استعمال الراي والاجتهاد
وهل استعمل ابن عباس رايه في تفسير القرآن؟. إذا كان المراد من الراي، ما انتجه الفكر والاجتهاد بعد تمام مقدماته المعروفة، فامرطبيعي لا بد منه، ولايستطيع احد محايدته، انما هو شي كان عليه الاصحاب والعلما من التابعين لهم باحسان.
كان ابن عباس كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير، يرجعون في فهم معاني القرآن إلى القرآن ذاته أولا، والى ما وعوه من احاديث الرسول (ع) واقواله في بيان معاني القرآن، ثم إلى مايفتح اللّه به عليهم من طريق النظر والاجتهاد، مع الاستعانة في ذلك بمعرفة اسباب النزول، والظروف والملابسات التي نزل فيها القرآن، بالاضافة إلى توسعهم في المعارف، ولا سيما مثل ابن عباس، كان متوسعا في علومه فيما يتعلق بمواقع النزول وانحائه، ومعرفته بالاحكام والتاريخ والجغرافية، حسبما مر عليك.
فالراي المستند إلى مثل هذه المقدمات المعروفة المتناسبة بعضها مع البعض، راي ممدوح وامر طبيعي، ليس ينكر البتة.
هذا هو المنهج الذي سار عليه ابن عباس في التفسير، لم يحد عن مناهج سائر الصحابة النبها وقد ساهمت ثقافته العميقة في كثير من جوانب المعرفة، على ان يتالق في منهجه، كما ساعده على ذلك - اضافة على ماذكرنا - تبحره في معرفة مواقع النزول، واستيعابه للمحكم والمتشابه، والقراة والاحكام والتاريخ والجغرافية، فضلا عن اللغة والادب الرفيع.
وهكذا كان ابن عباس بمعارفه الوسيعة يهتم بتعرف كل شي في القرآن، حتى ليقول: اني لاتي على آية من كتاب اللّه تعالى، فوددت ان المسلمين كلهم يعلمون منها مثل ما اعلم (1) ويقول مصورا مدى اقتداره على استنباط معاني القرآن: لوضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب اللّه تعالى (2) قال الجويني: وما كان له ان يقول ذلك لولا اخذه من كل ثقافة بطرف، وتسخيرها جميعا لخدمة تفسير القرآن (3).
ولهذا ظل ابن عباس دوما موضع الاعتبار والتقدير من الصحابة الأولين ومن معاصريه من التابعين، وممن لحقه بعد، منذ عهد التدوين ولايزال فما اكثر ما يدور اسمه في كتب التفسير على اختلاف مناهجها ومنازعهاالسياسية والمذهبية حتى الان، فرحمه اللّه من مفسر لكلامه البليغ الوجيز.
1- الصف / 3و2.
2- الاصابة لابن حجر، ج2، ص 334.
3- الاتقان، ج3، ص 26 عن تفسير ابن ابي الفضل المرسي.