4- طأووس بن كيسان
أبوعبد الرحمان طأووس بن كيسان الخولاني الهمدانى اليماني، من ابنا الفرس، احد الاعلام التابعين كان فقيها جليل القدر، نبيه الذكر قال ابن عيينة: قلت لعبيد اللّه بن أبي يزيد: مع من تدخل على ابن عباس؟ قال: مع عطا واصحابه قلت: وطأووس؟ قال: ايهات، كان ذلك يدخل مع الخواص وقال عمروبن دينار: ما رايت احدا قط مثل طأووس (1).
وقد شهد بشانه الكثير من العلما، فعن ابن جريج عن عطا عن ابن عباس، قال: اني لاظن طأووسا من اهل الجنة وقال ابن حبان: كان من عباد اهل اليمن، ومن سادات التابعين، وكان قدحج اربعين حج ة، وكان مستجاب الدعوة وقال ابن عيينة: متجنبوالسلطان ثلاثة: ابوذر في زمانه، وطأووس في زمانه، والثوري في زمانه وكان ابن معين يعدله بسعيد بن جبير (2).
قال أبونعيم: هو أول الطبقة من اهل اليمن، الذين قال فيهم النبى (ع): الايمان يمان وقد ادرك خمسين رجلامن الصحابة وعلمائهم واعلامهم، واكثر روايته عن ابن عباس وروى عنه الصفوة من الائمة التابعين (3).
وعده ابن شهر آشوب من اصحاب الإمام زين العابدين (ع) ووصفه بالفقيه (4) وله مع الإمام مواقف مشهو دة، منها:
عند ما خر الإمام ساجدا عند بيت اللّه الحرام، فدنا منه وشال براسه ووضعه على ركبته، وبكى حتى جرت دموعه على خد الإمام، وعند ذلك استوى الإمام جالسا، وقال: من الذي اشغلني عن ذكر ربي؟ (5) وايضا موقفه الاخر مع الإمام في الحجر (6)، مما يدل على اختصاصه به وشدة قربه منه (ع) واليمانيون - ولا سيما همدان - معروفون بالولا، وان كانت النسبة بالولا.
وهكذا كان يوم موته سنة -106- ايضا يوما مشهو دا، وقد وضع عبد اللّه بن الحسن المثنى سريره على كاهله، وقد سقطت قلنسوته ومزق رداؤه، من كثرة الزحام (7).
كما ان له مع طواغيت زمانه مواقف حاسمة، انما تدل على صلابته في جنب اللّه:
قال ابن خلكان: قدم هشام بن عبد الملك حاجا إلى بيت اللّه الحرام، فلما دخل الحرم قال: آتوني برجل من الصحابة، فقيل له: قد تفانوا قال: فمن التابعين، فاتي بطأووس اليماني فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلم بامرة المؤمنين، ولم يكنه، وجلس إلى جانبه بغير اذنه، وقال: كيف انت يا هشام؟.
فغضب هشام من ذلك غضبا شديدا وهم بقتله، فقيل له: انت في الحرم، لا يمكن ذلك.
فقال: يا طأووس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: وما صنعت؟ فاشتد غضبه وغيظه، وقال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلم بامرة المؤمنين، ولم تكنني، وجلست بازائي بغير اذني، وقلت: يا هشام، كيف انت؟ قال: اما خلع نعلي بحاشية بساطك، فاني اخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات، فلا يعاتبني ولايغضب علي واما ما قلت: لم تسلم على بامرة المؤمنين، فليس كل المؤمنين راضين بامرتك، فخفت ان اكون كاذبا واما ما قلت: لم تكنني، فان اللّه عز وجل سمى انبياه، قال: يا دأود، يا يحيى، يا عيسى وكنى اعداه فقال: ﴿تبت يدا أبي لهب﴾ واما قولك: جلست بازائي، فاني سمعت امير المؤمنين على بن أبي طالب (ع)يقول: ﴿إذا اردت ان تنظر إلى رجل من اهل النار، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام﴾.
فقال له هشام: عظني عقارب كالبغال، تلدغ كل امير لا يعدل في رعيته﴾، ثم قام وخرج (8).
انظر كيف يكرر لفظ ﴿امير المؤمنين﴾ يعني به على بن أبي طالب (ع) في حين امتناعه من التسليم عليه بذلك، بحجة ان في المؤمنين - ويعني امثال نفسه - من لايرضى بامرته تربية اهل الولا لال بيت الرسول (ع) دون غيرهم اطلاقا.
وروى ابن خلكان بشان ابنه عبد اللّه ما يشبه صلابة ابيه في الدين، قال: وروي ان امير المؤمنين ابا جعفرالمنصور، استدعى عبد اللّه بن طأووس ومالك ابن انس، فاحضرهما فلما دخلا عليه اطرق المنصور ساعة، ثم التفت إلى ابن طأووس، وقال له: حدثني عن ابيك فقال: حدثني أبي ان اشد الناس عذابا يوم القيامة رجل اشركه اللّه تعالى في سلطانه، فادخل عليه الجور في حكمه فامسك أبوجعفر ساعة، قال مالك: فضممت ثيابي خوفا ان يصيبني دمه ثم قال له المنصور: نأولني تلك الدواة - ثلاث مرات - فلم يفعل، فقال له: لم لا تنأولني؟فقال: اخاف ان تكتب بها معصية، فاكون قد شاركتك فيها طأووس فضله من ذلك اليوم (9).
قلت: وهذا يتنافى مع تاريخ وفاته بسنة -132- حسبما ذكره ابن حجر (10)، لان اباجعفر انما تصدى للخلافة بعد موت السفاح سنة -136- (11) وقد ذكر ابن خلكان تلك الحكاية عن المنصوربعنوان انه امير المؤمنين.
كما يتنافى هذا الموقف من ابن طأووس مع ما ذكروا عنه انه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك، وكان كثير الحمل على اهل البيت (12).
ولعل عبد اللّه هذا هو ابن عطا، الذي صحب الإمامين الباقر والصادق (ع)، وكان من خلص شيعتهما كابيه عطا بن أبي رباح (13) قال الكشي: ولد عطا بن أبي رباح تلميذ ابن عباس: عبد الملك، وعبد اللّه، وعريف، نجبا، من اصحاب أبي جعفر وابي عبد اللّه (ع) ثم روى حديثا يدل على اختصاص عبد اللّه بالصادق، وقربه منه حسبما ياتي (14).
ولطأووس مواقف وآرا تخصه لا تخلومن طرافة وظرافة، منها: انه كان يكره ان يقول: حجة الوداع، ويقول:حجة الاسلام (15).
وكان ابنه يقول: ان العالم لا يخرف، يريد اباه فقد اخرج أبونعيم باسناده إلى وكيع، قال: حدثنا أبوعبد اللّه الشامي، قال: اتيت طأووسا فخرج الي ابنه شيخ كبير، فقلت: انت طأووس؟ فقال: انا ابنه قلت: فان كنت ابنه فان الشيخ قد خرف، يعني اباه طأووسا فقال: ان العالم لا يخرف (16).
واخرج أبونعيم باسناده عن ابن عيينة عن عمروبن دينار عن طأووس عن بريدة عن النبى (ع) قال: ﴿من كنت مولاه فعلي مولاه﴾ قال أبونعيم: غريب من حديث طأووس، لم نكتبه الا من هذاالوجه (17).
وله ذيل قوله تعالى: ﴿الا خلا يومئذ بعضهم لبعض عدوالا المتقين﴾ حديث طريف جرى بين رسول اللّه وعلي (ع) وقد تفرد بنقله عنه وهب بن منبه الذي وصفه أبونعيم بالحكيم الحليم (18).
وجا ابن سليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طأووس، فلم يلتفت اليه، فقيل له: جلس اليك ابن امير المؤمنين، فلم تلتفت اليه؟ الخليفة (19).
كما ان له مع سليمان بن عبد الملك موقفا حكيما يدل على صلابته في الدين وصدقه في جنب اللّه (20).
وفسر قوله تعالى: ﴿وخلق الانسان ضعيفا﴾ قال: في امور النسا، ليس يكون الانسان في شي اضعف منه في امور النسا (21).
وفسر قوله تعالى: ﴿أولئك ينادون من مكان بعيد﴾ قال: بعيد من قلوبهم (22).
وكان يقول: لم يجهد البلا من لم يتول اليتامى أويكون قاضيا بين الناس في اموالهم، أواميرا على رقابهم (23).
1- معجم مصنفات القرآن الكريم، ج2، ص 160 رقم 994.
2- ابن خلكان: وفيات الاعيان، ج2، ص 509 رقم 306 والحلية، ج4، ص 9.
3- تهذيب التهذيب، ج5، ص 8 10.
4- حلية الأوليا، ج4، ص 3 23.
5- المناقب، ج4، ص 177 وكذا الشيخ في رجاله معجم رجال الحديث، ج9، ص 155 رقم5984.
6- المناقب، ج4، ص 151 والبحار، ج46، ص 82.
7- الارشاد للمفيد، ص 273 والبحار، ج46، ص 76.
8- ابن خلكان، ج2، ص 509 رقم 306.
9- ابن خلكان، ج2، ص 510.
10- ابن خلكان، ج2، ص 511.
11- تهذيب التهذيب، ج5، ص 267.
12- تتمة المنتهى للقمي، ص 167.
13- تهذيب الاحكام للشيخ ابي جعفر الطوسي، ج9، ص 262 وتهذيب التهذيب لابن حجر،ج5 ص 268.
14- راجع: الارشاد للمفيد، ص 263 وبصائر الدرجات للصفار، ص 252 253 وص 257 258 وروضة الكافي، ج8، ص 276 رقم 417 والمناقب لابن شهر آشوب، ج4، ص 188وص 204.
15- رجال الكشي ﴿ط نجف﴾، ص 188.
16- الطبقات ﴿ط ليدن﴾، ج2، ص 135 س 18.
17- حلية الأوليا، ج4، ص 11.
18- المصدر نفسه، ص 23.
19- المصدر نفسه، ص 22 23، والاية من سورة الزخرف / 67.
20- حلية الأوليا، ج4، ص 16.
21- المصدر نفسه، ص 15.
22- المصدر نفسه، ص 12، والاية من سورة النساء/ 28.
23- المصدر نفسه، ص 11، والاية من سورة فصلت / 44.