5- عكرمة مولى ابن عباس

أبوعبد اللّه عكرمة بن عبد اللّه اصله من البربر من اهل المغرب، كان لحصين بن الحر العنبري، فوهبه لابن عباس، حين ولي البصرة لعلي بن أبي طالب (ع)، واجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن والسنن، وسماه باسماالعرب (1).

قال ابن سعد: كان يقيده فيعلمه القرآن ويعلمه السنن (2) فرباه فاحسن تربيته، وعلمه فاحسن تعليمه، واصبح فقيها واعلم الناس بالتفسير ومعاني القرآن قال ابن خلكان: اصبح عكرمة احد فقها مكة وتابعيها، وكان ينتقل من بلد إلى بلد قال: وروي ان ابن عباس قال له: انطلق فافت للناس وقيل لسعيد بن جبير: هل تعلم احدا اعلم منك؟ قال: عكرمة.

واخرج الذهبي عن عكرمة قال: طلبت العلم اربعين سنة، وكنت افتي بالباب وابن عباس في الدار (3).

واخرج ابن سعد عن سلام بن مسكين، قال: كان عكرمة من اعلم الناس بالتفسير وعن عمروبن دينار، قال:دفع الي جابر بن زيد مسائل اسال عنها عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه واخرج عنه أبونعيم، قال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا اعلم الناس.

وكان ابن عباس لا يدع فرصة لتعليمه، قال عكرمة: قال لي ابن عباس ونحن ذاهبون من منى إلى عرفات: هذا يوم من ايامك ﴿اي هذه فرصة لك فاغتنمها﴾ فجعلت ارجن به ويفتح علي ابن عباس (4).

واخرج ابن سعد ايضا عن خالد بن القاسم البياضي قال: مات عكرمة وكثير عزة الشاعر في يوم واحد سنة -105- فرايتهما جميعا صلي عليهما في موضع واحد بعد الظهر في موضع الجنائز، فقال الناس: مات اليوم افقه الناس واشعر الناس (5).

واخرج أبونعيم عن اسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت الشعبي يقول: ما بقي احداعلم بكتاب اللّه تعالى من عكرمة وعن سلام بن مسكين، قال: سمعت قتادة يقول: اعلمهم بالتفسير عكرمة.

واخرج عن يزيد النحوي عن عكرمة، قال ابن عباس لي: انطلق فافت للناس، فمن سالك عما يعنيه فافته، ومن سالك عما لا يعنيه فلا تفته، فانك تطرح عني ثلثي مؤونة الناس.

وعن عمروبن دينار، قال: كنت إذا سمعت من عكرمة يحدث عن المغازي، كانه مشرف عليهم ينظر كيف كانوايصنعون ويقتتلون وكان سفيان الثوري يقول بالكوفة: خذوا التفسير عن اربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطا، وعكرمة وفي رواية: تبديل عطا بالضحاك (6).

واخرج ابن حجر عن يزيد النحوي عن عكرمة، قال: قال لي ابن عباس: انطلق فافت بالناس وانا لك عون قال: فقلت له: لوان هذا الناس مثلهم مرتين لافتيتهم قال: فانطلق فافتهم، فمن جاك يسالك عما يعنيه فافته، ومن سالك عما لايعنيه فلاتفته، فانك تطرح عنك ثلثي مؤونة الناس.

وقال ابن جواس: كنا مع شهر بن حوشب بجرجان، فقدم علينا عكرمة، فقلنا لشهر: الا ناتيه؟ فقال: ائتوه، فانه لم يكن امة الا كان لها حبر، وان مولى ابن عباس حبر هذه الامة (7) فقد حمل هذا اللقب الرفيع من مؤدبه ابن عباس وورثه منه.

وقال المروزي: كان عكرمة اعلم شاكردي ابن عباس بالتفسير، وكان يدور البلدان يتعرض (8).

وقال قتادة: كان اعلم التابعين عطا وسعيد بن جبير وعكرمة، قال: واعلمهم بالتفسير عكرمة.

وقال ابن عيينة: سمعت ايوب يقول: لوقلت لك: ان الحسن ترك كثيرا من التفسير، حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها، لصدقت (9).

وقال ابن المديني: كان عكرمة من اهل العلم، ولم يكن في موالي ابن عباس اغزرعلما منه.

وقال ابن مندة: قال ابوحاتم: اصحاب ابن عباس عيال على عكرمة.

وقال ابن خيثمة: كان عكرمة من اثبت الناس فيما يروي (10).

تلك شهادات ضافية ومستفيضة بشان الرجل، تجعله في قمة الفضيلة والعلم، والثقة والاعتماد عليه لدى الائمة، مما يوهن ما حيك حول الرجل من أوهام واكاذيب مفضوحة، ليست تتناسب مع شخصية كانت تربية مثل ابن عباس، وموضع عنايته الخاصة.

قال أبوجعفر الطبري: ولم يكن احد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله، وكثرة الرواية للاثار، وانه كان عالما بمولاه وفي تقريظ جلة اصحاب ابن عباس اياه ووصفهم له بالتقدم في العلم وامرهم الناس بالاخذ عنه، ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الانسان، ويستحق جواز الشهادة ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن، ويقول فلان لمولاه: لا تكذب علي، وما اشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه اليه اهل الغبأوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب (11).

وقال أبونعيم: ومنهم مفسر الايات المحكمة، ومنور الروايات المبهمة، أبوعبد اللّه مولى ابن عباس عكرمة كان في البلاد جوالا، ومن علمه للعباد بذالا (12).

واما الذين طعنوا فيه، فقد قصرت انظارهم ولم يعرفوا وجه المخرج من ذلك، مع وضوح براة الرجل مما قيل فيه ويتلخص في رميه بالكذب، وميله إلى راي الخوارج اما الأول فلرواية رووها عن ابن عمر انه قال لمولاه نافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس واما الثاني فلوهم توهموه من سفرته إلى المغرب عندتجواله البلاد، وان الخوارج هناك اخذوا عنه احاديث.

ومن الواضح ان هكذا تشبثات غريبة انما تنم عن حسد كان يحمله منأوئوه تجاه منزلة الرجل وشموخه في الفقه والعلم، بمعاني القرآن الكريم.

قال ابن حجر - بشان الرواية عن ابن عمر: انها ضعيفة الاسناد، فضلا عن اختلاف المتن وتباين النقل فيها قال: انها لم تثبت، لانها من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكا، والبكا متروك الحديث.

ومن ثم قال ابن حبان: ومن المحال ان يجرح العدل بكلام المجروح يقصد به البكا.

واضاف ابن حجر: ان اسحاق بن عيسى سال مالكا: ابلغك ان ابن عمر قال لنافع كذا؟ قال: لا ولكن بلغني ان سعيد بن المسيب قال ذلك لمولاه برد (13).

قلت: ولقد كان رميه بالكذب شائعا على عهده، وربما على عهد سيده ابن عباس ايضا، حيث ورد الذب عن نفسه صريحا، وانكار ابن عباس ذلك.

قال ابن حكيم: كنت جالسا مع أبي امامة بن سهل بن حنيف، إذ جا عكرمة، فقال: ياابا امامة، اذك رك اللّه، هل سمعت ابن عباس يقول: ﴿ما حدثكم عكرمة عني فصدقوه، فانه لم يكذب على﴾؟فقال ابوامامة: نعم (14).

وقال ايوب: قال عكرمة: ارايت هؤلا الذين يكذبوني من خلفي، افلا يكذبوني في وجهي حجر: يعني انهم إذا واجهو ه بذلك امكنه الجواب عنه والمخرج منه وذلك ان عكرمة كان يسمع الحديث من شيخ ومثله من شيخ آخر، فربما حدث واسنده إلى الأول، ثم يحدث ويسنده إلى الاخر، فمن ذلك رموه بالكذب، كما قال أبوالاسود: كان عكرمة ربما سمع الحديث من رجلين، فكان إذا سئل حدث به عن رجل، ثم يسال عنه بعدحين فيحدث به عن الاخر، فيقولون: ما اكذبه صادق (15).

قال ابن حجر: احتج بحديث عكرمة البخاري واصحاب السنن وتركه مسلم - الا حديثا واحدا - وانما تركه لكلام مالك فيه ﴿كان مالك لا يراه ثقة ويامر ان لا يؤخذ عنه﴾ (16) قال: وقد تعقب جماعة من الائمة ذلك، وصنفوا في الذب عن عكرمة، منهم: أبوجعفر ابن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وابوعبد اللّه ابن مندة، وابوحاتم ابن حبان، وابوعمروابن عبد البر، وغيرهم.

وقد لخص ابن حجر ما قيل فيه، ثم عقبه بالاجابة عليه، قائلا: فاما اقوال من أوهاه، فمدارها على ثلاثة اشيا:على رميه بالكذب، وعلى الطعن فيه بانه كان يرى راي الخوارج، وعلى القدح فيه بانه كان يقبل جوائزالأمرا قال: اما قبول الجوائز فجمهو ر اهل العلم على الجواز، وقد صنف في ذلك ابن عبد البر (17) قال: على ان ذلك ليس بمانع من قبول روايته، وهذا الزهري قد كان في ذلك اشهر من عكرمة، ومع ذلك فلم يترك احدالرواية عنه بسبب ذلك (18).

واما تهمة البدعة فانها لم تثبت، وقد نفاها عنه جماعة من الائمة النقاد قال ابن أبي حاتم: سالت أبي عن عكرمة، فقال: ثقة قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم، إذا روى عنه الثقات والذي انكر عليه مالك، انما هو بسبب راي، على انه لم يثبت عنه من وجه قاطع انه كان يرى ذلك، وانما كان يوافق في بعض المسائل (19) فنسبوه اليهم وقد براه احمد والعجلي من ذلك، فقال - في كتاب الثقات له: عكرمة مولى ابن عباس، مكي تابعي ثقة، بري مما يرميه الناس به من الحرورية.

وقال ابن جرير: لوكان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة، ثبت عليه ما ادعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك اكثر محدثي الامصار، لانه ما منهم الا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه (20).

قال الذهبي: عكرمة مولى ابن عباس، احد أوعية العلم تكلم فيه، لرايه لا لحفظه، فاتهم براي الخوارج وقدوثقه جماعة، واعتمده البخاري (21).

واما الكذب فلا منشا لرميه به سوى حديث ابن عمر الانف، وفي طريقه ضعف الأمر الذي لا يصطدم مع وفرة توثيقه: اخرج ابن حجر عن البخاري قال: ليس احد من اصحابنا الا احتج بعكرمة وقال ابن معين: إذا رايت انسانا يقع في عكرمة فاتهمه على الاسلام وقال المروزي: قلت لاحمد بن حنبل: يحتج بحديث عكرمة؟ قال:نعم قال المروزي: اجمع عامة اهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤسا اهل العلم بالحديث من اهل عصرنا، منهم: احمد بن حنبل، واسحاق بن راهو ية، وابوثور، ويحيى بن معين قال: ولقدسالت اسحاق عن الاحتجاج بحديثه، فقال: عكرمة عندنا امام اهل الدنيا، وتعجب من سؤالي اياه قال: وحدثناغير واحد انهم شهدوا يحيى بن معين، وساله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة، فاظهر التعجب وقال البزار:روى عن عكرمة مائة وثلاثون رجلا من وجوه البلدان، كلهم رضوا به، إلى غيرها من توثيقات قيمة (22).

ويبدومن روايات اصحابنا الإمامية كونه من المنقطعين إلى ابواب آل بيت العصمة، وفقا لتعاليم تلقاها من مولاه ابن عباس - رضي اللّه عنه - فقد روى محمد بن يعقوب الكليني باسناده إلى أبي بصير، قال: كنا عندالإمام أبي جعفر الباقر(ع) وعنده حمران، إذ دخل عليه مولى له، فقال: جعلت فداك، هذا عكرمة في الموت، وكان يرى راي الخوارج، وكان منقطعا إلى أبي جعفر(ع).

فقال لنا أبوجعفر: انظروني حتى ارجع اليكم، فقلنا: نعم فما لبث ان رجع، فقال: اما اني لوادركت عكرمة، قبل ان تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها، ولكني ادركته وقد وقعت النفس موقعها قلت: جعلت فداك، ومإذاك الكلام؟ قال: هو - واللّه - ما انتم عليه، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة ان لااله الا اللّه والاقراربالولاية (23).

في هذه الرواية مواضع للنظر والامعان: أولا دخول مولى أبي جعفر بذلك الخبرالمفاجئ، لدليل على ان لعكرمة كانت منزلة عند الإمام (ع)، وكان الإمام يهتم بشانه ثانيا قوله: وكان منقطعا إلى أبي جعفر، يؤيد كون الرجل من خاصة اصحابه، ولم يكن يدخل على غيره دخوله على الإمام (ع).

واما قوله: وكان يرى راي الخوارج، فهو من كلام الرأوي، حدسا بشانه، حسبمااملت عليه الحياكات الشائعة عنه (24)، والا فهو متناقض مع انقطاعه إلى الإمام كيف يختص بالحضور لدى امام معصوم من اهل بيت النبوة، من كان يرى راي خارجى مبغض لال أبي طالب بالخصوص؟ هذا الاتناقض، يرفضه العقل السليم، فهذا قول ساقط لا وزن له مع سائر تعابير الحديث المتقنة.

واخيرا فان قوله (ع): لقنوا موتاكم الخ مع اهتمامه البالغ بشان ادراكه قبل الموت ليلقنه، لدليل واضح على كونه ممن يرى رايهم لا راي غيرهم، والا فلا يتناسب قوله اخيرا مع فعله أولا، فتدبر.

وهذه الرواية رويت مع اختلاف في بعض الفاظها، رواها البرقي في كتاب ﴿الصفوة﴾باسناده إلى أبي بكر الحضرمي، (25) والكشي عن طريق محمد بن مسعود العياشي باسناده إلى زرارة بن اعين عن الإمام أبي جعفر الباقر(ع) (26).

غير ان الكشي استنتج من قول الإمام: ﴿لوادركته لنفعته﴾ انه مثل ما يروى ﴿لواتخذت خليلا لاتخذت فلاناخليلا﴾ لا يوجب لعكرمة مدحا بل أوجب ضده (27).

لكنه استنتاج غريب ناشئ عن ذهنيته الخاصة بشان الرجل قال المحقق التستري - ردا عليه: ان الرواية المقيس عليها غير ثابتة، وعلى فرض الثبوت فهو مدح لا قدح (28) قلت: معنى ﴿لوادركته لنفعته﴾ (29): انه لم يدركه فلم ينتفع بما كان من شانه ان ينتفع به وكذا معنى ﴿ان ادركته علمته كلاما لم تطعمه النار﴾ (30): ان كنت لقنته لم تذقه النار اصلا فلازم ذلك انه بسبب عدم هذا الانتفاع يكون بمعرض لإذاقة النار - على بعض ذنوبه احيانا - أوفوته بعض المنافع لذلك.

وعلى جميع هذه الفروض، لا تدل الرواية على انه كان من المخالفين أوالفاسقين، حاشاه من عبد صالح كان تربية مثل ابن عباس من خاصة الإمام امير المؤمنين (ع)، وهذا كما يقال: لوعمل كذالنفعه أولم يكن ليتضرر شيئا، ولازمه انه لم ينتفع بذلك، أوتضرر شيئا.

وللمولى المجلسي العظيم كلام بشان عكرمة، عند ما نقل عنه في تفسير قوله تعالى: ﴿ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة اللّه﴾ (31) انها نزلت بشان أبي ذر وصهيب (32)، على خلاف سائرالمفسرين قالوا: نزلت بشان علي (ع) ليلة المبيت قال - بصدد القدح في الرواية: ان رأويها عكرمة، وهو من الخوارج (33).

ولعل هذا منه كان جدلا، والا فالرواية في نفسها ضعيفة لضعف الرأوي لا المروي عنه فقد اخرجها الطبري عن طريق الحجاج بن محمد المصيصي عن ابن جريج عن عكرمة والمصيصي ضعيف واه، قد خلط في كبره، ومن ثم تركه يحيى بن سعيد وأوصى ابنه بتركه (34) وقد سمعت ابا حاتم قوله بشان عكرمة: ثقة يحتج بقوله إذاروى عنه الثقات (35).

وبعد، فلم نجد مغمزا في عكرمة مولى ابن عباس الثقة الامين، الأمر الذي استنتجه ابن حجر في التقريب قال: عكرمة، ثقة ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة (36).

منهجه في التفسير:

كان ينتهج منهج مولاه وشيخه ومؤدبه ابن عباس، في حرية الراي وثبات العقيدة من غير ان يهاب احدا، أويثنيه عن اختياره شي ومن ثم عرض نفسه للقذف والرمي، وربما التحمل لما كان المنأوئون يهابون موضع سيده ابن عباس، فوجدوا من تلميذه مندوحة ليقدحوا فيه ويجرحوه.

واليك نموذج من تفسيره:

كان يرى من آية الوضؤ (37) نزولها بمسح الارجل دون غسلها، ولم يزل عمله على ذلك، وان استدعي مخالفة عامة الفقها في عصره قال يونس: حدثني من صحب عكرمة إلى واسط، قال: فمارايته غسل رجليه، انما كان يمسح عليهما (38) واخرج الطبري باسناده إلى عبد اللّه العتكي عن عكرمة، قال:﴿ليس على الرجلين غسل، انما نزل فيهما المسح﴾ وهكذا اخرج باسناده إلى عمروبن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ﴿الوضؤ غسلتان ومسحتان﴾ وكذا عن جمع كثير من التابعين، ولا سيما المتاثرين بمدرسة ابن عباس، امثال قتادة والضحاك والشعبي والاعمش وغيرهم وجماعة من الصحابة امثال انس بن مالك وجابر بن عبد اللّه وغيرهما، ذهبوا إلى ان القرآن نزل بمسح الارجل لاغسلها (39).

قال امين الاسلام الطبرسي: اختلف في ذلك، فقال جمهو ر الفقها: ان فرضهماالغسل وقالت الإمامية: فرضهما المسح لا غير، وبه قال عكرمة وقد روي القول بالمسح عن جماعة من الصحابة والتابعين كابن عباس وانس وابي العالية والشعبي وقال الحسن البصري: بالتخيير بين الغسل والمسح.

قال: واما ما روي عن سادة اهل البيت (ع) في ذلك فاكثر من ان تحصى (40) وللطبرسي هنا بشان المسالة تحقيق لطيف، ينبغي لرواد الحقيقة مراجعته.

واخرج البيهقي باسناده عن رفاعة بن رافع: ان رسول اللّه (ع) قال: ﴿انها لا تتم صلاة احدكم حتى يسبغ ‌الوضؤ كما امره اللّه به: يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح راسه ورجليه إلى الكعبين﴾ (41).

وهكذا في المسح على الخفين - الذي يقول به جمهو ر الفقها - كان عكرمة ينكره اشد الانكار، ويقول: ﴿سبق الكتاب المسح على الخفين﴾ (42)، يعني: ان القرآن نزل بالمسح على الارجل، اما المسح على الخفين - على مأوردت به بعض الروايات - فامر متاخر عن نزول الاية، ولا دليل على نسخ الاية، رواية لم تثبت (43).

وهذا الذي ذكره عكرمة هو الذي نقلته الائمة عن الإمام امير المؤمنين (ع) فقد روى أبوجعفر الطوسي باسناده إلى أبي الورد، قال: قلت لابي جعفر الباقر(ع): ان ابا ظبيان حدثني انه راى عليا(ع) اراق الما ثم مسح على الخفين (44) اما بلغك قول على (ع) فيكم: ﴿سبق الكتاب الخفين﴾؟ فقلت: فهل فيهمارخصة؟ فقال: لا، الا من عدوتتقيه، أوثلج تخاف على رجليك (45).

ولا شك ان ابن عباس كان يرى راي الإمام الذي هو شاخص اهل البيت (ع) فلا وقع لتكذيب عكرمة بانه خالف شيخه، فقد افتري عليه كما افتري على الإمام (ع).

وعقد أبونعيم الاصبهاني فصلا من حليته (46)، أورد فيه من تفاسير ماثورة عن عكرمة، دررا وغررا هي من جلائل الاثار وكرائم الافكار، ويتبين منها مدى سعة علم الرجل وشموخ فكره الصائب، ينبغي مراجعتها فانهاممتعة جدا.


1- المصدر نفسه، ص 13.

2- ابن خلكان وفيات الاعيان ، ج3، ص 265 رقم 421 وفي الطبقات: كان ابن عباس يسمي عبيده اسما العرب، عكرمة وسميع وكريب وكان يامرهم بالتزويج وترك العزوبة ﴿ابن سعد، ج5، ص 212﴾.

3- الطبقات، ج5 ﴿ط ليدن﴾، ص 212 قال: كان يضع في رجله الكبل لذلك وراجع: ايضا،ج2، ص 133 وراجع: حلية الأوليا لابي نعيم الاصبهاني، ج3، ص 326 رقم ﴿245﴾ وفي الميزان، ج3، ص 95 رقم 5716: كان يضع في رجلي الكبل على تعليم القرآن والفقه.

4- ميزان الاعتدال، ج3، ص 95، رقم 5716.

5- ارجن به، اي أوقفه فاساله ﴿الطبقات، ج5، ص 212﴾.

6- الطبقات، ج5، ص 216.

7- حلية الأوليا، ج3، ص 326 329.

8- تهذيب التهذيب، ج7، ص 265، وميزان الاعتدال، ج3، ص 93، رقم 5716.

9- المصدر نفسه وشاگرد بالكاف الفارسية : التلميذ وقد ذكره ابن حجر في مقدمة شرح البخاري ص 428 بلفظ: ﴿﴿كان عكرمة اعلم موالي ابن عباس واتباعه بالتفسير﴾﴾.

10- المصدر نفسه، ص 266.

11- ابن حجر في مقدمة شرح البخاري، ص 428.

12- عن المقدمة لابن حجر، ص 428 429.

13- حلية الأوليا، ج3، ص 326، رقم 245.

14- مقدمة شرح البخاري، ص 425.

15- تهذيب التهذيب، ج7، ص 265 والمقدمة، ص 427.

16- مقدمة فتح الباري، ص 427.

17- تهذيب التهذيب، ج7، ص 268 وفي الميزان، ج3، ص 95: قال مطرف: سمعت مالكايكره ان يذكر عكرمة، ولاراى ان يروي عنه.

18- لم نجد فقيها من فقها ذلك العهد، كان قد سلم من ذلك، لا سيما إذا كان الامير صالحا، وكان الفقيه بحاجة، كما هو الشان في مثل عكرمة فقد قيل له: ما جا بك الى هذه البلاد؟ قال:الحاجة ﴿طبقات ابن سعد، ج5، ص 214﴾ وفي رواية: اسعى على عيالي ﴿مقدمة الفتح،ص 426﴾.

19- مقدمة فتح الباري، ص 424 427.

20- ما من مذهب وطريقة الا ويتوافق بعض مسائله مع مسائل مذاهب آخرين، وهذا لايعني التوافق في الاصول وفي كل الاتجاهات نعم، الذين في قلوبهم زيغ، يتبعون ما تشابه،ابتغاء الفتنة وسعيا ورا الفساد في الارض.

21- فتح الباري المقدمة ص 427.

22- ميزان الاعتدال، ج3، ص 93، رقم5716.

23- راجع: مقدمة فتح الباري، ص 428.

24- الكافي الشريف، ج3، ص 123، رقم5 باب تلقين الميت من كتاب الجنائز والمرآة،ج13، ص 278 279.

25- فقد كان طلبه الوالى على المدينة، فتغيب عند دأود بن الحصين، حتى مات عنده، غيران الامام اباجعفر وصحابته الخواص كانوا يعرفون موضعه وفي ذلك ايضا دلالة على كونه من الخاصة ﴿طبقات ابن سعد، ج5، ط ليدن، ص 316﴾.

26- المحاسن ﴿ط نجف﴾ ص 112 113، باب 19 المعرفة، رقم63 والبحار، ج68 ﴿ط طهران﴾، ص 119 120، رقم 48.

27- رجال الكشي ﴿ط نجف﴾، ص 188 رقم 94.

28- اختيار معرفة الرجال ﴿ط مشهد﴾، ص 216، رقم387 و﴿ط مؤسسة آل البيت﴾ ج2،ص 477 478.

29- قاموس الرجال، ج6 ﴿ط أولى﴾، ص 327.

30- كما في رواية الكشي ﴿﴿لوادركت عكرمة عند الموت لنفعته﴾﴾ ﴿ط نجف﴾، ص 188 رقم 94.

31- كما في رواية البرقي المحاسن باب 19 ﴿المعرفة﴾ من كتاب الصفوة والنور والرحمة،رقم 63.

32- البقرة / 207.

33- الطبري، ج2، ص 186، والمجمع، ج2، ص 301.

34- بحار الانوار، ج36 ﴿ط بيروت﴾ ص 45.

35- تهذيب التهذيب، ج2، ص 206.

36- المصدر نفسه، ج7، ص 270.

37- التقريب، ج2، ص 30، رقم 277.

38- المائدة / 6.

39- الطبرسي في مجمع البيان، ج3، ص 165 والطبري في جامع البيان، ج6، ص 83.

40- الطبري في جامع البيان، ج6، ص 82 83 واخرج البيهقي في سننه، ج1، ص 72 عن ابن عباس قال: ما اجد في الكتاب الا غسلتين ومسحتين كما اخرج في ص 44 عن رفاعة بن رافع: المسح على الرجلين.

41- الطبرسي في مجمع البيان، ج3، ص 164.

42- السنن الكبرى، ج1، ص 44، باب التسمية على الوضؤ وج2، ص 345 باب من سهافترك ركنا، وهناك كامل الحديث واخرجه السيوطي في الدرالمنثور، ج2، ص 262.

43- تهذيب التهذيب، ج7، ص 268.

44- ذكر ابويوسف ان سنة المسح على الخفين نسخت آية المسح على الارجل احكام القرآن للجصاص، ج2، ص 348.

45- هو حصين بن جندب الكوفي مات سنة 90 وقد انكروا سماعه من علي (ع) فيما يرويه عنه تهذيب التهذيب، ج2، ص 380 ولم يذكره الشيخ في اصحاب الامام امير المؤمنين (ع).

46- الوسائل، ج1، ص 322، رقم5.