- مرآة العقول بشرح الكافي، ج22، ص 264.
6- اخرج الكليني باسناده الى ابي عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه (ع) ﴿﴿ان الخمر راس كل اثم﴾﴾ ﴿الكافي الشريف، ج6، ص 403﴾.
7- مجمع البيان، ج4، ص 414. والخنا: الفحش من الكلام واستعير لكل امرقبيح وقد كنى بالاثم عن الخمر فانها، اذ لوكان بمعنى الوزر لم يكن يوجب الوزر، ولم يصح تعلق الشرب به.
8- ذكره ابن سيده ﴿ابن منظور لسان العرب﴾. والصواع: انا يشرب فيه ومستعار: متدأول، اي نتعأوره بايدينا نشتمه.
9- لسان العرب لابن منظور، ج12، ص 7.
10- تاج العروس بشرح القاموس، ج8، ص 179.
11- تفسير القرطبي، ج7، ص 201.