الخلط في التفاسير الماثورة

هناك في التفسير الماثور عن ائمة اهل البيت (ع) بعض الخلط بين تفسير الظاهر وتفسير الباطن، كما حصل خلط بين بعض التطبيقات والتفسير، حيث كان المنصوص عليه مصداقا أومن ابرز مصاديق الاية، فحسبهاالبعض تفاسير فكان من الضروري التمييز بين الأمرين، وفصل احدهما عن الاخر، ليعرف وجه الصواب.

من ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون﴾ بانهم آل محمد(ع)فقد وردت هذه الاية في سورة النحل: ﴿ما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر﴾ (1).

وفي سورة الانبيا ﴿وما ارسلنا قبلك الا رجالا نوحي اليهم فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون﴾ (2).

وظاهر الايتين يقضي بكون الخطاب موجها إلى المشركين، الذين استغربوا نزول الوحي على بشر أوعلى رجل منهم حيث قالوا: ﴿ما انزل اللّه على بشر من شى﴾ (3) وقال تعالى: ﴿اكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم﴾ (4).

فرفعا لاستغرابهم افسح لهم المجال كي يتسالوا بذلك اهل الكتاب ممن يلونهم وكانوا يعتمدونهم ومن ثم جات في الاية الأولى: ﴿ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر﴾ اي لاتعلمون الكتاب ولا تاريخ الانبيا والامم السالفة فعليكم بمراجعة من يعلم ذلك من اهل الكتاب.

كما جا تعقيب الاية الثانية بقوله: ﴿وما جعلناهم جسدا لا ياكلون الطعام وما كانواخالدين﴾ حيث استغرابهم ان يكون النبي انسانا ياكل الطعام ويمشي في الاسواق.

هذا هو ظاهر معنى الايتين: تفسير ﴿اهل الذكر﴾ ب ﴿اهل الكتاب﴾.

لكن ورد في تأويلهما، ما يقضي بالعموم، بان تشمل الاية كل ذوي العلم من اهل الثقافة والمعرفة وعلى راسهم ائمة اهل البيت (ع).

وذلك بالقا الخصوصيات المكتنفة بالكلام، والاخذ بعموم اللفظ وعموم الملاك ﴿اي عموم مناط الحكم﴾ وهو ما يقتضيه العقل من رجوع الجاهل إلى العالم اطلاقا، وفي جميع مجالات العلم والمعرفة، بما يعم جميع الثقافات.

فهذا من التأويل الذي هو مفاد باطن الاية، وليس من التفسير الذي هو مفاد ظاهرها.

هذا المولى محسن الفيض الكاشاني، حسب من هذه الروايات الواردة بتفسير الاية باهل البيت، تفسيرا حقيقيا حسب ظاهر اللفظ قال: في الكافي والقمي والعياشي عنهم (ع) في اخبار كثيرة:رسول اللّه ﴿الذكر﴾ واهل بيته المسؤلون وهم ﴿اهل الذكر﴾ واضاف: ان المستفاد من هذه الاخبار ان المخاطبين بالسؤال هم المؤمنون دون المشركين، وان المسؤول عنه هو كل ما اشكل عليهم دون كون الرسل رجالا قال: وهذا انما يستقيم إذا لم يكن ﴿وما ارسلنا﴾ ردا للمشركين أوكان ﴿فاسالوا﴾ كلاما مستانفا أوكانت الاية مما غير نظمه ولا سيما إذا علق قوله ﴿بالبينات والزبر﴾ بقوله ﴿ارسلنا﴾ فان هذا الكلام، بينهما واما امرالمشركين بسؤال اهل البيت عن كون الرسل رجالا لا ملائكة، مع عدم ايمانهم باللّه ورسوله، فمما لا وجه له (5).

انظر إلى هذا التكلف الذي وقع فيه لتوجيه ما حسبه تفسيرا للاية فلوانه اخذه تأويلا لها مستخلصا عموم المراد من ظاهر اللفظ، وذلك لعموم مناط الحكم في المراجعة والسؤال لكان قد استراح بنفسه.

نعم، وردت الاية بشان المشركين، وهم جهال، ليسالوا اهل الكتاب، لانهم علما وهذا الدستور العقلاني عام في ملاكه ومناطه، فليكن عاما في خطابه وشموله هكذا يستفاد العموم من اللفظ ويستخلص الشمول من الملاك ويسمى ذلك تأويلا اي مل الكلام في نهاية المراد.

وهكذا قوله تعالى: ﴿قل ارايتم ان اصبح ماؤكم غورا فمن ياتيكم بما معين﴾ (6) فقدفسرها قوم حسبما ورد من روايات في تأويلها، فحسبوها مفسرات قال علي بن ابراهيم - بصدد تفسير الاية:ارايتم ان اصبح امامكم غائبا فمن ياتيكم بامام مثله واكتفى بذلك واستشهد بحديث الرضا(ع) سئل عن هذه الاية، فقال: ماؤكم: ابوابكم، اي الائمة (ع) والائمة ابواب اللّه بينه وبين خلقه، ﴿فمن ياتيكم بمامعين﴾، يعنى بعلم الإمام (7).

و﴿كناية ﴿الما المعين﴾ عن العلم الصافي عن اكدار الشبهات، امر معروف قال تعالى: ﴿وان لواستقامواعلى الطريقة لا سقيناهم ما غدقا﴾ (8) وهكذا جا في تفسير الصافي للمولى محسن الفيض (9).

غير ان ذلك تأويل للاية وليس تفسيرا لها، حيث اخذ ﴿الما﴾ في مفهو مه الاعم من الحقيقي والكنائي، اي فيما يورث الحياة ويوجب تدأومها وبقاها، ان ماديا أومعنويا، ليشمل الما الزلال والعلم الصافي جميعا وبهذا المعنى العام يشمل كلا الأمرين فاستخلاص مثل هذا العموم من لفظ الاية، يعتبرتأويلا لها.

وفي رواية الصدوق - في الاكمال - تصريح بذلك حيث سئل الإمام أبوجعفر محمد بن علي الباقر(ع) عن تأويل هذه الاية بالذات، فقال: إذا فقدتم امامكم فلم تروه فمإذا تصنعون ليمتاز التأويل عن التفسير.

وقوله تعالى: ﴿ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الا رض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الا رض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾ (10).

فالاية - حسب ظاهرها - وردت بشان قوم موسى واستضعاف فرعون لهم، فاراد اللّه ان يرفع بهم ويستذل فرعون وقومه.

لكن الاية في مفادها العام وعد بنصر المستضعفين في الارض ورفعهم على المستكبرين، في اي عصر وفي اي دور سنة اللّه التي جرت في الخلق لكن على شرائط يجب توفرها كماتوفرت حينذاك على عهد موسى وفرعون فان عادت الشرائط وتهيات الظروف، فان السنة تجري كما جرت أول الأمر.

وبذلك جا تأويل الاية بشان مهدى هذه الامة، واستخلاص المستضعفين في الارض على يده من نير المستكبرين.

قال الإمام امير المؤمنين (ع):﴿لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها ثم تلا هذه الاية﴾ (11).

وفي كتاب الغيبة قال اميرالمؤمنين (ع):﴿هم آل محمد - صلوات اللّه عليه - يبعث اللّه مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل اعدائهم﴾ والروايات بهذا المعنى كثيرة جدا (12).

فقد جا ذكر موسى وقومه وفرعون وقومه، والمقصود - في باطن الاية - كل مستضعف في الارض ومستكبر فيها.

قال الإمام السجاد: والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا، ان الابرار منا اهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته، وان عدونا واشياعهم بمنزلة فرعون واشياعه (13).

وعبثا حأول بعضهم جعل ذلك تفسيرا مباشرا للاية، واخذ فرعون وهامان لفظاكنائيا بحتا عن مطلق العتاة في الارض (14).

ونظير هذه الاية في شمولها العام، وتأويلها بشان المهدي المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه الشريف - قوله تعالى: ﴿وعد اللّه الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الا رض كمااستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعدخوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بى شيئا﴾ (15).

فان مصداقها الحقيقي المنطبق على بسيط الارض كله، انما يتحقق بظهو ر المهدي واظلال الاسلام على كافة وجه الارض عند ذلك تكون العبادة للّه في الارض خالصة من الشرك، لا يشرك به احد من خلقه.

قال الإمام الصادق (ع): نزلت في القائم واصحابه (16)، اي بشانهم في تأويل الاية.

وهكذا قوله تعالى: ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الا رض يرثها عبادي الصالحون﴾ (17).

قال الإمام الباقر(ع): هم اصحاب المهدي في آخر الزمان.

وقد فصل الكلام في ذلك، الطبرسي في مجمع البيان، فراجع (18).

وقوله تعالى: ﴿فلينظر الا نسان إلى طعامه انا صببنا الما صبا ثم شققنا الا رض شقافانبتنا فيها حبا إلى قوله - متاعا لكم﴾ (19).

قال الإمام أبوجعفر الباقر(ع): إلى علمه الذي ياخذه عمن ياخذه (20).

لا شك ان العلم غذا الروح كما ان الطعام غذا الجسد فكما يجب على الانسان ان يعرف ان الطعام الصالح والغذا النافع الكافل لسلامة الجسد وصحة البدن، هو الذي ياتيه من جانب اللّه، وانه تعالى هو الذي هياه له ترفيها لمعيشته كذلك يجب عليه ان يعلم ان العلم النافع والغذا الصالح لتنمية روحه وتزكية نفسه هو الذي ياتيه من جانب اللّه، وعلى يد أوليائه المخلصين الذين هم ائمة الهدى ومصابيح الدجى، فلا يستطرق ابواب البعدا الاجانب عن مهابط وحي اللّه، ومجاري فيضه المستدام.

قال الحكيم الرباني الفيض الكاشاني: لان الطعام يشمل طعام البدن وطعام الروح جميعا كما ان الانسان يشمل البدن والروح فكما انه مامور بان ينظر إلى غذائه الجسماني ليعلم انه نزل من عند اللّه فكذلك غذاؤه الروحاني الذي هو العلم، ليعلم انه نزل من عنده تعالى بان صب امطار الوحي إلى ارض النبوة وشجرة الرسالة وينبوع الحكمة، فاخرج منها حبوب الحقائق وفواكه المعارف، ليغتذي بها ارواح القابلين للتربية فقوله (ع): ﴿علمه الذي ياخذه عمن ياخذه﴾ اي ينبغي له ان ياخذ علمه من مهابط الوحي ومنابع الحكمة اهل بيت رسول اللّه (ع) الذين اخذوا علومهم من مصدر الوحي الامين، خالصة صافية ضافية.

قال: وهذا تأويل الاية الذي هو باطن الاية، مرادا إلى جنب ظاهرها حسبما عرفت (21).


1- 16/43.

2- 21/ 7.

3- الانعام / 91.

4- يونس / 2.

5- راجع: تفسير الصافي، ج1، ص 925.

6- الملك / 30.

7- تفسير القمي، ج2، ص 379.

8- الجن / 16.

9- تفسير الصافي، ج2، ص 727.

10- القصص / 5.

11- يقال: شمس الفرس شموسا وشماسا، إذا استعصى على راكبه والضروس: الناقة السيئة الخلق تعض حالبها.

12- راجع: تفسير الصافي، ج2، ص 253.

13- المصدر نفسه، ص 254.

14- راجع في ذلك: محأولة القمي في تفسيره، ج2، ص 133.

15- النور/ 55.

16- الغيبة للنعماني، ص 230 رقم 35.

17- الانبياء/ 105.

18- مجمع البيان، ج7، ص 66- 67.

19- عبس / 24- 32.

20- رجال الكشي، ص 10 11 ﴿ط نجف﴾.

21- تفسير الصافي، ج2، ص 789 بتصرف وتلخيص.