9- الحسن البصري

أبوسعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري كان ابوه مولى لزيد بن ثابت الانصاري، من سبي ميسان ﴿بليدة باسفل البصرة﴾، وامه خيرة مولاة ام سلمة زوج النبى (ع) وتربى في بيتها ويقال: ربما كانت تغذيه بلبنها باذن اللّه - عند ما تغيب امه ويقال: انه ولد على الرق، ولد بالمدينة سنة -22- لسنتين بقيتا من خلافة عمر، ونشا بوادي القرى ﴿واد من اعمال المدينة على طريق الشام، واقع بين تيما وخيبر﴾ وتوفي بالبصرة مستهل رجب سنة -110- (1).

كان الحسن جسيما وسيما (2) نابها فصيحا، وكان يشبه في الفصاحة والبيان برؤبة العجاج (3) وكان عالماجامعا، وفقيها مامونا (4) وعابدا ناسكا، حسب تعبير ابن سعد وغيره (5).

كان اكثر ما يقوله عن علي (ع) من غير ان يصرح باسمه الشريف تقية، أويكنى عنه بابي زينب (6).

وقد اعتمد الائمة مراسيله، لانه لا يرسل الا عن ثقة قال على بن المديني: مرسلات الحسن إذا روى عنه الثقات، صحاح وقال أبوزرعة: كل شي يقول الحسن: قال رسول اللّه (ع)، وجدت له اصلا ثابتا.

قال يونس بن عبيد: سالت الحسن، قلت: يا ابا سعيد، انك تقول: قال رسول اللّه (ع) وانك لم تدركه؟ اني في زمان كما ترى (7) - كل شي سمعتني اقول: قال رسول اللّه (ع)فهو عن على بن أبي طالب (ع) غير اني في زمان لا استطيع ان اذكر عليا(ع) (8).

قال الشريف المرتضى: وكان الحسن بارع الفصاحة، بليغ المواعظ، كثير العلم وجميع كلامه في المواعظ وذم الدنيا، أوجله ماخوذ - لفظا ومعنى، أومعنى دون لفظ (9) - من كلام امير المؤمنين على بن أبي طالب (ع)، فهو القدوة والغاية، فنقل عنه حكما ومواعظ جليلة.

ثم قال: وكان الحسن إذا اراد ان يحدث في زمن بني امية عن امير المؤمنين، قال: قال أبوزينب (10).

وقال الشيخ فريد الدين العطار النيسابوري: ﴿كان الحسن انما يوالي عليا امير المؤمنين، ومنه اخذ العلم، وكان مرجعه في طريقة العرفان﴾ (11).

ولابان بن أبي عياش كلام بشان الحسن، يدل على مغالاته في ولائه للامام اميرالمؤمنين (ع) قال: لما أودعه سليم بن قيس الهلالي كتابه وأوصاه ان لا يريح غير الخواص من الشيعة: فكان أول من لقيت بعد قدومي البصرة الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو يومئذ متوار من الحجاج والحسن يومئذمن شيعة على بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - ومن مفرطيهم، نادم متلهف على ما فاته من نصرة علي والقتال معه فخلوت به في شرقي دار أبي خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي، فعرضته عليه، فبكى ثم قال: مافي حديثه شي الا حق، قد سمعته من الثقات من شيعة علي - صلوات اللّه عليه - وغيرهم (12).

قلت: كان اخذه عن علي (ع) بواسطة الثقات من اصحابه، وليس مباشرة وبغير واسطة، لانه لم يدرك عليا في المدينة بما يمكنه الاخذ عنه، لحداثة سنه حينذاك، ولم يلق عليا بعد ان خرج الإمام إلى العراق، كما سنوضح.

والذي انتقصوا به الحسن امران: انه كان يدلس، وكان منحرفا عن علي (ع) في بد امره وان كان قد تندم بعدذلك وشي ثالث: انه كان قدريا، ويقول: ﴿من كذب بالقدر فقد كفر﴾ ولننظر في كل هذه التهم ومبلغ اعتبار كل واحدة منها:

اما التدليس، فقال ابن حجر: وكان يرسل كثيرا ويدلس قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم، فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا، يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة (13).

وسئل أبوزرعة: هل سمع الحسن احدا من البدريين؟ قال: رآهم رؤية، راى عثمان وعليا قيل: هل سمع منهماحديثا؟ قال: لا، راى عليا بالمدينة، وخرج على إلى الكوفة والبصرة، ولم يلقه الحسن بعد ذلك وقال على بن المديني: لم ير عليا الا ان كان بالمدينة وهو غلام، ولم يسمع من جابر بن عبد اللّه، ولا من أبي سعيد الخدري، ولم يسمع من ابن عباس، وما رآه قط، كان الحسن بالمدينة ايام كان ابن عباس بالبصرة واما قوله: ﴿خطبنا ابن عباس بالبصرة﴾، فانما اراد: خطب اهل البصرة كقول ثابت: ﴿قدم علينا فلان﴾ اي قدم بلدنا واهلنا وقال ابن المديني: ولم يسمع من أبي موسى، وقال أبوحاتم وابوزرعة: لم يره قال ابن المديني: روي عن الحسن ان سراقة حدثهم قال: وهذا اسناد ينبوعنه القلب ان يكون الحسن سمع من سراقة، الا ان يكون معنى حدثهم:حدث الناس، قال: فهذا اشبه وهكذا قال الترمذي: لم يثبت له سماع من علي (ع) (14).

وقد تقدم الجواب عن ذلك، وانه كان لا يرسل الا عن ثقة، ولذلك قال ابن المديني وابوزرعة وغيرهما:مرسلات الحسن صحاح، وان لها اصلا ثابتا وجده الاعلام (15).

وكان الرجل في محذور عن تسمية الرجال، ولا سيما إذا كان عن الإمام امير المؤمنين علي (ع) أواحداصحابه المعروفين.

قال الطبري: كان الحسن فقيها فاضلا، لا يشك في حديثه فيما روى، وكان كثير المراسيل وكثير الرواية عن قوم مجاهيل، وعن صحف قد وقعت اليه لقوم اخذها منهم وروي عن مسأور، قال: قلت للحسن: عمن تحدث هذه الاحاديث؟ قال: عن كتاب عندنا سمعته من رجل.

قال المحقق التستري - تعليقا على هذا الكلام: ولعله اشارة إلى كتاب سليم ابن قيس الهلالي الذي وقع بيده وسمعه من ابان بن أبي عياش، على ما اسلفنا.

وقال - اخيرا: والرجل - كما رايت - مختلف فيه، الا ان الاحسن حسنه وتقواه وتقيته (16).

واما تهمة الانحراف فمستندها حكايات هي اشبه بالأوهام:

من ذلك ما ارسله صاحب كتاب الاحتجاج: ان عليا(ع) مر - بعد واقعة الجمل - بالحسن البصري وهو يتوضافقال: يا حسن اسبغ الوضؤ، فقال: يا امير المؤمنين، لقد قتلت بالامس اناسا يشهدون الشهادتين ويصلون الخمس ويسبغون الوضؤ عدونا؟ فقال: لقد خرجت، وانا لا اشك ان التخلف عن ام المؤمنين عائشة هو الكفر، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ﴿موضع وقع قتال الجمل فيه﴾ ناداني مناد: ارجع يا حسن، فان القاتل والمقتول في النار فقال علي: صدقك ذاك اخوك ابليس، ان القاتل والمقتول منهم في النار (17).

وهكذا ارسل القطب الرأوندي: ان عليا(ع) قال له: اسبغ طهو رك يا لفتي (18)، فقال: لقد قتلت بالامس رجالاكانوا يسبغون الوضؤ حزنك قالوا: فما راينا الحسن قط الا حزينا، كانه يرجع عن دفن حميم، أوخربندج ضل حماره فقيل له في ذلك، فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح (19).

وذكر ابن أبي الحديد فيمن كان يبغض عليا(ع) الحسن البصري، قال: روى عنه حماد انه قال: لوكان علي ياكل الحشف (20) بالمدينة لكان خيرا له مما دخل فيه ورووا عنه انه كان من المخذلين عن نصرته وروي عنه ان عليا(ع) رآه وهو يتوضا - وكان ذا وسوسة - فصب على اعضائه ما كثيرا، فقال له: ارقت ما كثيرا ياحسن، فقال: ما اراق امير المؤمنين من دما المسلمين اكثر ان مات (21).

هذا كل ما قيل بشانه دليلا على انحرافه عن الإمام امير المؤمنين (ع)، لكنها روايات لا اسناد لها، فضلا عما بينهامن تهافت وتضارب، وقد انكرها ابن أبي الحديد بشدة على ما سنذكر.

قلت: ولحسن الحظ ان واضع هذه الروايات قد ذهب عنه ان الحسن - وهو غلام يافع - لم يكن له شان ذلك اليوم، ولم يكن حاضر البصرة يوم الجمل، ولم يخرج إلى العراق بعد، الا في ايام طعن في السن وكبر، ايام عبدالملك بن مروان وما بعده كما يظهر من رواية الوراق: كان جابر بن زيد رجل اهل البصرة، فلما ظهر الحسن جارجل كانما كان في الاخرة (22) وجابر بن زيد توفي سنة ﴿93 أو103﴾.

كان الحسن عند مقتل عثمان لم يبلغ الحلم قال ابن سعد: كان للحسن يومذاك اربع عشرة سنة قال أبورجا:قلت للحسن: متى عهدك بالمدينة؟ قال: ليالي صفين قلت: متى احتلمت؟ قال: بعد صفين عاما (23) وقال ابن حبان: احتلم سنة -37-، وادرك بعد صفين (24).

وعليه فكان يوم الجمل غلاما حوالي البلوغ ما بين ﴿14 - 15﴾ سنة، فضلا عن كونه بالمدينة حينذاك ولم يخرج إلى العراق وقد عرفت تصريح العلما بذلك (25).

واليك من كلام ابن أبي الحديد في ذلك:

قال: فاما اصحابنا فانهم يدفعون ذلك عنه وينكرونه، ويقولون: انه كان من محبي على بن أبي طالب (ع) والمعظمين له وروى أبوعمروابن عبد البر في كتابه ﴿الاستيعاب﴾ ان انسانا سال الحسن عن علي (ع)، فقال:كان واللّه سهما صائبا من مرامي اللّه على عدوه، وربانى هذه الامة وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول اللّه (ع) لم يكن بالنؤمة عن امر اللّه، ولا بالملومة في دين اللّه، ولا بالسروقة لمال اللّه اعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، ذلك على بن أبي طالب، يا لكع (26).

وروى الواقدي، قال: سئل الحسن عن علي (ع)، وكان يظن به الانحراف عنه، ولم يكن كما يظن، فقال: مااقول فيمن جمع الخصال الاربع: ائتمانه على براة، وما قال له الرسول في غزاة تبوك: فلوكان غير النبوة شي يفوته لاستثناه، وقول النبى (ع): ﴿الثقلان كتاب اللّه وعترتي﴾، وانه لم يؤمر عليه امير قط، وقد امرت الأمراعلى غيره.

وروى ابان بن أبي عياش، قال: سالت الحسن البصري عن علي (ع)، فقال: ما اقول فيه السابقة، والفضل، والعلم، والحكمة، والفقه، والراي، والصحبة، والنجدة، والبلا، والزهد، والقضا، والقرابة ان علياكان في امره عليا رحم اللّه عليا، وصلى عليه.

فقلت: يا ابا سعيد، اتقول: ﴿صلى عليه﴾ لغير النبى على النبى وآله، وعلي خير آله.

فقلت: اهو خير من حمزة وجعفر؟ قال: نعم قلت: وخير من فاطمة وابنيها؟ قال: نعم واللّه انه خير آل محمدكلهم ومن يشك انه خير منهم، وقد قال رسول اللّه (ع): ﴿وابوهما خير منهما﴾ ﴿زوجتك خير امتي﴾ اصحابه، فخى بين على ونفسه فرسول اللّه (ع) خير الناس نفسا، وخيرهم اخا.

فقلت: يا ابا سعيد، فما هذا الذي يقال عنك، انك قلته في على؟ فقال: يا ابن اخي، احقن دمي من هؤلا الجبابرة، ولولا ذلك لشالت بي الخشب (27).

وذكر أبوالفتح محمد بن علي الكراجكي ﴿ت 449﴾ ان الحجاج بن يوسف كتب إلى الحسن البصري والى واصل بن عطا وعمروبن عبيد وعامر الشعبي، ان يخبروه بقولهم في القضا والقدر.

فكتب اليه الحسن: ﴿ما اعرف فيه الا ما قاله على بن أبي طالب (ع) فانه قال: يا ابن آدم ازعمت ان الذي نهاك دهاك، وانما دهاك اسفلك واعلاك وربك بري من ذاك﴾.

وكتب اليه واصل: ﴿ما اعرف فيه الا ما قاله على بن أبي طالب (ع) فانه قال: ما تحمد اللّه عليه فهو منه وماتستغفر اللّه عنه فهو منك﴾.

وكتب اليه عمرو: ﴿ما اعرف فيه الا ما قاله على بن أبي طالب (ع) فانه قال: ان كان الوزر في الاصل محتوما، لكان الموزور في القصاص مظلوما﴾.

وكتب اليه الشعبي: ﴿ما اعرف فيه الا ما قاله على بن أبي طالب (ع): من وسع عليك الطريق، لم ياخذ عليك المضيق﴾.

فلما قرا الحجاج اجوبتهم، قال: قاتلهم اللّه، لقد اخذوها من عين صافية (28).

وقال الشريف المرتضى: واحد من تظاهر من المتقدمين بالقول بالعدل، الحسن بن أبي الحسن البصري كان يقول: من زعم ان المعاصي من اللّه - عز وجل - جاء يوم القيامة مسودا وجهه، ثم قرا: ﴿ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودة﴾ (29) - وذكر عنه كثيرا من اقواله في ذلك - ثم قال: وروى أبوبكر الهذلي (30) ان رجلا قال للحسن: ان الشيعة تزعم انك تبغض عليا(ع) مرامي ربنا - عز وجل - على عدوه، رباني هذه الامة، ذوشرفها وفضلها، وذوقرابة من النبى (ع) قريبة، لم يكن بالنؤمة عن امر اللّه، ولا بالغافل عن حق اللّه، ولا بالسروقة من مال اللّه، اعطى القرآن عزائمه فيما له وعليه، فاشرف منها على رياض مونقة، واعلام بينة ذلك ابن أبي طالب، يا لكع قال: واتى على بن الحسين (ع) يوما الحسن البصري، وهو يقص عند الحجر، فقال: اترضي يا حسن نفسك للموت؟ قال: لا، قال: فعملك للحساب؟ قال: لا، قال: فثم دار للعمل غير هذه الدار؟ قال: لا، قال: فلله في ارضه معاذ غير هذا البيت؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن التطواف؟ (31).

ورواه ابن خلكان بتبديل لفظ ﴿يا حسن﴾ ب ﴿يا شيخ﴾، وعقبه: فما قص الحسن بعدها (32).

وذكر أبومحمد الحسن بن علي ابن شعبة الحراني ﴿من اعلام القرن الرابع﴾ كتابا للحسن البصري، بعث به إلى الإمام السبط الاكبر الحسن بن علي (ع) يساله عن رايه في القدر والاستطاعة، وفي مفتتح الكتاب ما ينبئ عن ولا صميم وعقيدة ثابتة كان يحملها لال بيت الرسول (ع) جا فيه:

﴿اما بعد فانكم - معشر بني هاشم - الفلك الجارية في اللجج الغامرة، والاعلام النيرة الشاهرة، أوكسفينة نوح التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون.

كتبت اليك يا ابن رسول اللّه عند اختلافنا في القدر، وحيرتنا في الاستطاعة فاخبرنا بالذي عليه رايك وراي آبائك (ع) فان من علم اللّه علمكم، وانتم شهدا على الناس، واللّه الشاهد عليكم، ذرية بعضها من بعض، واللّه سميع عليم (33).

وروى الصدوق باسناده في اماليه عن أبي مسلم، قال: خرجت مع الحسن البصري وانس بن مالك حتى اتيناباب ام سلمة فقعد انس على الباب ودخلت مع الحسن، فسمعت الحسن وهو يقول:

السلام عليك يا اماه ورحمة اللّه وبركاته فقالت: وعليك السلام، من انت يا بنى؟.

فقال الحسن: انا الحسن البصري.

فقالت: فيما جئت يا حسن فقال لها: جئت لتحدثيني بحديث سمعتيه من رسول اللّه (ع) في على بن أبي طالب (ع).

فقالت ام سلمة: واللّه لاحدثنك بحديث سمعته اذناي من رسول اللّه (ع) والا فصمتا، وراته عيناي والافعميتا، ووعاه قلبي والا فطبع اللّه عليه، واخرس لساني ان لم يكن سمعت رسول اللّه (ع) يقول لعلى بن أبي طالب (ع):

﴿يا علي، ما من عبد لقي اللّه يوم يلقاه جاحدا لولايتك الا لقي اللّه بعبادة صنم أووثن﴾.

قال أبومسلم: فسمعت الحسن البصري وهو يقول: اللّه اكبر، اشهد ان عليا مولاي ومولى المؤمنين.

فلما خرج قال له انس بن مالك: ما لي اراك تكبر؟ من رسول اللّه (ع) في على، فقالت لي: كذا وكذا فقلت: اللّه اكبر اشهد ان عليا مولاي ومولى كل مؤمن.

قال ابومسلم: فسمعت عند ذاك انس بن مالك وهو يقول: اشهد على رسول اللّه (ع) انه قال هذه المقالة ثلاث مرات أواربع مرات (34).

واما القول بالقدر، - حسبما يفسره اهل العدل - (35) فقد عرفت من السيد نسبته اليه، قال: ﴿واحد من تظاهرمن المتقدمين بالقول بالعدل الحسن البصري، قال: كل شي بقضا اللّه وقدره الا المعاصي﴾ (36).

ولكن الاشاعرة - وهم جمهو ر اهل السنة - لم يرقهم ذلك بشان مثل الحسن البصري الإمام المعترف به لدى الجميع، فجعلوا يتأولون كلامه في ذلك أويحملونه على رايه القديم، وقد تاب منه ورجع إلى راي الجماعة، كما زعموا.

قال أبوعبد اللّه الذهبي: واما مسالة ﴿القدر﴾ فصح عنه الرجوع عنها، وانها كانت زلقة لسان (37).

وروى ابن سعد عن حماد بن زيد عن ايوب، قال: نازلت الحسن في القدر غير مرة، حتى خوفته السلطان، فقال: لا اعود فيه بعد اليوم وعن أبي هلال، قال: سمعت حميدا وايوب يتكلمان، فسمعت حميدا يقول لايوب:لوددت انه قسم علينا غرم، وان الحسن لم يتكلم بالذي تكلم به، قال ايوب: يعني في القدر (38).

قال عبد الكريم الشهرستاني: ورايت رسالة نسبت إلى الحسن البصري كتبها إلى عبدالملك بن مروان (39) وقد ساله عن القول بالقدر والجبر، فاجابه فيها بما يوافق مذهب القدرية واستدل فيها بيات من الكتاب ودلائل من العقل قال: ولعلها لواصل بن عطا، فما كان الحسن ممن يخالف السلف في ان القدر خيره وشره من اللّه تعالى فان هذه الكلمات كالمجمع عليها عندهم قال: والعجب انه حمل هذا اللفظ ﴿الخير والشر كله من اللّه﴾ الوارد في الخبر، على البلا والعافية، والشدة والرخا، والمرض والشفا، والموت والحياة، إلى غير ذلك من افعال اللّه تعالى، دون الخير والشر، والحسن والقبيح، الصادرين من اكتساب العباد، وكذلك أورده جماعة من المعتزلة في المقالات عن اصحابهم (40).

وللحسن البصري آرا معروفة في التفسير، وكانت روايته المشهو رة عن طريق عمروبن عبيد المعتزلي ﴿توفي سنة 144﴾، واستخدمه الثعلبي في كتابه ﴿الكشف والبيان﴾ وتوجد منه بقايا في تاريخ الطبري بهذه الرواية:﴿حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن عمروبن عبيد عن الحسن﴾ قال شواخ: ويبدوان الطبري كان يستخدم نقول ابن اسحاق، كما قال فؤاد سزكين وتوجد بقايا كثيرة من هذا الكتاب في كتب التفسير (41).

وله ايضا ﴿نزول القرآن﴾ وكتاب ﴿العدد في القرآن﴾، على ما ذكره الشيخ حسن خالد (42).


1- طبقات المفسرين، ج1، ص 1.

2- تتمة المنتهى للقمي، ص 7 وطبقات ابن سعد، ج7، ق1 ﴿ط ليدن﴾، ص 115 وتهذيب التهذيب، ج2، ص 266.

3- عن عاصم الاحول، قلت للشعبي: لك حاجة ؟ قال: نعم، إذا اتيت البصرة فاقرا الحسن مني السلام قلت: ما اعرفه ؟ قال: إذا دخلت البصرة فانظر الى اجمل رجل تراه في عينك، واهيبه في صدرك فاقراه مني السلام.

4- طبقات ابن سعد، ج7، ق1، ص 121.

5- قال قتادة: ماجالست فقيها قط الا رايت فضل الحسن عليه وقال ايوب: ما رات عيناي رجلا قط كان افقه من الحسن وقال الاعمش: ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها وكان إذا ذكر عند ابي جعفرالباقر(ع) قال: ﴿﴿ذاك الذي يشبه كلامه كلام الانبيا﴾﴾ ﴿تهذيب التهذيب، ج2، ص 265﴾. وقال بلال بن ابي بردة: ما رايت رجلا قط لم يصحب النبى (ع) اشبه باصحاب رسول اللّه (ع) من هذا الشيخ، يعني الحسن اشبه بهم منه.

6- قال مطر الوراق: كان جابر بن زيد ﴿توفي سنة103﴾ رجل اهل البصرة، فلما ظهر الحسن، جاء رجل كانما كان في الاخرة، فهو يخبر عما راى وعاين ﴿تهذيب التهذيب، ج2،ص 264﴾.

7- امالي الشريف المرتضى، ج1، ص 162.

8- كان ذلك ايام ولاية الحجاج على البصرة.

9- تهذيب التهذيب، ج2، ص 266 بالمتن والهامش.

10- قال ابن عون: كان الحسن يحدث بالحديث وبالمعاني وقال جرير بن حازم: كان الحسن يحدثنا الحديث يختلف فيزيد في الحديث وينقص منه، ولكن المعنى واحد ﴿طبقات ابن سعد، ج7، ق1، ص 115،ط ليدن﴾.

11- امالي المرتضى، ج1، ص 153 و162 وله كلام ياتي فيه وصف علي (ع) نقله المرتضى ﴿المصدر، ج1، ص 162﴾.

12- تذكرة الأوليا، ص 34.

13- مقدمة كتاب سليم بن قيس، ص 65 66.

14- التقريب لابن حجر، ج1، ص 165 رقم 263.

15- تهذيب التهذيب، ج2، ص 266 270.

16- المصدر نفسه، ص 266.

17- قاموس الرجال ﴿ط الأولى﴾، ج3، ص 136 137.

18- كتاب الاحتجاج المنسوب الى الطبرسي ﴿؟﴾ ﴿ط نجف﴾، ج1، ص 250.

19- على وزان ﴿﴿قبطي﴾﴾ قيل: معناه الشيطان بالنبطية.

20- الخرائج والجرائح، ج2، ص 547 رقم 8، والبحار، ج41، ص 302 رقم 33، وج42،ص 143 رقم 5.

21- الحشف: اردا التمر، أواليابس الفاسد من التمر.

22- شرح النهج، ج4، ص 95 96.

23- تهذيب التهذيب، ج2، ص 264.

24- طبقات ابن سعد، ج7، ق1، ص 114.

25- تهذيب التهذيب، ج2، ص 270.

26- تهذيب التهذيب، ج2، ص 266 270.

27- اللكع: الاحمق واللئيم.

28- شرح النهج، ج4، ص 95 96.

29- كنز الفوائد ﴿ط حجرية﴾، ص 170 ونقله الجزائري في زهر الربيع، ج2، ص 96 97،باختلاف في الترتيب مع نقص.

30- الزمر/ 60.

31- اسمه سلمى، وقيل: روح، ابن عبد اللّه بن سلمى البصري قال ابن حجر: هو ابن بنت حميد بن عبد الرحمان الحميري مات سنة ﴿167﴾ كان من علما الناس بايامهم روى عن الحسن وابن سيرين والشعبي وعكرمة وقتادة وروى عنه ابن جريج ووكيع وابن عيينة وآخرون ﴿تهذيب التهذيب، ج12، ص 45﴾.

32- امالي المرتضى، ج1، ص 153 و162.

33- وفيات الاعيان، ج2، ص 70.

34- تحف العقول ﴿غفاري﴾، ص 231 وذكر الكراجكي في كنز الفوائد، ص 170 مع اختلاف يسير.

35- بحار الانوار، ج42، ص 142 143 رقم 4 عن امالي الصدوق مجلس 47 ﴿ط نجف﴾،ص 389.

36- وهم المعتزلة والامامية من الشيعة قالوا: كل شي بقضا اللّه وقدره، وحتى افعال العبادالاختيارية، انما تقع باقداره تعالى، وان كانت المعاصي انما تقع منهيا عنها غير مرضية لديه تعالى، وان المكلفين انما يرتكبونها عن اختيارهم وعن اقداره تعالى،اختبارا لهم وتصحيحا للتكليف وهذا معنى قول الحسن: ﴿﴿كل شي بقضا اللّه وقدره الا المعاصي﴾﴾، لان اللّه لايرضى لعباده الكفر، فكيف يجبرهم عليه ؟ فالمعصية انما تقع لا عن رضى اللّه وكانت منهيا عنها البتة، غير ان اللّه تعالى اقدر العبادعلى فعلها اختبارا، ولولاه لم يصح التكليف ولا الذم والعقاب. اما الاشاعرة فراقهم القول بان ﴿﴿الخير والشر﴾﴾ كليهما من اللّه، يقعان وفق ارادته تعالى،السابقة على ارادة العباد وان كل ذلك من فعل اللّه وليس من فعل العبد في شي للشهرستاني، ج1، ص 91 الاشعرية ﴾.

37- امالي المرتضى، ج1، ص 153.

38- ميزان الاعتدال، ج1، ص 483 عند ترجمة سمية البغدادي برقم 1828.

39- الطبقات، ج7، ق1، ص 122.

40- ينسب له القاضي عبد الجبار رسالة في العدل والتوحيد، ارسلها الى عبد الملك بن مروان ﴿هامش الاصول الخمسة، ص 137﴾ قال المحقق التستري: والرسالة رايتها في مكتبة الطهراني بكربلا، وهي كما قال الشهرستاني رسالة حسنة مشتملة على ادلة متقنة ﴿قاموس الرجال، ج3، ص 137﴾.

41- الملل والنحل، ج1، ص 47.

42- معجم مصنفات القرآن الكريم، ج2، ص 161 رقم 996.