مناقشات فقهية
سبق ان فقها الإمامية متفقون على ان الترجمة ليست قرآنا، ذلك الكتاب العلي الحكيم، الذي لا يمسه الاالمطهرون فبالتالي لا تجري عليها الاحكام الخاصة بالقرآن، التي منها جواز القراة بها في الصلاة وقدعرفت كلام المحقق الهمداني: عدم اجزا الترجمة عن القراة في الصلاة، حتى للعاجز عن النطق بالعربية وهذااجماع من علمائنا - قديما وحديثا - ان الترجمة ليست قرآنا اطلاقا.
اما سائر المذاهب، فقد ذهب ابوحنيفة إلى جواز قراة الترجمة بدلا عن القرآن نفسه، مطلقا سوا اقدر على العربية ام عجز عنها، واستدل على ذلك بان القرآن الواجب قراته في الصلاة، هى حقيقة القرآن ومعناه الذي نزل على قلب رسول اللّه (ع) لقوله تعالى: ﴿وانه لفي زبر الا ولين﴾ (1)، ﴿ان هذا لفي الصحف الأولى صحف ابراهيم وموسى﴾ (2)، والضمير في ﴿انه﴾، والاشارة في ﴿ان هذا﴾ انما هو للقرآن، ومعلوم انه لم يكن في تلك الصحف الا معانيه.
وايضا قوله تعالى: ﴿وأوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ﴾ (3) وانما ينذر كل قوم بلسانهم (4) وزاد السرخسي استدلال أبي حنيفة بما روى ان الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي، ان يكتب لهم الفاتحة بالفارسية، فكانوا يقرأون ذلك في صلاتهم حتى لانت السنتهم للعربية (5).
اما صاحباه ﴿ابويوسف ومحمد﴾ فقد اجازا قراة الترجمة للعاجز عن العربية دون القادر عليها، وبذلك افتى الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في فتوى له لاهل الترانسفال، قال فيها: ﴿وتجوز القراة والكتابة ﴿اي للقرآن﴾ بغير العربية للعاجز عنها، بشرط ان لا يختل اللفظ ولا المعنى فقد كان تاج المحدثين الحسن البصري يقرا القرآن في الصلاة بالفارسية العربية﴾ وقد ارسل بها إلى مسلمي الترانسفال سنة ﴿1903م﴾ ونشرتها مجلة المنار في ذلك الحين(6).
وبقية المذاهب وافقوا الإمامية في المنع اطلاقا، فلا يجوز عندهم قراة الفاتحة بغير العربية على كل حال (7).
وهكذا افتى الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الازهر ﴿1932م﴾ بالجوازللعاجز عن العربية.
قال - في رسالته التي كتبها بهذا الشان: ﴿وانتهي من البحث في هذه المسالة إلى ترجيح راي قاضيخان ومن تابعه من الفقها، وهو وجوب القراة في الصلاة بترجمة القرآن للعاجز عن قراة النظم العربي﴾.
وقال - ردا على المانعين ومنهم صاحب الفتح: ﴿ان حجة المانع هو ان ترجمة القرآن ليست قرآنا، وما كان كذلك كان من كلام الناس، فهو مبطل للصلاة قال: وهذا الاستدلال غير صحيح، لان الترجمة وان كانت غيرقرآن، لكنها تحمل معاني كلام اللّه، لا محالة ومعاني كلام اللّه ليست كلام الناس قال: وعجيب ان توصف معاني القرآن بانها من جنس كلام الناس، بمجرد ان تلبس ثوبا آخر غير الثوب العربي، كان هذا الثوب هو كل شي﴾ (8).
قال السيد محمد العاملي - في شرح كلام المحقق الحلي: ﴿ولا يجزئ المصلي ترجمتها﴾:
﴿هذا الحكم ثابت باجماعنا، ووافقنا عليه اكثر علما سائر المذاهب، لقوله تعالى:﴿انا انزلناه قرآنا عربيا﴾ (9)، ولان الترجمة مغايرة للمترجم، والا لكانت ترجمة الشعرشعرا﴾ (10).
واما استدلال أبي حنيفة بانه جا ذكر القرآن في ﴿زبر الأولين﴾ وفي ﴿الصحف الأولى﴾، فهذا يعني وصفه ونعته، وليس نفسه قال الطبرسي: اي وان ذكر القرآن وخبره جا في كتب الأولين على وجه البشارة به وبمحمد(ع) لا بمعنى انه تعالى انزله على غير محمد (11).
وقال - في آية الصحف الأولى: يعني ان هذا الذي ذكر من فلاح المتزكي إلى تمام ما في الايات الاربع، لفي الكتب الأولى فقد جا فيها ذكر فلاح المصلي والمتزكي وايثار الناس الحياة الدنيا على الاخرة، وان الاخرة خير وابقى (12) وهذا لا يعني نفس الكتاب وانه مذكور بذاته في تلك الصحف، ليستلزم ذلك ان يكون ذكرالمعاني ذكرا للقرآن نفسه.
وقال السيد العاملي - في آية البلاغ: الانذار بالقرآن لا يستلزم نقل اللفظ بعينه، اذمع ايضاح المعنى يصدق انه انذرهم به، بخلاف صورة النزاع (13) يعني ان هناك فرقا بين قولنا: انذر بهذا القرآن، وقولنا: اقرا بهذا القرآن فان الأول لا يستدعي حكاية نفس القرآن ونقله بالذات إلى المنذرين، بل يكفي تخويفهم بما يستفاد من القرآن من الوعد والوعيد وهذا بخلاف الثاني المستلزم تلأوة نفسه كما في قراة الصلاة.
قال ابن حزم: ﴿ومن قرا ام القرآن أوشيئا منها أوشيئا من القرآن، في صلاته مترجما بغير العربية، أوبالفاظعربية غير الالفاظ التي انزل اللّه تعالى، عامدا لذلك، أوقدم كلمة أواخرها عامدا لذلك، بطلت صلاته، وهو فاسق، لان اللّه تعالى قال: ﴿قرآنا عربيا﴾ وغير العربي ليس عربيا، فليس قرآنا واحالة رتبة القرآن (14) تحريف كلام اللّه تعالى، وقد ذم اللّه تعالى قوما فعلوا ذلك، فقال: ﴿يحرفون الكلم عن مواضعه﴾.
﴿وقال ابوحنيفة: تجزئه صلاته واحتج له من قلده بقول اللّه تعالى: ﴿وانه لفي زبر الأولين﴾.
﴿قال علي (15): لا حجة لهم في هذا، لان القرآن المنزل علينا على لسان نبينا(ع)لم ينزل على الأولين، وانمافي زبر الأولين ذكره والاقرار به فقط، ولوانزل على غيره (ع) لما كان آية له ولا فضيلة له، وهذا لا يقوله مسلم.
﴿ومن كان لا يحسن العربية فليذكر اللّه تعالى بلغته، لقوله تعالى: ﴿لا يكلف اللّه نفسا الأوسعها﴾ (16) ولا يحل له ان يقرا ام القرآن ولا شيئا من القرآن مترجما على انه الذي افترض عليه ان يقراه، لانه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا، فيكون مفتريا على اللّه تعالى﴾ (17).
واما فتوى الشيخ محمد بخيت لاهل الترانسفال، فقد تشابه عليه الحسن بصاحبه، لان الذي كان يقرا في الصلاة بالفارسية هو حبيب العجمي صاحب الحسن البصري.
قال - في شرح مسلم الثبوت: ﴿يجوز القرآن بالفارسية للعذر - وهو عدم العلم بالعربية وعدم انطلاق اللسان بها - وقد سمعت من بعض الثقات ان تاج العرفا والأوليا الحبيب العجمي صاحب تاج المحدثين وامام المجتهدين الحسن البصري كان يقرا في الصلاة بالفارسية لعدم انطلاق لسانه باللغة العربية﴾ (18).
واما حديث ترجمة سلمان للفاتحة، وقراة الفرس لها في صلاتهم، فلم نعثر على مستند له وثيق، وانما ارسله السرخسي عن أبي حنيفة ارسالا، لا يعلم مصدره ولعل الترجمة - على فرض الثبوت - كانت لمجرد العلم بمعناها لا للقراة بها في الصلاة.
1- الشعراء/ 196.
2- الاعلى / 18-19.
3- الانعام / 19.
4- راجع: المغني لابن قدامة، ج1، ص 526 ومدارك الاحكام للعاملي، ج3، ص 341 ورسالة ترجمة القرآن للمراغي، ص 9.
5- المبسوط للسرخسي، ج1، ص 37 وفي رواية تاج الشريعة الحنفي زيادة ﴿﴿فكتب ﴿بسم اللّه الرحمن الرحيم: بنام يزدان بخشأونده﴾ وبعد ما كتب ذلك، عرضه على النبى (ع)﴾﴾ ﴿حاشية الهداية لتاج الشريعة ج1، ص 86 طبع دلهي، 1915م﴾، معجم مصنفات القرآن لشواخ، ج2، ص 12.
6- محمد فريد وجدي في الادلة العلمية، ص 61.
7- راجع الفقه على المذاهب الاربعة، ج1، ص 230.
8- بحث في ترجمة القرآن للمراغي، ص 32.
9- يوسف / 2.
10- مدارك الاحكام في شرح شرايع الاسلام، ج3، ص 341.
11- مجمع البيان، ج8، ص 204.
12- المصدر السابق، ج10، ص 476.
13- المدارك، ج3، ص 341.
14- اي تحويل نظم القرآن وتغيير ترتيبه اللفظي.
15- يريد نفسه: علي بن احمد بن سعيد بن حزم توفي 456.
16- البقرة / 286.
17- المحلى لابن حزم، ج3، ص 254، المسالة رقم 367، من كتاب الصلاة.
18- رسالة المراغي في الترجمة، ص 17.