مقدمة المؤلف
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدللّه وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.
قال تعالى: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شى وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾ (1).
كان المسلمون في عهدهم الأول يفهمون القرآن على خالصته، ويستسيغون معانيه على بساطتها الأولى، صافية نقية عن كدر الأوهام والدخائل، إذ كان قد نزل بلغتهم وعلى اساليب كلامهم الفصيح البليغ، كانوا يتلقونه غضا طريا، ويجيدون فهمه عذبا رويا.
ولئن كادت تكون لهم وقفات عند مبهمات التعابير، لدقتها ورقة معانيها، فان الوقفة لم تكن لتطول بهم، حيث الرسول - وهو الذريعة العليا والوسيلة الكبرى للوصول إلى فهم الشريعة في جميع مناحيها - في متنأولهم القريب، فكان يبين لهم إذ ذاك ما خفي على افهامهم أودق عن اذهانهم، إذ كان عليه البيان، كما كان عليه البلاغ، قال تعالى: ﴿وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون﴾ (2).
وهكذا ظل المسلمون يفهمون القرآن على حقيقته، ويعملون به على بينة من امره، اقويا اعزا، في سلامة وسعادة وعيش هني، مستمسكين بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وقد تدأومت بهم هذه الحياة العليا طوال عهد الرسالة، وشطرا بعدها غير قليل.
ثم خلف من بعدهم خلف - على تطأول الاى ام - اضاعوا بعض تلكم الطريقة المثلى، واتبعوا السبل، فتفرقت بهم ذات اليمين وذات الشمال، ربما في اهو ا متباينة وآرا متضاربة، فكانت احداث وبدع وضلالات، وابتداع مذاهب وانحيازات، كل يضرب على وتره، ويعمل على شاكلته.
وكان من جرا ذلك ان دخلت في الحديث والتفسير دخائل واساطير مستوردة من ابنا اسرائيل ومسلمة اهل الكتاب، كان يبثها بين المسلمين فئات تظاهرت بالاسلام اما لغلبة الجووالمحيط، أولرغبة في الدس والتزوير.
تلك كانت بلية المسلمين، وقد كثر الخبط والتخليط، ولم يفترق السليم عن السقيم، وكان نصيب التفسير من هذا الخبط الحظ الأوفر بما أوتي هؤلا من قدرة للاستحواذ على عقول الضعفا واهل الاطماع من الأمرا.
نعم كانت هناك معايير ومقاييس تميز الغث من السمين، وقد عرفها النبي الكريم (ع) للامة منذ ان احس بدخائل اهل الضغائن على الاسلام، ممن يت بعون المتشابهات من الايات ابتغاءء الفتنة وابتغاء التأويل.
فوضع حدودا دون رسوب تلكم الدسائس الخبيثة، وكان من اهمها: العرض على محكمات الايات ﴿هن ام الكتاب﴾، ثم اللجؤ إلى العترة الطاهرة ﴿الثقل الاصغر﴾ كما في حديث الثقلين، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وعدم الافتراق، يعني: تلازمهما ولا غنا باحدهما دون الاخر، فالكتاب اساس الدين، والطيبون من العترة حملته وحرسته، لانهم ورثة سيد المرسلين صلوات اللّه عليهم اجمعين.
ونحن إذ نحأول انتهاج منهج السلف الصالح: الصحابة الاخيار، والتابعين الكبار، والسادة الاطهار، نتتبع طرائقهم في فهم كلام اللّه واستنباط معانيه والوقوف على مبانيه، وفق ما رسمه لناالعلما الاعلام والائمة العظام، سائلين المولى تعالى التوفيق على ذلك والتسديد، انه ولي ذلك وهو المستعان.
قم ? محمد هادي معرفة.
12/ع1 /1411.
1- النحل / 89.
2- النحل / 44.