الوضع عن لسان الائمة

من المؤسف جدا ان نجد كثرة الوضع في التفاسير المنسوبة إلى السلف الصالح ولاسيما ائمة اهل البيت (ع) حيث وجد الكذابون - من رفيع جاه آل الرسول (ع) بين الامة، ومواضع قبولهم من الخاصة والعامة - ارضا خصبة استثمروها لترويج اباطيلهم وتنفيق بضائعهم المزجاة فصاروا يضعون الحديث ويختلقون لها اسانيد يرتفعون بها إلى السلف والائمة المرضيين كي تحظى بالقبول والتسليم.

وفي اكثر هذه المفتريات ما يتنافى وقدسية الاسلام وتتعارض مع مبانيه الحكيمة، فضلا عن منافرتها لدى الطبع السليم والعقل الرشيد.

ولحسن الحظ، ان غالبية اسانيد هذه الروايات المفتعلة، اصبحت مقطوعة أوموهو نة برجال ضعاف أومشهو رين بالوضع والاختلاق.

ومن ثم فان الجوامع الحديثية التي حوت على امثال هكذا تفاسير ماثورة نقلا عن الائمة (ع) لم تكد تصح منها الا القليل النادر: على ما ننبه عليه.

ففي مثل تفسير أبي النضر محمد بن مسعود العياشي ﴿توفي سنة 320﴾ الذي كان من اجمع التفاسير الماثورة، قداصبح مقطوع الاسناد، حذف اسانيده بعض الناسخين لعذر غير وجيه، وبذلك اسق ط مثل هذا التفسير الثمين عن الحجية والاعتبار والذي وصل الينا من هذا التفسير هو قسم من أوله، مع حذف الاسناد ويا للاسف.

وهكذا تفسير فرات بن ابراهيم الكوفي ﴿توفي حدود 300﴾ وقد اسقط اسانيده ايضا ومثلهما تفسير محمد بن العباس ماهيار المعروف بابن الحجام ﴿توفي حدود 330﴾ لم يوجد منه سوى روايات مقطوعة الاسناد.

هذه تفاسير كانت بروايات مسندة إلى ائمة اهل البيت، وقد اصبحت مقطوعة الاسناد فاقدة الاعتبار لا يجوز الاستناد اليها في معرفة آرا الائمة (ع) في التفسير.

واما مثل تفسير أبي الجارود، زياد بن المنذر الهمداني الخارفي الملقب بسرحوب (1) ﴿توفي سنة 150﴾ الذي يرويه عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر(ع) فضعيف كما لا اعتبار به، لانه من زعما الزيدية المنحرفين عن طريقة الائمة، واليه تنسب الفرقة الجارودية أوالسرحوبية فقد ورد لعنه عن لسان الصادق (ع)قال: لعنه اللّه، انه اعمى القلب اعمى البصر وقال فيه محمد بن سنان: أبوالجارود لم يمت حتى شرب المسكر وتولى الكافرين (2).

وعن أبي بصير قال: ذكر أبوعبد اللّه الإمام الصادق (ع) ثلاثة نفر: كثير النوا، وسالم بن أبي حفصة، واباالجارودفقال: كذابون مكذبون كفار، عليهم لعنة اللّه (3).

والتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (ع) فيه تفسير فاتحة الكتاب وآيات متقطعة من سورة البقرة حتى الاية رقم -282﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ولا ياب الشهدا إذا ما دعوا﴾ وهذا آخر الموجود من هذا التفسير زعموا انه من املا الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري، املاه على أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وابي الحسن علي بن محمد بن سيار كانا من اهل استرآباد، وحضرا سامرآ في طلب العلم لدى الإمام (ع) والرأوي عنهما أبوالحسن محمد ابن القاسم الخطيب، المعروف بالمفسر الاسترآبادي.

غير ان النفرين الأولين مجهو لان، والرأوي عنهما ايضا مجهو ل، فهنا ثلاثة مجاهيل حفوا بهذا التفسيرالمبتور (4).

وهناك لاحمد بن محمد السياري ﴿توفي سنة 268﴾ تفسير متقطع مختصر اعتمد الماثور عن الائمة غير انه ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفوالرواية، كثير المراسيل حسبما وصفه ارباب التراجم وكان القميون المحتاطون في نقل الحديث - يحذفون من كتب الحديث ما كان برواية السياري (5).

وتفسير النعماني المنسوب إلى أبي عبد اللّه محمد بن ابراهيم النعماني من اعلام القرن الرابع ﴿توفي سنة360﴾تفسير مجهو ل، لم يعرف واضعه، وانما نسب إلى النعماني عفوا ولم يثبت فقد عزي هذا التفسيرالمشتمل على توجيه الايات المتعارضة - فيما زعمه واضعه - إلى ثلاثه من شخصيات لامعة في تاريخ الاسلام، هم: السيد المرتضى علم الهدى وسعد بن عبد اللّه الاشعري القمي والنعماني هذا والجميع مكذوب عليهم، يتحاشاه قلم علم من اعلام الدين القويم (6).

واما التفسير المنسوب إلى علي بن ابراهيم القمي ﴿توفي سنة 329﴾ فهو من صنع احد تلاميذه المجهو لين هو : ابوالفضل العباس بن محمد العلوي اخذ شيئا من التفسير باملا شيخه علي بن ابراهيم، ومزجه بتفسير أبي الجارود، الانف، واضافه اليه شيئا مما رواه هو عن غير طريق شيخه بسائر الطرق فهو تفسير مزيج ثلاثي الاسانيد ولم يعرف لحد الان من هذا العباس العلوى واضع هذا التفسير.

كما ان الرأوي عن أبي الفضل هذا ايضا مجهو ل فلم يصح الطريق إلى هذا التفسير كما لم يعتمده ارباب الجوامع الحديثية، فلم يرووا عن الكتاب، وانما كانت رواياتهم عن علي بن ابراهيم باسنادهم اليه لا إلى كتابه فهو تفسير مجهو ل الانتساب (7).

وفي القرن الحادي عشر، قام مؤلفان كبيران، هما: السيد هاشم بن سليمان البحراني المتوفى سنة -1107 أو1109- وعبد علي بن جمعة الحويزي المتوفى -1091- فجمعا الماثور من احاديث اهل البيت الواردة في التفسير من الكتب الانفة، وما جا عرضا في سائر الكتب الحديثية امثال الكافي وكتب الصدوق وكتب الشيخ، ونحوها.

فجا ما جمعه السيد البحراني باسم ﴿البرهان﴾ والشيخ الحويزي باسم ﴿نور الثقلين﴾ وقد اشتملا على تفسيركثير من الايات القرآنية، بصورة متقطعة، ولكن حسب ترتيب السور، من كل سورة آيات ومن غير وفابتفسير كامل الاية، سوى الموضع الذي تعرض له الحديث الماثور.

غير ان غالبية هذه الروايات مما لا يوزن بالاعتبار، حيث ضعف اسنادها أوارسالها أومخالفة مضامينها مع اصول العقيدة أومباني الشريعة فضلا عن مخالفة العلم أوالعقل الرشيد الأمر الذي يوهن صدور مثلها عن ائمة اهل البيت (ع) إذ يجب تنزيه ساحتهم عن صدور مثل هذه الاخبار الضعاف.

ولناخذ لذلك مثلا التفسير المنسوب إلى علي بن ابراهيم القمي، فانه من احسن التفاسير المعتمدة على النقل الماثور، سوى اشتماله على بعض المعايب - ومن حسن الحظ انها قليلة إلى جنب محاسنه الكثيرة - ومن ثم فانها معدودة في جنب محاسنه غير المعدودة كفى المر نبلا ان تعد معايبه ولنشر إلى بعضها كنماذج:

فقد جا فيه، تفسيرا لقوله تعالى: ﴿الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونسا﴾ (8): ان حوا براها اللّه من اسفل اضلاع آدم تجد ذلك في مواضع من هذاالتفسير (9).

في حين ان المراد هنا: الجنس اي من جنسه كما في قوله تعالى: ﴿واللّه جعل لكم من انفسكم ازواجا، وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة﴾ (10).

وقوله تعالى: ﴿ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ (11).

وقصة خلقة حوا من ضلع آدم ذات منشا اسرائيلي تسرب في التفسير.

وهكذا قصة الملكين ببابل هاروت وماروت كفرا - والعياذ باللّه - وزنيا وعبدا للصنم، ومسخت المراة نجمة في السما (12) وغيرذلك مما ينافي عصمة الملائكة المنصوص عليها في القرآن الكريم (13).

وقصة الجن والنسناس، خلقوا قبل الانسان، فكانوا موضع عبرة الملائكة (14).

وكذا تسمية آدم وحوا وليدهما بعبد الحارث، فجعلا للّه شريكا (15).

وقصة: ان الارض على الحوت، والحوت على الما، والما على الصخرة، والصخرة على قرن ثور املس، والثور على الثرى ثم لا يعلم بعدها شي (16).

كلها اساطير بائدة، جات في هذا التفسير عفوا، ومن غيرما سبب معقول.

وجا فيه ما ينافي عصمة الانبيا كما ينافي مقام قداستهم بين الناس.

فتلك قصة دأود وأوريا - على ما جات في الاساطير الاسرائيلية - جات في هذاالتفسير مع الاسف (17).

وهكذا قصة زينب بنت جحش على ما ذكرته القصص العامية (18).

وقصة شك زكريا وعقوبته بصوم ثلاثة ايام وقلق لسانه (19).

وقصة حجر موسى (20) وابتلا ايوب ونتن جسده (21)، وفوات سليمان صلاة العصر (22)، وهم يوسف بارتكاب الفاحشة (23)، وانه الذي نسي ذكر ربه (24)، وان موسى دفن بلا غسل ولا كفن (25)، وقوله للرب: ان لم تغضب لي فلست لك بنبي (26).

وما إلى ذلك من اساطير الصقت بانبيا اللّه العظام، وحاش الائمة (ع) ان يتكلموا بمثلها.

وجا فيه ما ينافي العلم، فقد ورد بشان الخسوف والكسوف غرائب وعجائب:

جا في تفسير قوله تعالى: ﴿وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا اية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة﴾ (27).

ان من الأوقات التي قدرها اللّه البحر الذي بين السما والارض، وان اللّه قدر فيها مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك، يديرون الفلك، فإذادارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه، نزلت في منازلها.

وإذا كثرت ذنوب العباد واراد اللّه ان يستعتبهم بية، امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عليه مجرى الشمس والقمر والنجوم والكواكب فيامر الملك أولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه فيزيلونه فتصير الشمس في البحر فيطمس حرها ويغير لونها وكذلك يفعل بالقمرفإذااراد اللّه ان يخرجهما ويردهما امر الملك ان يردالفلك إلى مجاريه، فتخرج الشمس من الما وهي كدرة والقمر مثل ذلك.

وجا في مساحة الارض والشمس والقمر: ان الارض مسيرة خمسمئة عام، مسيرة اربعمئة عام خراب، ومسيرة مائة عام عمران والشمس ستون فرسخا في ستين والقمر اربعون فرسخا في اربعين.

وعل ل احرية الشمس من القمر بما يلي:

ان اللّه خلق الشمس من نور النار وصفوالما، طبقا من هذا وطبقا من هذا، حتى إذا صارت سبعة اطباق، البسهااللّه لباسا من نار، فمن هنالك صارت الشمس احر من القمر.

قلت: فالقمر؟ قال: ان اللّه خلق القمر من ضؤ النار وصفوالما طبقا من هذا وطبقا من هذا، حتى إذا صارت سبعة اطباق البسها اللّه لباسا من ما، فمن هناك صار القمر ابرد من الشمس (28).

وجا فيه من قصص اساطيرية ما ينافي العقل والعادة.

كقصة الرجل الذي عقلت رجله بالهند أومن ورا الهند، وقد عاش ما عاشت الدنيا (29).

وقصة ملك الروم وحضور الإمام الحسن ويزيد لديه، ومحاكمته لهما في اسئلة غريبة، طرحها عليهما (30).

وقصة عناق كانت لها عشرون اصبعا في كل اصبع ظفران كالمنجلين (31).

وقصة اسرافيل كان يخطوكل سما خطوة، وانه حاجب الرب تعالى (32).

وكان الوزغ ينفخ في نار ابراهيم والضفدع يطفئها (33).

وان ياجوج وماجوج ياكلون الناس (34).

كما فسرت كلمات باشيا أوباشخاص لا مناسبة بينهما.

فقد فسرت البعوضة بامير المؤمنين (ع) (35) وكذا دابة الارض به (36)، وهكذا الساعة في قوله تعالى: ﴿بل كذبوا بالساعة﴾ اي بعلي (ع) (37) والورقة بالسقط، والحبة بالولد (38) والمشرقين برسول اللّه وعلى (ع)والمغربين بالحسن والحسين (ع) وكذا البحرين بعلي وفاطمة (ع) والبرزخ برسول اللّه (ع) (39) وكذا الثقلان في قوله تعالى: ﴿سنفرغ لكم ايهاالثقلان﴾ بالعترة والكتاب (40) وفسر الفاحشة بالخروج بالسيف (41).


1- سرحوب: اسم ابن أوى ويقال: انه شيطان اعمى يسكن البحر.

2- فهرست ابن النديم، ص 267.

3- معجم رجال الحديث للامام الخوئي، ج7، ص 323.

4- راجع: الذريعة للطهراني، ج4، ص 285، ومعجم رجال الحديث، ج12، ص 147 وج17،ص 156 157.

5- راجع: الذريعة، ج17، ص 52 والمعجم، ج2، ص 282- 284.

6- راجع ما كتبناه بشان هذه الرسالة المجهو لة الانتساب في كتابنا﴿﴿صيانة القرآن من التحريف﴾﴾، ص 222- 225.

7- راجع: الذريعة، ج4، ص 302 303 والصيانة، ص 229- 231.

8- النساء/ 1.

9- تفسير القمي ﴿ط نجف﴾، ج1، ص 45 وص 130 وج2، ص 115.

10- النحل / 72.

11- الروم / 21.

12- تفسير القمي، ج1، ص 56.

13- المصدر السابق، ج2، ص 51.

14- المصدر، ج1، ص 36.

15- المصدر، ص 251.

16- المصدر، ج2، ص 58 59.

17- المصدر، ص 230 232.

18- المصدر، ص 172 173.

19- تفسير القمي، ج1، ص 101 102.

20- المصدر، ج2، ص 197.

21- المصدر، ص 239 240.

22- المصدر، ج2، ص 234.

23- المصدر، ج1، ص 342.

24- المصدر، ص 344 345.

25- المصدر، ج2، ص 146.

26- المصدر، ص 145.

27- الاسراء/ 12.

28- راجع: تفسير القمي، ج2، ص 14- 17.

29- تفسير القمي، ج1، ص 166 167.

30- المصدر، ج2، ص 269 272.

31- المصدر، ص 134.

32- المصدر، ص 28.

33- المصدر، ص 73.

34- المصدر، ص 76.

35- المصدر، ج1، ص 35.

36- المصدر، ج2، ص 130 131.

37- المصدر، ص 112، الفرقان / 11.

38- تفسير القمي، ج1، ص 203.

39- المصدر، ج2، ص 344.

40- المصدر، ج2، ص 345، الرحمن / 31.

41- المصدر، ج2، ص 193.