الترجمة الحرفية للقرآن
الترجمة الحرفية ان كانت بالمثل تماما، فمعناها: افراغ المعنى في قالب لفظي يشاكل قالبه الأول في جميع خصوصياته ومميزاته الكلامية تماما، سوى كونه من لغة اخرى، الأمر الذي لا يمكن الاتيان به بشان القرآن بتاتا، لان الاتيان بما يماثل القرآن نظما واسلوبا، هو الأمرالذي تحدى به القرآن الكريم كافة الناس لوياتوا بمثله، وقد دلت التجربة على استحالته.
وان كانت بغير المثل، بان يقوم المترجم بانشا كلام يشاكل نظم القرآن حسب المستطاع، فهذا امر ممكن في نفسه، الا انه حينئذ يفتقد الكثير من المميزات اللفظية والمعنوية التي كان القرآن مشتملا عليها، وكانت من دلائل الاعجاز لا محالة.
كما انه إذا غير الكلام إلى غير لفظه وبسوى نظمه ولا سيما بغير لغته، فهذا لا يعد من كلام المتكلم الأول، لان من مقومات كلام كل متكلم هو البقا على نفس الكلمات والتعابير والنظم والاسلوب الذي جا في كلامه، فان غير في احد المذكورات، فانه يصبح اجنبيا عنه ولا يعد من كلامه البتة، الأمر الذي لا يحتاج إلى مزيد بيان.
وعليه فلوكان كلام خاص، يحمل قدسية خاصة، وله احكام خاصة به، وباعتبار انتسابه إلى متكلم خاص، فان هذه الميزة سوف تذهب بادنى تغيير شكلي في كلامه فكيف إذا كان تغييرا في الكلمات والالفاظ من غيراللغة، ومغيرا للنظم والاسلوب ايضا ولويسيرا، الأمر الذي يتحقق في الترجمة الحرفية لا محالة.
من اجل ذلك نرى الفقها (1) - ولا سيما فقها الإمامية - متفقين على عدم اجزا القراة بغير العربية في الصلاة، حتى على العاجز عن النطق بالعربية، وانما يعوض بايات اخرى، أودعا وتهليل وتسبيح ان امكن اماالفارسية أوغيرها فلا تجوز اطلاقا، اللهم الا بعنوان الذكر المطلق، إذا جوزناه بغير العربية، وفيه اشكال ايضا.
قال المحقق الهمداني: يعتبر في كون المقرؤ قرآنا حقيقة، كونه بعينه هي المهية المنزلة من اللّه تعالى على النبي (ع) مادة وصورة، وقد انزله اللّه بلسان عربى، فالاخلال بصورته التي هي عبارة عن الهيئات المعتبرة في العربية بحسب وضع الواضع كالاخلال بمادته، مانع عن صدق كونه هي تلك الماهية (2).
وقال: ولا يجزئ المصلي عن الفاتحة ترجمتها، ولوبالعربية فضلا عن الفارسية، اختيارا بلا شبهة، فان ترجمتهاليست عين فاتحة الكتاب المامور بقراتها، كي تكون مجزئة (3).
قال - بشان العاجز عن العربية: الاقوى عدم الاعتبار بالترجمة - في حالة العجز عن الفاتحة وبدلها ﴿من قرآن غيرها أوتحميد وتسبيح﴾ - من حيث هي اصلا، ضرورة عدم كونها قرآنا ولا ميسوره، بعد وضوح ان لالفاظ القرآن دخلا في قوام قرآنيتها نعم بنا على الاجتزابمطلق الذكر لدى العجز عن قراة شي من القرآن مطلقا، أولدى العجز عن التسبيح والتحميد والتهليل ايضا، اتجه الاجتزا بترجمة الفاتحة ونظائرها، لا من حيث كونها ترجمة للقرآن، بل من حيث كونها من مصاديق الذكر، واما ترجمة الايات التي هي من قبيل القصص فلا يجتزئ بها اصلا، بل لا يجوز التلفظ بها لكونها من الكلام المبطل (4).
وهذا اجماع من الإمامية: ان ترجمة القرآن ليست بقرآن وفي ذلك احاديث متظافرة عن النبى والائمة الصادقين (ع):
قال رسول اللّه (ع): ﴿تعلموا القرآن بعربيته﴾.
وعن الإمام الصادق (ع):﴿تعلموا العربية، فانها كلام اللّه الذي كلم به خلقه ونطق به للماضين﴾ (5).
ولا يزال الفقها يفتون بالمسائل التالية:
1- من لا يعرف قراة الحمد، يجب عليه التعلم.
2- ومن تعذر عليه تعلمها استبدل من قراتها ما تيسر من سائر آيات القرآن.
3- ومن لم يتيسر له ذلك ايضا يعوض عنه بما يعرفه من اذكار وادعية على قدر سورة الفاتحة (6)، بشرطادائها بالعربية.
4- وإذا كانت الترجمة لا تصدق عليها عنوان الذكر أوالدعا، فغير جائزة البتة.
5- وإذا كانت من قبيل الدعا والذكر فتجوز في الدرجة الثالثة، بنا على جوازالدعا بغير العربية في الصلاة، وهو محل خلاف بين الفقها.
والخلاصة: ان فقها الإمامية متفقون على عدم اجرا احكام القرآن - بصورة عامة - على ترجمته، باية لغة كانت ويوافقهم على هذا الراي اصحاب سائر المذاهب من عدا أبي حنيفة واصحابه، فقد اجازوا في الصلاة قراة ترجمة الفاتحة بالفارسية استنادا إلى ما روي: ان الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي ﴿رض﴾ ان يكتب لهم الفاتحة بالفارسية، فكانوا يقرأون ذلك في صلاتهم، حتى لانت السنتهم للعربية.
اما ابوحنيفة فقد اجاز ذلك مطلقا، واما صاحباه ﴿ابويوسف ومحمد﴾ فقد اجازا لمن لا يحسن العربية (7) وكان الحبيب العجمي - صاحب الحسن البصري - يقرا القرآن في الصلاة بالفارسية، لعدم انطلاق لسانه باللغة العربية (8).
وقد افتى بالجواز - عند العجز - الشيخ محمد بخيت، مفتي الديار المصرية - سابقا - فتوى لاهل الترانسفال، استنادا إلى فعلة الحبيب العجمي (9)، وسياتي تفصيل ذلك مشروحا.
هذا ومن ناحية اخرى فان الترجمة الحرفية ﴿تحت اللفظية﴾ تخون في التادية ولا تفي بافادة المعنى المراد في كثير من الاحيان، ان لم تشوه المعنى وتشوشه على اذهان القرا والمستمعين، على ما سبق بعض الامثلة على ذلك، وسياتي مزيد بيان.
وعليه فقد صح القول: بان الترجمة الحرفية تذهب بروا الكلام، فضلا عن بلاغته الأولى التي كانت من اهل دلائل الاعجاز في القرآن، كما لم يصح اسناد الترجمة إلى صاحب الكلام الأول، بعد تبديله إلى غيره لفظا واسلوبا واخيرا فانها تخون في تادية المراد في كثير من الاحيان، الأمر الذي يحتم ضرورة اجتنابها، ولا سيمافي مثل القرآن العظيم.
1- من عدا ابي حنيفة ومن راى رايه، حسبما ياتي.
2- راجع: مصباح الفقيه، كتاب الصلاة، ص 273.
3- المصدر نفسه، ص 277.
4- مصباح الفقيه، كتاب الصلاة، ص 282.
5- راجع: وسائل الشيعة للشيخ حر العاملي، ج4، ص 865-866، الباب ﴿30﴾ من كتاب الصلاة، رقم 1و2.
6- الوسائل، ج4، ص 735.
7- راجع: المبسوط للسرخسي، ج1، ص 37.
8- شرح مسلم الثبوت، بنقل المراغي شيخ الازهر في رسالته ﴿بحث عن ترجمة القرآن﴾،ص 17.
9- الادلة العلمية لفريد وجدي، ص 58.