هل الماثور من الصحابي حديث مسند؟

قال الحاكم النيسابوري: ليعلم طالب هذا العلم ان تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل، عند الشيخين، حديث مسند، اي إذا انتهت سلسلة الرواية إلى صحابي جليل، فان ذلك يكفي في اسناد الحديث إلى رسول اللّه (ع) وان كان الصحابي لم يسنده اليه.

ذكر ذلك في موضعين من مستدركه (1)، وهو عام سوا اكان ذلك مما لا طريق إلى معرفته سوى الوحي ام لم يكن كذلك، وكان مما يمكن ان يراه الصحابي أوشاهده بنفسه ومن ثم كان هذا الكلام على عمومه واطلاقه محل اشكال، لذلك رجع عنه في كتابه الذي وصفه لمعرفة علوم الحديث.

قال هناك: ان من الحديث ما يكون موقوفا على الصحابي، غير مرفوع إلى النبى (ع)، كما إذا قال الصحابي: رايت رسول اللّه (ع) يفعل كذا أويامر بكذا، أوان اصحابه كانوا يصنعون كذا، مثل ما روي عن المغيرة بن شعبة، قال: كان اصحاب رسول اللّه (ع) يقرعون بابه بالاظافير قال الحاكم:هذا حديث يتوهمه من ليس من اهل الصنعة مسندا، لذكر رسول اللّه (ع)، وليس بمسند فانه موقوف على صحابي، حكى عن اقرانه من الصحابة فعلا وهكذا إذا قال الصحابي: انه (ع) كان يقول كذا، وكان يفعل كذا، وكان يامر بكذا وكذا.

قال: ومن الموقوف ما رويناه عن أبي هريرة، في قول اللّه - عز وجل - ﴿لواحة للبشر﴾ (2) قال: تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة، فلا تترك لحما على عظم الا وضعت على العراقيب.

قال: واشباه هذا من الموقوفات، تعد في تفسير الصحابة (3).

قال: فاما ما نقول في تفسير الصحابي، مسند، فانما نقوله في غير هذا النوع، كما في حديث جابر، قال: كانت اليهو د تقول: من اتى امراته من دبرها في قبلها جا الولداحول، فانزل اللّه عز وجل ﴿نسأوكم حرث لكم﴾ (4) قال: هذا الحديث واشباهه مسندة عن آخرها، وليست بموقوفة، فان الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل، فاخبر عن آية من القرآن انها نزلت في كذا وكذا، فانه حديث مسند (5).

وهكذا قيد ابن الصلاح والنووي وغيرهما ذاك الاطلاق بما لا يرجع إلى معرفة اسباب النزول المشاهدة، ونحوذلك مما يمكن معرفته للصحابة بالمشاهدة والعيان نعم إذا كان مما لا مجال للراي فيه، مما يعود إلى مأورا الحس من قبيل امر الاخرة ونحوذلك، فان مثل ذلك حديث مسند، مرفوع إلى النبى (ع) نظرا لموضع عدالة الصحابة، وتنزيهه عن القول على اللّه بغير علم، ولا مستند إلى ركن وثيق.

قال النووي - في التقريب: واما قول من قال: تفسير الصحابي مرفوع، فذاك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أونحوه، وغير موقوف.

قال السيوطي - في شرحه: كقول جابر: كانت اليهو د تقول: من اتى امراته من دبرهافي قبلها، جا الولد احول، فانزل اللّه تعالى: ﴿نساؤكم حرث لكم﴾ رواه مسلم، أونحوه مما لا يمكن ان يؤخذ الا عن النبى (ع)، ولا مدخل للراي فيه.

قال: وكذا يقال في التابعي، الا ان المرفوع من جهته مرسل.

قال: ما خصص به المصنف كابن الصلاح ومن تبعهما قول الحاكم، قد صرح به الحاكم في ﴿علوم الحديث﴾، ثم ذكر حديث أبي هريرة في قوله تعالى: ﴿لواحة للبشر﴾ فالحاكم اطلق في المستدرك وخصص في علوم الحديث، فاعتمد الناس تخصيصه واظن ان ما حمله في المستدرك على التعميم الحرص على جمع الصحيح، حتى أورد ما ليس من شروط المرفوع، والا ففيه من الضرب الأول الجم الغفير على اني اقول: ليس ما ذكره عن أبي هريرة من الموقوف، لما تقدم من ان ما يتعلق بذكر الاخرة وما لا مدخل للراي فيه، من قبيل المرفوع (6).

وعلى اية حال، فان التفسير الماثور عن صحابي جليل - إذا صح الطريق اليه - فان له اعتباره الخاص فاما ان يكون قد اخذه من رسول اللّه (ع)، وهو الاكثر فيما لا يرجع إلى مشاهدات حاضرة أوفهم الأوضاع اللغوية الأولى أوما يرجع إلى آداب ورسوم جاهلية بائدة، كان الصحابة يعرفونها، واشباه ذلك فان كان لا يرجع إلى شي من ذلك، فان من المعلوم بالضرورة انه مستند إلى علم تعلمه من ذي علم هذا ما يقتضيه مقام ايمانه الذي يحجزه عن القول الجزاف.

والا فهو موقوف عليه ومستند إلى فهمه الخاص، ولا ريب انه اقرب فهما إلى معاني القرآن، من الذي ابتعد عن لمس اعتاب الوحي والرسالة، وحتى عن امكان معرفة لغة الأوائل، وعادات كانت جارية حينذاك.

وهكذا صرح العلامة الناقد السيد رضي الدين بن طأووس المتوفى سنة -664- بشان العلما من صحابة الرسول (ع) قال: ﴿انهم اقرب علما بنزول القرآن﴾ (7).

قال الإمام بدر الدين الزركشي: لطالب التفسير مخذ كثيرة، امهاتها اربعة:

الأول: النقل عن رسول اللّه (ع)، وهذا هو الطراز الأول، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع، فانه كثير.

الثاني: الاخذ بقول الصحابي، فان تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبى (ع)كما قاله الحاكم في تفسيره وقال أبوالخطاب - من الحنابلة: يحتمل ان لا يرجع اليه إذا قلنا: ان قوله ليس بحجة والصواب الأول، لانه من باب الرواية لا الراي.

وقد اخرج ابن جرير عن مسروق بن الاجدع قال: قال عبد اللّه بن مسعود: والذي لا اله الا هو ، ما نزلت آية في كتاب اللّه الا وانا اعلم فيمن نزلت واين نزلت، ولواعلم مكان احد اعلم بكتاب اللّه مني تناله المطايا لاتيته وقال ايضا: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجأوزهن حتى يعلم معانيهن، والعمل بهن.

قال: وصدور المفسرين من الصحابة، علي ثم ابن عباس - وهو تجرد لهذا الشان - والمحفوظ عنه اكثر من المحفوظ عن علي، الا ان ابن عباس كان اخذ عن علي (ع)، ويتلوه عبد اللّه بن عمروبن العاص وكل ما وردعن غيرهم من الصحابة فحسن مقدم (8).

واخيرا قال: واعلم ان القرآن قسمان: احدهما ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره، وقسم لم يرد والأول ثلاثة انواع: اما ان يرد التفسير عن النبى (ع) أوعن الصحابة، أوعن رؤوس التابعين فالأول: يبحث فيه عن صحة السند والثاني: ينظر في تفسير الصحابي، فان فسره من حيث اللغة، فهم اهل اللسان، فلا شك في اعتمادهم، وان فسره بما شاهده من الاسباب والقرائن فلا شك فيه وحينئذ ان تعارضت اقوال جماعة من الصحابة، فان امكن الجمع فذاك، وان تعذر قدم ابن عباس (9).

وسياتي نقل كلامه في الرجوع إلى التابعي.

هذا ما يقتضيه ظاهر البحث في هذا المجال واما الذي جرى عليه مذهب علمائنا الاعلام، فهو : ان التفسيرالماثور من الصحابي - مهما كان على جلالة من القدر والمنزلة - فانه موقوف عليه، لا يصح اسناده إلى النبى (ع) ما لم يسنده هو بالذات وهذا منهم مطلق، سوا اكان للراي فيه مدخل ام لا، لانه انما نطق عن علمه، حتى ولوكان مصدره التعليم من النبي، ما لم يصرح به، إذ من الجائز انه من استنباطه الخاص، استخرجه من مبان واصول تلقاها من حضرة الرسول (ع) اما التنصيص على هذا الفرع المستنبط بالذات فلم يكن من النبي، وانما هو من اجتهاد الصحابي الجليل، ومرتب ط مع مبلغ فطنته وسعة دائرة علمه، والمجتهد قد يخطا، وليس الصواب حليفه دائما، ما لم يكن معصوما.

ومن ثم فان الذي يصدر من ائمتنا المعصومين (ع) نسنده اليهم، وان كنا على علم ويقين انه تعلم من ذي علم عليم، ذلك انه حجة لدينا، لانه صادر من منبع معصوم.


1- الميزان، ج12 ﴿ط اسلامية﴾، ص 278.

2- المستدرك، ج2، ص 258، وفي ص 263 ايضا.

3- المدثر/ 29.

4- بنا على ان هذا التفسير من ابي هريرة كان من عنده، ولعله استظهارا من لفظ الاية سياتي عن السيوطي انه مما لا سبيل الى معرفته سوى الوحي، فهو من المسند المرفوع الى النبي (ع).

5- البقرة / 223.

6- معرفة علوم الحديث ص 19 20.

7- تدريب الرأوي، ج1 ص 193 ﴿ط 2 1399ه﴾.

8- في كتابه القيم ﴿سعد السعود﴾ الذي عالج فيه نقد اكثر من سبعين كتابا في تفسير القرآن،كانت في متنأوله ذلك العهد ﴿ط نجف﴾ ص 174.

9- البرهان، ج2، ص 156 157.