أوجه التفسير

اخرج الطبري بعد ة اسانيد إلى ابن عباس، قال: التفسير اربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لايعذر احد بجهالته، وتفسير يعلمه العلما، وتفسير لا يعلمه الا اللّه تعالى (1).

قال الزركشي - في شرح هذا الكلام: وهذا تقسيم صحيح:

فاما الذي تعرفه العرب، فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم، وذلك شان اللغة والاعراب.

فاما اللغة، فعلى المفسر معرفة معانيها، ومسميات اسمائها، ولايلزم ذلك القارئ ثم ان كان ما تتضمنه الفاظهايوجب العمل دون العلم، كفى فيه خبر الواحد والاثنين، والاستشهاد بالبيت والبيتين وان كان مما يوجب العلم، لم يكف ذلك، بل لا بد ان يستفيض ذلك اللفظ، وتكثر شواهده من الشعر.

واما الاعراب، فما كان اختلافه محيلا للمعنى، وجب على المفسر والقارئ تعلمه، ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم وليسلم القارئ من اللحن وان لم يكن محيلا للمعنى، وجب تعلمه على القارئ ليسلم من اللحن، ولايجب على المفسر، لوصوله إلى المقصود دونه، على ان جهله نقص في حق الجميع.

إذا تقرر ذلك، فما كان من التفسير راجعا إلى هذا القسم، فسبيل المفسر التوقف فيه على ما ورد في لسان العرب، وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفاهيمها تفسير شي من الكتاب العزيز، ولا يكفي في حقه تعلم اليسير منها، فقد يكون اللفظ مشتركا، وهو يعلم احد المعنيين.

الثاني: ما لا يعذر احد بجهله، وهو ما تتبادر الافهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الاحكام ودلائل التوحيد وكل لفظ افاد معنى واحدا جليا لا سواه، يعلم انه مراد اللّه تعالى.

فهذا القسم لا يختلف حكمه، ولا يلتبس تأويله، إذ كل احد يدرك معنى التوحيد، من قوله تعالى: ﴿فاعلم انه لا اله الا اللّه﴾ (2) وانه لا شريك له في الهيته، وان لم يعلم ان ﴿لا﴾ موضوعة في اللغة للنفي و﴿الا﴾ للاثبات، وان مقتضى هذه الكلمة الحصر ويعلم كل احد بالضرورة ان مقتضى قوله تعالى: ﴿واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ (3) ونحوها من الأوامر، طلب ادخال ماهية المامور به في الوجود، وان لم يعلم ان صيغة ﴿افعل﴾ مقتضاها الترجيح وجوبا أوندبا فما كان من هذا القسم لا يقدر احد ان يدعي الجهل بمعاني الفاظه، لانها معلومة لكل احد بالضرورة.

الثالث: ما لا يعلمه الا اللّه تعالى، فهو يجري مجرى الغيوب، نحوالاي المتضمنة قيام الساعة، ونزول الغيث، وما في الارحام، وتفسير الروح، والحروف المقطعة.

وكل متشابه في القرآن عند اهل الحق، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولاطريق إلى ذلك الا بالتوقيف، من احد ثلاثة أوجه:

اما نص من التنزيل، أوبيان من النبى (ع)، أواجماع الامة على تأويله.

فإذا لم يرد فيه توقيف من هذه الجهات، علمنا انه مما استاثر اللّه تعالى بعلمه.

قلت: وهذا انما يصدق بشان الحروف المقطعة، فانها رموز بين اللّه ورسوله، لا يعلم تأويلها الا اللّه والرسول، ومن علمه الرسول بالخصوص.

والرابع: ما يرجع إلى اجتهاد العلما، وهو الذي يغلب عليه اطلاق التأويل، وهو صرف اللفظ إلى ما يؤول اليه فالمفسر ناقل، والمؤول مستنبط، وذلك استنباط الاحكام، وبيان المجمل، وتخصيص العموم.

وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا، فهو الذي لايجوز لغير العلما الاجتهاد فيه، وعلى العلما اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم ان يعتمدوا مجرد رايهم فيه.

ثم اخذ في بيان كيفية الاجتهاد واستنباط الاحكام من ظواهر القرآن، عند اختلاف اللفظ أوتعارض ظاهرين، بحمل الظاهر على الاظهر، وترجيح احد معنيي المشترك، وما إلى ذلك مما يرجع إلى قواعد ﴿علم الاصول﴾.

ثم قال: فهذا اصل نافع معتبر في وجوه التفسير في اللفظ المحتمل، واللّه العالم.

واخيرا قال: إذا تقرر ذلك فينزل قوله (ع): ﴿من تكلم في القرآن بغير علم فليتبوا مقعده من النار﴾ على قسمين من هذه الاربعة: احدهما: تفسير اللفظ، لاحتياج المفسر له إلى التبحر في معرفة لسان العرب، الثاني: حمل اللفظ المحتمل على احد معنييه، لاحتياج ذلك إلى معرفة انواع من العلوم:


1- تفسير الطبري، ج1، ص 26.

2- محمد/ 19.

3- البقرة / 43.