منهجه في التفسير
كان ابن عباس تلميذ الإمام امير المؤمنين (ع)، ومنه اخذ العلم وتلقى التفسير، سوا في اصول مبانيه ام في فروع معانيه، فقد سار على منهج مستقيم في استنباط معاني القرآن الحكيم. انه لم يحد عن منهج السلف الصالح في تفسير القرآن وفهم معاني كتاب اللّه العزيز الحميد، ذلك المنهج الذي رست قواعده على اسس قويمة ومبان حكيمة. وقد حدد ابن عباس معالم منهجه في التفسير بقوله: ﴿التفسير على اربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر احد بجهالته، وتفسير يعلمه العلما، وتفسير لا يعلمه الا اللّه﴾ (1). وقد فسرته رواية اخرى عنه: ان رسول اللّه (ع) قال: ﴿انزل القرآن على اربعة احرف: حلال وحرام لا يعذراحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلما، ومتشابه لا يعلمه الا اللّه﴾ (2). فالقرآن، فيه مواعظ وآداب وتكاليف واحكام، يجب على المسلمين عامة المعرفة بها والعمل عليها، لانها دستور الشريعة العام فهذا يجب تعليمه وتعلمه، ولا يعذر احد بجهالته. وفيه ايضا غريب اللغة ومشكلها، مما يمكن فهمها وحل معضلها، بمراجعة الفصيح من كلام العرب الأوائل، لان القرآن نزل بلغتهم، وعلى اساليب كلامهم المعروف. وفيه ايضا نكات ودقائق عن مسائل المبدأ والمعاد، وعن فلسفة الوجود واسرارالحياة، لا يبلغ كنهها ولا يعرفها على حقيقتها غير أولي العلم، ممن وقفوا على اصول المعارف، وتمكنوا من دلائل العقل والنقل الصحيح. وبقي من المتشابه ما لا يعلمه الا اللّه، ان اريد به الحروف المقطعة في أوائل السور، حيث هي رموز بين اللّه ورسوله، لم يطلع اللّه عليها احدا من العباد سوى النبي والصفوة من آله، علمهم اياها رسول اللّه (ع). وان اريد به ما سوى ذلك مما وقع متشابها من الايات، فانه لا يعلم تأويلها الا اللّه والراسخون في العلم، وهم رسول اللّه والعلما الذين استقوا من منهل عذبه الفرات، لا سبيل إلى معرفتها عن غير طريق الوحي فالعلم به خاص باللّه ومن ارتضاه من صفوة خلقه. وعلى ضؤ هذا التقسيم الرباعي يمكننا الوقوف على مباني التفسير التي استندها ابن عباس في تفسيره العريض:
1- مناهج في التفسير، ص 41.
2- ابوجعفر الطبري جامع البيان ج1، ص 26.