ترجمة القرآن ضرورة دعائية
وبعد، فاذ قد جازت ترجمة القرآن في حد ذاتها، ترجمة معنوية وافية بافادة معاني القرآن كملا، فعندئذ نقول:
ان ترجمة القرآن إلى سائر اللغات اصبحت ضرورة دينية وواجبا اسلاميا عاما ﴿وجوبا بالكفاية﴾ وكان من وظيفة كل مسلم يحمل رسالة اللّه في طيات وجوده، ان يهتم بهذا الأمر الذي يمس صميم الاسلام، لغرض انتشار الدعوة وبث تعاليم الاسلام عبر الخافقين.
الاسلام دين البشرية عامة ﴿وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا﴾ (1)، ﴿تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا﴾ (2) فلا يخص امة دون اخرى ولا جيلا دون جيل، وكان في ذمة كل مسلم متعهد بدينه الاهتمام ببث الدعوة ونشرها بين الملا، وظيفة دينية في الصميم ﴿ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهو ن عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ (3) ﴿وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهدا على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾ (4).
ولا شك ان القرآن هو السند الوثيق الوحيد لبنا الدعوة ونشر تعاليم الاسلام، وقد نزل بيانا للناس ﴿هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين﴾ (5) فكان حقيقا ان يبين للناس ﴿وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون﴾(6).
فالمنع عن ترجمته وبثها بين الناس كتمان لما انزله اللّه من البينات والهدى ﴿ان الذين يكتمون ماانزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون﴾ (7).
قال تعالى - عن لسان نبيه: ﴿وأوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ﴾ (8).
ان في القرآن مقاصد عالية ومطالب سامية، هي ذوات اهداف عالمية كبرى عبر الافاق ومر الايام، يجب بثها والاعلام بها لكافة الانام، مما لا يتم الا بتعميم نشر القرآن وعرضه على العالمين جميعا، الأمر الذي لا يمكن الابترجمة معانيه إلى كل اللغات الحى ة في العالم كله.
اما ولواهملت هذه الامة بالقيام بهذه المهمة، وتقاعست عن الاتيان بواجبها الديني الفرض، وقصرت دون ادا رسالة اللّه في الارض، فان اللّه تعالى سوف يستبدل بهم قوما غيرهم ثم لا يكونوا امثالهم ﴿وان تتولوايستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم﴾ (9).
وقد عرفت ان الأوائل كانوا يجيزون ترجمة معاني القرآن لاقوام كانوا جديدي عهد بالاسلام، ممن لم تكن لهم سابقة المام باللغة العربية، فكانت تعرض عليهم الاية مصحوبة بترجمتها، لغرض افهام معاني الذكر الحكيم وبيان مقاصده وتعاليمه الرشيدة لملا الناس.
لا شك ان في الهجرة الأولى ﴿الى الحبشة﴾ حيث عرضت آي من القرآن الكريم على حاضري مجلس النجاشي من الوزرا واعيان الدولة، قد ترجمت ما تليت من آي الذكر الحكيم، باللغة الحبشية ﴿الامهرية﴾، إذ لم يكن الحضور يحسنون العربية بطبيعة الحال، وفي ذلك يقول صدر الافاضل: واني اعتقد ان جعفر بن أبي طالب (ع)كان يجيد اللغة الحبشية، وهو الذي قام بترجمة الايات التي تلاها حينذاك من سورة مريم (10)، فكان ذلك التاثير العجيب في نفوس القوم ولا سيما النجاشي نفسه، حيث قال: ﴿واللّه ان كلام محمد، لا يختلف شيئا عن تعاليم سيدنا المسيح﴾، وبكى بكا شديدا.
وهكذا لما طلب الراجا ﴿رائك مهروق﴾ - الذي كان اميرا على منطقة الرور - من عبداللّه بن عمر بن عبد العزيز، مندوب الحكومة الإسلامية هناك سنة ﴿230ه ق﴾ ان يفسر القرآن له، اي يترجمه بالهندية وعند انجاز الطلب على يد كاتب قدير، يقول المترجم: فانتهيت من التفسير إلى سورة ﴿يس﴾ حتى وصلت إلى الاية ﴿قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ (11) قال: فلما فسرت له هذا - اي ترجمته له باللغة السنسكرتية ﴿الهندية القديمة﴾خر من سريره على الارض واضعا خده عليها وهي مبتلة، فتاثر وجهه من بلة الارض، وقال - باكيا: ﴿هذا هو الرب المعبود، والذي لا يشبه شي﴾ وكان قد اسلم سرا، فكان بعد ذلك يخلوبنفسه في بيت عزلة يعبد اللّه ويناجي ربه سرا (12).
هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى ان كثيرا من الناس قاموا - في زعمهم - ينقل القرآن إلى لغات كثيرة وترجمات متعددة، قد بلغت المت في خمس وثلاثين لغة حية في العالم المتمدن اليوم وقد طبعت بعض هذه التراجم عدة طبعات بل عشرات الطبعات، فقد طبعت الترجمة الانجليزية التي قام بها ﴿سيل﴾ اكثر من اربعين مرة وهكذا بالنسبة إلى تراجم فرنسية والمانية وايطالية وفارسية وتركية وأوردية وصينية وجأوية، إلى غيرها من لغات العالم الحية.
ومن هؤلا المترجمين من يحمل عدا للاسلام والمسلمين عدأوة ظاهرة، ومنهم من تعوزه كفاة المقدرة على ترجمة تامة، وافية بمعاني القرآن، وهذا الاخير لا يقل ضررة عن الأول الذي يتعمد الدس والتزوير فمن هذا وذاك قد حصل تحريف في معاني القرآن كثيرا، الأمر الذي يعود ضرره في نهاية المطاف إلى كيان الاسلام والمسلمين، فضلا عن الاخطا الفاحشة التي وقعت في هكذا تراجم، قام بهاغير الاهل.
اذن ينبغي ان لا نقف - نحن ابنا الاسلام ودعاته - مكتوفي الايدي ملجمين بلجام العار والشغار، مصممي الاخواه تجاه هذه الحوادث الفادحة والحقائق المرة الماثلة بين ايدينا، نحن المسلمين.
وقد تصدى لترجمة القرآن - لغرض خبيث - قبل ثمانية قرون، مطران مسيحي يدعى ﴿يعقوب بن الصليبي﴾ترجمه إلى السريانية، ونشرت خلاصتها سنة ﴿1925م﴾ وتابع هذا المطران احبار ورهبان كانوا اسبق من غيرهم في هذا الميدان، واللّه اعلم بما يبيتون (13).
قال العلامة أبوعبد اللّه الزنجاني: وربما كانت أول ترجمة إلى اللغة اللاتينية - لغة العلم في اروپا - وذلك سنة ﴿1143م﴾ بقلم ﴿كنت﴾ الذي استعان في عمله ببطرس طليطلي وعالم ثان عربي، وكان الغرض من الترجمة عرضه على ﴿دي كلوفي﴾ وبقصد الرد على القرآن الكريم، وفي عام ﴿1594م﴾ اصدر ﴿هنكلمان﴾ ترجمته، وجات على الاثر ﴿1598م﴾ طبعة مرانشى مصحوبة بالردود (14).
وبعد، فاي عذر يبديه زعما الامة تجاه هذا التلاعب باساس الدين؟ هذاالتنأوش المقيت بمقدسات الاسلام من قريب وبعيد، لولا قيام المضطلعين باعبا رسالة الاسلام - حفظا على ناموس الدين - فيستعيدوا نشاطهم بامر الشريعة الغرا، ويؤلفوا لجنة مركزية من علما مبرزين، فيقدموا إلى العالم تراجم صحيحة من القرآن الكريم، معترفا بها رسميا من مراجع دينية صالحة، فيكون ذلك مكافحة صريحة مع تلكم المنأوشات الخبيثة، ومقابلة عملية تجاه اعدا الاسلام.
وسنوفي لك نماذج خاطئة في نهاية المقال دليلا على ضرورة القيام بهذه المقابلة الايجابية.
1- سباء/ 28.
2- الفرقان / 1.
3- آل عمران / 104.
4- البقره / 143.
5- آل عمران / 138.
6- النحل / 44.
7- البقرة / 159.
8- الانعام / 19.
9- محمد/ 38.
10- عن مقال له فى مجلة التوحيد،السنة الثانية، العدد9، ص 216.
11- يس / 78-79.
12- المصدر نفسه وراجع كتاب ﴿عجائب الهند﴾، طبعة ليدن 1883م لمولفه بزرك وكان عائشا حتى سنة ﴿339ه ق﴾.
13- المصدر نفسه.
14- تاريخ القرآن للزنجاني، ص 69.