اساليب الترجمة
إذ كانت الترجمة نوعا من التفسير والايضاح بلغة اخرى في ايجاز وايفا، وبالاحرى هو افراغ المعنى من قالب إلى قالب آخر اكشف للمراد، بالنسبة إلى اللغة المترجم اليها، فلابد ان يعمد المترجم إلى تبديل قوالب لفظية إلى نظيراتها من غير لغتها، بشرط الوفا بتمام المراد، الأمر الذي يمكن الحصول عليه من وجوه:
الأول: ان يعمد المترجم إلى تبديل كل لفظة إلى مرادفتها من لغة اخرى، فيضعها بازائها، ثم ينتقل إلى لفظة ثانية بعدها وثالثة، وهكذا على الترتيب حتى نهاية الكلام.
وهذه هي ﴿الترجمة الحرفية﴾ أوالترجمة تحت اللفظية وهذه اردا انحا الترجمة، وفي الاغلب توجب تشويشا في فهم المراد أوتشويها في وجه المعنى، وربما خيانة بامانة الكلام، حيث المعهو د من هكذا تراجم لفظية هو تغيير المعنى تماما، لان المترجم بهذا النمط انما يحأول التحفظ على اسلوب الكلام الاصل في نظمه وميزاته البلاغية، لياتي بكلام يماثله تماما في النظم والاسلوب، الأمر الذي لا يمكن بتاتا، بعد اختلاف اللغات في اساليب البلاغة والادا، وكذا في النكات والدقائق الكلامية السائدة في كل لغة حسب عرفها الخاص فرب كناية أوتعريض أومثل سائر في لغة، لا تعرفه لغة اخرى ولا تانس به، فلوعمد المترجم إلى ترجمة ذلك بعينه، لاصبح غير مفهو م المراد، وربما استبشعوا مثل هذا التعبير الغريب عن متفاهمهم.
مثلا قوله تعالى: ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومامحسورا﴾ (1) جا ﴿غل اليد إلى العنق وبسطها كل البسط﴾، كناية عن القبض والبسط الفاحش، اي التقتيروالاسراف في المعيشة وفي الانفاق، وهي كناية معروفة عند العرب ومانوسة الاستعمال لديهم فلواريدالترجمة بنفس التعبير من لغة اخرى كان ذلك غريبا عليهم حيث لم يالفوه، فربما استبشعوه وانكروا مثل هذاالتعبير غير المفهم، لانهم يتصورون من مثل هذا التعبير: النهي عن ان يربط انسان يديه إلى عنقه برباط من سلاسل واغلال، أويحأول بسط يديه يمينا وشمالا بسطا مبالغا فيه ولا شك ان مثل هذا الانسان انما يحأول عبثا ويعمل سفها، لانه يبالغ في اجهاد نفسه واتعابها من غير غرض معقول، الأمر الذي لا ينبغي التعرض له في مثل كتاب اللّه العزيز الحميد.
الثاني: ان يحأول افراغ المعنى في قالب آخر، من غير تقيد بنظم الاصل واسلوبه البياني، وانما الملحوظ هو ايفا تمام المعنى وكماله، بحيث يؤدي افادة مقصود المتكلم بغير لغته، بشرط ان لا يزيد في البسط بما يخرجه عن اطار الترجمة، إلى التفسير المحض.
نعم ان هكذا ﴿ترجمة معنوية﴾ قد تفوت بمزايا الكلام الاصل اللفظية، وهذا لا يضر مادام سلامة المعنى محفوظة وهذا النمط من الترجمة هو النمط الأوفى والمنهج الصحيح الذي اعتمده ارباب الفن لا يتقيدون بنظم الاصل، فيقدمون ويؤخرون، وينظمون الترجمة حسب اساليب اللغة المترجم اليها، كما لا يزيدون بكثير على مثال الالفاظ والتعابير التي جات في الاصل فان حصلت زيادة مطردة فهو من الشرح والتفسير، وليس من الترجمة المصطلحة في شي.
ذكر الشيخ محمد بها الدين العاملي -1031- - نقلا عن الصفوي -: ان للترجمة طريقين، احدهما: طريق يوحنا بن بطريق وابن الناعمة الحمصي، وهو : ان يعمد إلى كل لفظة من الفاظ الاصل لياتي بلفظة اخرى ترادفها في الدلالة فيثبتها، وينتقل إلى اخرى وهكذا، حتى ياتي على جملة ما يريد ترجمتها، وهي طريقة رديئة لوجهين:
الأول: انه قد لا توجد في اللغة المترجم اليها لفظة تقابل الاصل تماما، ومن ثم فتقضي الحاجة إلى استيرادنفس الكلمة الاجنبية واستعمالها في الترجمة بلا امكان تبديل، ومن ثم كثرت اللغات الدخيلة اليونانية في مصطلحات العلوم المترجمة إلى العربية.
الاخر: ان خواص التركيب والنسب الكلامية في الاسناد الخبري وسائر الانشاات والمجاز والاستعارة وما شابه، تختلف اساليبها في سائر اللغات، وليست تتحد في التعبير والايفا، فالترجمة تحت اللفظية قد توجب خللا في الافادة باصل المراد.
اما الطريق الثاني - وهو طريق حنين بن اسحاق والجوهري - فهو : ان ياتي بتمام الجملة ويتحصل معناها في ذهنه، ثم يعبر عنها من اللغة الاخرى بجملة تطابقها في افادة المعنى المراد وايفائه، سوا اسأوت الالفاظ ام خالفتها وهذا الطريق اجود، ولهذا لم يحتج كتب حنين بن اسحاق إلى تهذيب الا في العلوم الرياضية، لانه لم يكن قيما بها، بخلاف كتب الطب والمنطق والطبيعي والالهي، فان الذي عربه منها لم يحتج إلى الاصلاح (2).
الثالث: ان يبسط في الترجمة ويشرح مقصود الكلام شرحا وافيا، فهذا من التفسير بلغة اخرى، وليست ترجمة محضة حسب المصطلح.
وقد تلخص البحث في انحا الترجمة إلى ثلاثة اساليب:
1- الترجمة الحرفية، أوالترجمة اللفظية، أوتحت اللفظية، وهي طريقة مرفوضة وغير موفقة إلى حد بعيد.
2- الترجمة المعنوية، أوالترجمة التفسيرية غير المبسطة، ويطلق عليها: الترجمة المطلقة ﴿المسترسلة﴾ غيرالمتقيدة بنظم الاصل، وهي طريقة معقولة.
3- الترجمة التفسيرية المبسطة، وهي إلى الشرح والتفسير اقرب منه إلى الترجمة.
ولننظر الان في مسالة ترجمة القرآن الكريم بالذات، من نواحيها المختلفة، وعلى كلا اسلوبي الترجمة: الحرفية والمعنوية، فنقول:
1- الاسراء/ 29.
2- الكشكول ﴿ط حجرية﴾، ص 208 و﴿ط مصر 1370ه﴾، ج1، ص 388.