27- قتادة بن دعامة
قتادة بن دعامة، أبوالخطاب السدوسي البصري، ولد اكمه (1) كان تابعيا وعالما كبيرا، كان فقيه اهل البصرة عالما بالانساب واشعار العرب قال أبوعبيدة: كان اجمع الناس وكان ينيخ على باب داره كل يوم من ياتيه فيساله عن خبر أونسب أوشعر (2) وكان احفظ الناس، لا ينسى ما حفظه أوقرئ عليه ولومرة واحدة قال على بن المديني: انتهى علم البصرة إلى يحيى بن أبي كثير، وقتادة كما انتهى علم الكوفة إلى أبي اسحاق، والاعمش وانتهى علم الحجاز إلى ابن شهاب، وعمروبن دينار (3).
قال مطر بن الوراق: ما زال قتادة متعلما حتى مات (4) قال قتادة: ما قلت لمحدث قط: اعد على وما سمعت اذناي شيئا قط، الا وعاه قلبي وقال: ما في القرآن آية الا قد سمعت فيها بشي.
قال أبوحاتم: سمعت احمد بن حنبل وذكر قتادة، فاطنب في ذكره، فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير، ووصفه بالحفظ والفقه وقال: قلما تجد من يتقدمه، اما المثل فلعل وقال الاثرم: سمعت احمد يقول: كان قتادة احفظ اهل البصرة، لم يسمع شيئا الا حفظه وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها وكان يقول: الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر وقال له سعيد بن المسيب لما راى منه العجيب من حفظه: ما كنت اظن ان اللّه خلق مثلك.
وقال ابن حبان - في الثقات: كان من علما الناس بالقرآن والفقه ومن حفاظ اهل زمانه (5).
كانت ولادته سنة -61- قال أبواسحاق ابراهيم بن علي الذهلي: ولد عمر بن عبد العزيز، وهشام بن عروة، والزهري، وقتادة، والاعمش، ليالي قتل الحسين ابن على بن أبي طالب (ع) وكانت شهادته (ع) يوم عاشورا سنة -61- للهجرة (6) وتوفي بواسط في الطاعون سنة -118-.
وغمز فيه بانه كان يقول بالقدر قال ابن سعد: كان ثقة، مامونا، حجة في الحديث، وكان يقول بشي من القدرواخرج ابن خلكان عن أبي عمروبن العلا، قال: حسبك قتادة، فلولا كلامه في القدر (7).
ولكن مع ذلك فقد اعتمده القوم واعتبروه حجة في الحديث، كما قال ابن سعد قال على بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: ان عبد الرحمان يقول: اترك كل من كان راسا في بدعة يدعواليها قال: كيف تصنع بقتادة، وابن أبي رواد، وعمر ابن ذر تركت ناسا كثيرا (8).
قلت: رميه بالقدر، أوشي من القدر، انما جا من قبل قوله بالعدل، حسبما كان يقوله شيخه الحسن البصري، على ما تقدم في ترجمته وكانت العامة ممن تاثروا بمذهب أبي موسى الاشعري وحفيده أبي الحسن الاشعري، كانوا يرون خلاف ذلك، وان الافعال كلها مخلوقة للّه وعن ارادته، وليس للعبد اختيار في عمله عقيدة جاهلية أولى، كانت تمكنت من نفوس العرب، ولم تكد تنخلع بعد، ما دامت العامة وعلى راسهم الاشعريان، منحرفين عن تعاليم آل بيت الرسول - صلوات اللّه عليهم اجمعين.
هذا وقد عرف قتادة السدوسي بالولا لاهل البيت وعلى راسهم الإمام امير المؤمنين (ع)، وفي التاريخ منه مواقف مشرفة سجلها اهل السير والحديث:
اخرج ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني باسناده عن ابان بن عثمان البجلي، قال: حدثني الفضيل البرجمي، قال: كنت بمكة، وخالد بن عبد اللّه القسري (9) امير، وكان في المسجد عندزمزم، فقال: ادعوا لي قتادة، فجا شيخ احمر الراس واللحية، فدنوت لاسمع.
فقال خالد: يا قتادة، اخبرني باكرم وقعة كانت في العرب، واعز وقعة كانت في العرب، واذل وقعة كانت فى العرب فقال قتادة: اصلح اللّه الامير، اخبرك باكرم وقعة واعز وقعة كانت في العرب واحدة فقال خالد: ويحك، واحدة؟ قال قتادة: بدر اهله فلما قتلت قريش يومئذ، ذلت العرب فكانت اذل وقعة في العرب.
فقال له خالد: كذبت لعمر اللّه، ان كان في العرب يومئذ من هو اعز منهم (10).
ثم قال خالد: ويلك يا قتادة، اخبرني ببعض اشعارهم؟.
قال: خرج أبوجهل يومئذ، وقد اعلم ليرى مكانه، وعليه عمامة حمرا، وبيده ترس مذهب، وهو يقول:
ما تنقم الحرب الشموس مني بازل عامين حديث السن.
لمثل هذا ولدتني امي.
فقال خالد: كذب عدواللّه، ان كان ابن اخي لافرس منه، يعني خالد بن الوليد وكانت امه من بني قسر ويلك ياقتادة، من الذي كان يقول: أوفي بميعادي واحمي عن حسب؟.
فقال: اصلح اللّه الامير، ليس هذا يومئذ، هذا يوم احد خرج طلحة بن أبي طلحة فخرج اليه على بن أبي طالب (ع) وهو يقول:
انا ابن ذي الحوضين عبد المطلب وهاشم المطعم في العام السغب أوفي بميعادي واحمي عن حسب.
وهنا لم يتحمل خالد سماع منقبة لامير المؤمنين (ع) فقال - مغضبا: كذب لعمري أبوتراب، ما كان كذلك.
فعند ذلك قام قتادة، وقال: ايها الامير، ائذن لي في الانصراف، فجعل يفرج بيده ويخرج وهو يقول: زنديق ورب الكعبة، زنديق ورب الكعبة (11).
قال المحدث القمي: هذا ينبؤك عن ولا قتادة للامام امير المؤمنين (ع) (12).
وله ايضا مع الإمام أبي جعفر الباقر(ع) مواقف نذكرمنها:
اخرج الكليني ايضا باسناده إلى أبي حمزة الثمالي، قال: كنت جالسا في مسجدرسول اللّه (ع) إذ اقبل رجل فقال لي: اتعرف ابا جعفر؟ قلت: نعم، فما حاجتك؟ قال: هيات له اربعين مسالة اساله عنها، فما كان من حق اخذته، وما كان من باطل تركته فما انقطع كلامه حتى اقبل أبوجعفر وحوله اهل خراسان وغيرهم يسالونه عن مناسك الحج فمضى حتى جلس مجلسه، وجلس الرجل قريبا منه فلما انصرف الناس التفت أبوجعفر اليه، فقال له: من انت؟ قال: انا قتادة بن دعامة البصري.
فقال له أبوجعفر: انت فقيه اهل البصرة؟ قال: نعم، فقال: ويحك يا قتادة، ان اللّه تعالى خلق خلقا من خلقه، فجعلهم حججا على خلقه، وهم أوتاد في ارضه، قوام بامره، نجبا في علمه، اصطفاهم قبل خلقه اظلة عن يمين عرشه.
فسكت قتادة طويلا، ثم قال: اصلحك اللّه، واللّه لقد جلست بين يدي الفقها، وقدام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم، ما اضطرب قدامك فقال أبوجعفر: اتدري اين انت؟ بين يدي بيوت اذن اللّه ان ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدووالاصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه واقام الصلاة وايتا الزكاة، فانت ثم ونحن أولئك فقال قتادة: صدقت واللّه، جعلني اللّه فداك، واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين (13).
واخرج - ايضا - عن زيد الشحام، قال: دخل قتادة على أبي جعفر(ع) وجرى بينهما كلام حتى انتهى إلى تأويل قوله تعالى: ﴿وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين﴾ (14) فقال له الإمام: ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكرا حلال، يروم هذا البيت، عارفا بحقنا، يهو انا قلبه، كما قال عز وجل:﴿فاجعل افئدة من الناس تهو ي اليهم﴾ (15) ولم يعن البيت فيقول: اليه فنحن واللّه دعوة ابراهيم (ع) من هو انا قلبه قبلت حجته يا قتادة، فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة.
قال قتادة: لا جرم، واللّه لا فسرتها الا هكذا فقال له أبوجعفر: يا قتادة، انما يعرف القرآن من خوطب به (16).
قلت: هذا النمط من الكلام يعد من اسرار الولاية، لا يبوحون به الا لاصحاب السر ولا سيما مع اذعان قتادة لهذا الخطاب وتحمله هذا العتاب واستسلامه للامر ولعل انقداحة حصلت في نفسه بعد هذا التقريع، وهكذاتفعل الموعظة باهلها ان صادقت نفوسا مستعدة.
له كتاب في التفسير ويرى فؤاد سزكين انه ربما كان تفسيرا كبيرا ضخما فقد استخدمه الخطيب البغدادي، كمافي مشيخته قال شواخ: واستخدمه الطبري اكثرمن (17) ثلاثة آلاف مرة وربما نقل كل مادته نقلا، بالرواية التالية: ﴿حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة﴾ وقد عرف الثعلبي عدا ذلك روايتين اخريين لهذا الكتاب، كما يظهر من كتابه ﴿الكشف والبيان﴾ (18).
1- المصدر نفسه، ج2، ص 154 رقم 266.
2- الاكمه: الذي ولد اعمى.
3- وفيات الاعيان لابن خلكان، ج4، ص 85 رقم 541.
4- المصدر نفسه، ج6، ص 140 رقم 791.
5- تهذيب التهذيب، ج8، ص 353 رقم 635 والجرح والتعديل، ج7 ﴿ج 3، ق 2﴾، ص 133- 135 رقم 756.
6- تهذيب التهذيب، ج8، ص 354 355 وطبقات ابن سعد، ج7، ق 2، ص 1.
7- الوفيات، ج6، ص 80 رقم 781.
8- الطبقات، ج7، ق 2، ص 1 والوفيات، ج4، ص 85.
9- تهذيب التهذيب، ج8، ص 353.
10- كان عاملا لهشام بن عبد الملك على العراقين وكان ملحدا زنديقا مخنثا عدوا للامام اميرالمؤمنين7 كان يقول: لوامرني هشام بتخريب الكعبة لهدمتها ونقلت حجارتها الى الشام كان ابوه من اصل يهو د تيما وكان ابوه عبد اللّه بن يزيد مع معأوية في صفين وكانت امه رومية نصرانية، كان بنى لها قبة في مسجد الكوفة، وكان إذا اذن المؤذن ضرب لها الناقوس، وإذا خطب الخطيب رفع النصارى اصواتهم حولها ﴿سفينة البحار، ج1، ص 406 خ ل د﴾.
11- غلبته حمية جاهلية، فلم يرضه الاعتراف بمذلة العرب يومذاك.
12- روضة الكافي ﴿ج 8، ص 111 113﴾ الحديث رقم 91 والبحار، ج19، ص 298 300.
13- سفينة البحار، ج2، ص 405 ﴿ق ت د﴾.
14- الكافي الشريف، ج6، ص 256 من كتاب الاطعمة والبحار، ج10، ص 154، رقم 4 وج23 ص 329 رقم 10.
15- سباء/ 18.
16- ابراهيم / 37.
17- روضة الكافي ﴿ج 8، ص 311 312﴾ حديث رقم 485 والبحار، ج24، ص 237رقم6، وج46، ص 349 رقم 2.
18- معجم مصنفات القرآن الكريم، ج2، ص 163 رقم 999.