كيفية ترجمة القرآن

تبين - ضمن المباحث السابقة - اسلوب الترجمة الذي نتوخاه، وهو : ان يعمد المترجم إلى آية آية من القرآن، وفق الترتيب الموجود، فيستجيد - أولا - فهم مضامينها عن دقة وامعان، بما فيها من دلالات اصلية ودلالات تبعية لفظية، دون الدلالات التبعية العقلية، إذ التصدي لهذه الاخيرة شان التفسير دون الترجمة.

فيفرغ المستفاد من كل آية، في قالب لفظي من اللغة المترجم اليها ويتحرى الكلمات التي تفي بتادية المعاني التي كانت الفاظ الاصل تؤديها، وفا كاملا حتى في الدلالات التبعية اللفظية مهما امكن، والا فيحأول تاديتهاايضا ولوبمعونة قرائن، لينعكس المعنى في الترجمة كما هو في الاصل كما يحأول - مبلغ جهده - ان لا يصطدم القالب اللفظي المشابه للاصل بشي من التحوير أوالتحريف.

وهذه الكيفية من الترجمة - التي تحافظ على سلامة المعنى بالدرجة الأولى ? قد تستدعي تبديلا في مواضع بعض الالفاظ والتعابير - من تقديم أوتاخير - أوتغييرافي روابط كلامية معمولة في الاصل، وفي الترجمة على سوا.

كما قد تستدعي زيادة لفظة في التعبير، لغرض الوفا باصل المراد تماما الأمر الذي لا باس به، ما دامت الغاية هي المحافظة على سلامة المعنى.

غير ان الأولى ان يضع اللفظ المزيد بين قوسين، فلا يلتبس على القارئ هذه الزيادة مع الفاظ الاصل.

وبالجملة فالواجب على المترجم - ترجمة معنوية صحيحة - ان يتابع الخطوات التالية:

1- فهم المعنى الجملي فهما جيدا دقيقا، والتاكد من ذلك.

2- تحليل جملة الفاظ الاصل إلى كلماتها وروابطها الموجودة، وفصل بعضها عن بعض، ليعرف ما لكل من معنى ومفاد استقلالي أورابطي في لغة الاصل، والتدقيق فيما إذا كان للوضع التركيبي الخاص معنى زائد على ما للالفاظ من معاني، ويتاكد ذلك عن امعان.

3- التحري لكلمات وروابط من اللغة المترجم اليها، تشاكل الكلمات والروابط الاصل، تشاكلا في الافادة والمعاني، ان حقيقة أومجازا.

4- تركيب هذه الكلمات والالفاظ تركيبا صحيحا يتوافق مع ادب اللغة المترجم اليها، ادبا عاليا، ومراعيا ترتيب الاصل مهما امكن.

5- افراز الالفاظ والكلمات الزائدة، التي لا تقابلها كلمات والفاظ في الاصل، وانمازيدت في الترجمة لغرض الايفا بتمام المعنى، فيضعها - مثلا - بين قوسين لكن يمسك عن تكرار ذلك كثيرافي كلام واحد، لانه يمل، وقد يسبب تشويش فهم المعاني.

6- واخيرا مقابلة الترجمة مع الاصل في حضور هياة ناظرة، تحكم بالمطابقة في الارا والايفا.

اما الشروط التي يجب توفرها في المترجم أوالمترجمين، لتقع الترجمة مامونة عن الخطا والخلل، فهي كمايلي:

1- ان يكون المترجم مضطلعا بكلتا اللغتين: لغة الاصل واللغة المترجم اليها عارفا بدابهما والمزايا الكلامية التي تبنتها كلتا اللغتين، معرفة كاملة.

2- ان يتنأول المعنى المستفاد من كل آية، بمعونة التفاسير المعتمدة الموثوق بها، ولا يقتنع بما استظهره من الاية حسب فهمه العادي، وحسب معرفة أوضاع اللغة فحسب، إذ قد يكون دلائل وشواهد على ارادة غير الظاهر قد خفيت عليه، لولامراجعته للمصادر التفسيرية المعتبرة.

3- ان لا يحمل ميلا إلى عقيدة بذاتها، أوانحيازا إلى مذهب بخصوصه، لانه حينذاك قد تجرفه رواسبه الذهنية التقليدية إلى منعطفات السبل الضالة، فتكون تلك ترجمة لعقيدة، وليست ترجمة لمعاني القرآن.

4- ان يترك الالفاظ المتشابهة كما هي، ويكتفي بتبديلها إلى مرادفاتها من تلك اللغة، فلا يتعرض لشرحها وبسط معانيها، فان هذا الاخير من مهمة التفسير فقط.

5- ان يترك فواتح السور على حالها، لانها رموز يجب ان تبقى بالفاظها من غير تبديل ولا تفسير.

6- ان يترك استعمال المصطلحات العلمية أوالفنية في الترجمة، لان مهمة المترجم افراغ المعاني المستفادة افراغة لغوية بحتة.

7- ان لا يتعرض للارا والنظريات العلمية، فلا يترجم الكلمات الواردة في القرآن بمعاني اكتشفها العلم، بل يترجمها حسب الاستفادة اللغوية، لتكون التادية لغوية بحتة.

تلك شروط خاصة يجب توفرها في كل مترجم يقوم بترجمة القرآن الكريم وهناك شروط عامة يجب مراعاتها في ترجمة القرآن ترجمة رسمية، معترفا بها لدى جامعة المسلمين العامة، هي:

8- ان تقوم هياة أولجنة متشكلة من علما صالحين لذلك، ومعروفين بسلامة الفكر والنظر والاجتهاد، لان الترجمة الفردية كالتفاسير الفردية غير مامونة عن الخطا والاشتباه كثيرا، وعلى الاقل يكون العمل الجماعي ابعد من الزلل مما يكون عملا فردى ا، ولذلك يكون آمن واحوط بالنسبة إلى كتاب اللّه العزيزالحميد.

وهذه الهياة يجب ان تحمل تاييدا من قبل مقامات رسمية اسلامية، اما حكومات عادلة أومراجع دينية عالية، ذلك لكي يتنفذ القرار تنفيذا رسميا قاطعا.

9- ان يشترك مع اللجنة شخصية أوشخصيات معروفة من اللغة المترجم اليها، لغرض التاكد من صحة الترجمة أولا، وليطمئن اليها اصحاب تلك اللغة.

10- والشرط الاخير - المتمم للعشر - ان توضع الترجمة مع الاصل، مصحوبا معها، فلا يقدم إلى مختلف الاقوام والملل، تراجم مجردة عن النص العربي الاصل.

وذلك لغرض خطير، هو ان لا يلتبس على سائر الملل، فيحسبوا من الترجمة قرآناهو كتاب المسلمين، لا، بل هي ترجمة محضة وليست قرآنا، وانما القرآن هو الاصل، وكانت الترجمة إلى جنبه توضيحا وتبيينا لمعانيه فحسب.

وبذلك نكون قد امننا على القرآن ضياعه، فلا يضيع كما ضاعت التوراة والانجيل من قبل، بتجريد تراجمهماعن النص الاصل، الأمر الذي يجب ان لا يتكرر بشان هذا الكتاب السمأوي الخالد﴿انا نحن نزلنا الذكروانا له لحافظون﴾ (1).


1- الحجر/9.