أولا - مراجعة ذات القرآن في فهم مراداته
إذ خير دليل على مراد اى متكلم، هي القرائن اللفظية التي تحف كلامه، والتي جعلها مسانيد نطقه وبيانه، وقد قيل: للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شا مادام متكلما، هذا في القرائن المتصلة وكثيرا ما يعتمد المتكلمون على قرائن منفصلة من دلائل العقل أوالاعراف الخاصة، أوينصب في كلام آخر له مايفسر مراده من كلام سبق، كما في العموم والخصوص، والاطلاق والتقييد، وهكذا. فلوعرفنا من عادة متكلم اعتماده على قرائن منفصلة، ليس لنا حمل كلامه على ظاهره البدائي، قبل الفحص والياس عن صوارفه. والقرآن من هذا القبيل، فيه من العموم ما كان تخصيصه في بيان آخر، وهكذا تقييدمطلقاته وسائر الصوارف الكلامية المعروفة. وليس لاى مفسر ان ياخذ بظاهر آية ما لم يفحص عن صوارفها وسائر بيانات القرآن التي جات في غير آية، ولا سيما والقرآن قد يكرر من بيان حكم أوحادثة ويختلف بيانه حسب الموارد، ومن ثم يصلح كل واحد دليلا وكاشفا لما ابهم في مكان آخر. وهكذا نرى مفسرنا العظيم، عبد اللّه بن عباس، يجري على هذا المنوال، وهو امتن المجاري لفهم معاني القرآن، ومقدم على سائر الدلائل اللفظية والمعنوية فلم يغفل النظر إلى القرآن الكريم نفسه، في توضيح كثيرمن الايات التي خفي المراد منها في موضع، ثم وردت بشي من التوضيح في موضع آخر شانه في ذلك شان سائر المفسرين الأوائل، الذين ساروا على هدى الرسول (ع). فمن هذا القبيل ما رواه السيوطي باسانيده إلى ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿قالوا ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين﴾ (1) قال: كنتم امواتا قبل ان يخلقكم، فهذه ميتة، ثم احياكم، فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور، فهذه ميتة اخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة، فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان، فهو كقوله تعالى: ﴿كيف تكفرون باللّه وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون﴾ (2)، وهكذا اخرج عن ابن مسعود وابي مالك وقتادة ايضا (3).
1- المصدر نفسه.
2- غافر/ 11.
3- البقرة / 28.