توسعه في التفسير
ولم تمض العشرة الأولى من وفاة الرسول (ع) الا ونرى ابن عباس قد تفرغ للتفسير واستنباط معاني القرآن (1) بينما سائر الصحابة كانت قد اشغلتهم شؤون شتى، مما يرجع إلى جمع القرآن أواقرائه، أوتعليم السنن والقضا بين الناس، أوالتصدي لسياسة البلاد، وما شاكل وإذا بابن عباس نراه صارفا همته في فهم القرآن وتعليمه واستنباط معانيه وبيانه، مستعيضا بذلك عما فاته ايام حياة الرسول (ع) لمكان صغره وعدم كفاته ذلك الحين فكان يستطرق ابواب العلما من الصحابة الكبار، كادا وجادا في طلب العلم من اهله اينمأوجده، ولا سيما من الإمام امير المؤمنين باب علم النبى (ع)، كما لم يفته عقد حلقات في مسجد النبى (ع)لمدارسة علوم القرآن ومعارفه ونشر تعاليم الاسلام من افخم بؤرته القرآن ويقال: (2) ان ذلك كان بامر من الإمام امير المؤمنين (ع)، وبذلك فقد تحقق بشانه دعا الرسول: ﴿اللهم بارك فيه وانشر منه﴾. لكن بموازاة انتشار العلم منه في الافاق، راج الوضع على لسانه، لمكان شهرته ومعرفته في التفسير ومن ثم فان التشكيك في اكثر الماثور عنه امر محتمل قال الاستاذ الذهبي: روي عن ابن عباس في التفسير ما لايحصى كثرة، وتعددت الروايات عنه، واختلفت طرقها فلا تكاد تجد آية من كتاب اللّه الا ولابن عباس فيهاقول ماثور أواقوال، الأمر الذي جعل نقاد الاثر ورواة الحديث يقفون ازا هذه الروايات - التي جأوزت الحد وقفة المرتاب (3). قال جلال الدين السيوطي: ورايت في كتاب فضائل الإمام الشافعي، لابي عبد اللّه محمد بن احمد بن شاكرالقطان، انه اخرج بسنده من طريق ابن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير الا شبيه مائة حديث (4). وذكر ابن حجر العسقلاني: ان البخاري لم يخرج من احاديث ابن عباس، في التفسير وغيره، سوى مائتين وسبعة عشر حديثا، بينما يذكر ان ما خرجه من احاديث أبي هريرة الدوسي، يبلغ اربعمائة وستة واربعين حديثا (5). غير ان معرفته الفائقة في التفسير، وان الخريجين من مدرسته جعلته في قمة علوم التفسير وهذا الماثورالضخم من التفسير الوارد عنه أوعن احد تلامذته المعروفين - وهم كثرة عدد نجوم السما - لمما يفرض من مقامه الرفيع في اعلا ذروة التفسير منه يصدر وعنه كل ماثور في هذا الباب. ولقد كان موضع عناية الامة، ولا سيما الكبار والائمة، من الصحابة ومن عاصره وممن لحقه على مدى الاحقاب فما اكثر ما يدور اسمه في كتب التفسير على اختلاف مبانيها ومناهجها، ومتنوع مسالكها ومنازعهافي السياسة والمذهب. قال الدكتور الصأوي: ولعل في كثرة ما وضع ونسب اليه آية على تقدير له واكبارا من الوضاع، ورغبة في تنفق بضاعتهم، موسومة بمن في اسمه الرواج العلمي (6).
1- طبعت في قم المقدسة، سنة 1398 ه ق.
2- كما قال الزركشي في البرهان، ج2، ص 157 قال: ﴿﴿وهو تجرد لهذا الشان﴾﴾.
3- حدثني بذلك السيد محمد باقر الابطحي عن المرحوم زعيم الملة في وقته السيدآغاحسين البروجردي ﴿قدس سره﴾.
4- التفسير والمفسرون، ج1، ص 77.
5- الاتقان، ج4، ص 209.
6- مقدمة شرح البخارى، ص 476 477.