بسم اللّه الرحمن الرحيم

مما لاشك فيه ان القرآن الكريم هو معجزة النبي (ع) الخالدة، ويعتبر المحور الاساسي للشريعة الإسلامية، فتفسيره وتبيان ما اشكل على المسلمين هدف منتظر، ودعوة من اللّه تعالى، إذ قال:﴿ولو ردوه إلى الرسول والى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ من هنا نرى النبي (ع) هو أول من بادر إلى تفسيره، فشكل حلقات دراسية لذلك، واخذ يسعى مثابرا في تربية صحابته الاكفا - وهم حشد عظيم -، وقد اشتهر منهم عدد بتفسير القرآن الكريم، وافصاح معانيه، وكان في طليعتهم الإمام علي ابن أبي طالب (ع).

وبعد ان التحق النبي (ع) بالرفيق الاعلى وبعد المسلمون عن زمن نزول الوحي، واتسعت الرقعة الإسلامية بالفتوحات، نشات ابعاد علمية اخرى مستجدة، الأمر الذي اثار الاحتياج إلى تفسير معاني القرآن اكثر فاكثر، فتصدى كل من تلقف من معين الرسول الاعظم لهذا الأمر، وجابوا في البقاع الإسلامية، فابن عباس في مكة، وعبد اللّه بن مسعود بالكوفة، وابي بن كعب بالمدينة، وابوموسى الاشعري في البصرة، وابوالدردا في الشام مشيدين نواة مدارس التفسير وحلقات التعليم، وسعوا سعيهم في ذلك على اكمل وجه، الأمر الذي ادى إلى تربية عدد من التابعين في علم التفسير، وظهو ر مدارس تفسيرية متنوعة.

وقد تلقى التابعون هذه الوفرة الثمينة من التفسير من الصحابة وورثوها بدورهم إلى اجيالهم من تابعيهم، وهكذا بقيت تتناقل في الصدور إلى ان بدا عهد التدوين، حيث دون أول التفاسير، الأمر الذي فتح فصلا جديدافي عرض معارف القرآن الرفيعة السامية للاجيال عبر التاريخ.

وعلى مر الايام وعبر الازمان، ومنذ عهد التدوين وحتى يومنا هذا، اخذ التفسير يتنوع في اسلوبه وطابعه، وبدت المدارس الفكرية المختلفة من فلسفة وكلام وعرفان وتصوف وتشاهد على الساحة التفسيرية، فنتجت من ذلك - وعلى يد عشاق القرآن - مئات التصانيف التفسيرية، خدمة للقرآن العظيم.

وتزامنا مع تعرف الامم على الثقافة الإسلامية واشتياقهم لمعرفة رسالة هذا الدين الحنيف، ازدادت ضرورة تعريف القرآن، الأمر الذي اسفر عن نشؤ ظاهرة اخرى الا وهي ظاهرة ترجمة القرآن.

كما ان ظهور صفحة عريضة من التاريخ في تفسير القرآن الكريم، التي استوعبت اربعة عشر قرنا، وكذلك ظهو ر مدارس تفسيرية شتى، وتقويم محأولات المفسرين في تلقي معاني القرآن، والعناية بما يجب مراعاته في التفسير، وعشرات من الامور الاخرى التي استدعت ترقب الجميع إلى فصل مهم في علوم القرآن، يحمل عنوان (التفسير والمفسرون).

وأول كتاب مستقل دون تحت هذا العنوان هو (مذاهب التفسير الاسلامي) الذي الفه جولد تسيهر، وترجم هذا المستشرق في الكتاب المذكور وغيره من كتبه الاخرى جهله بل بغضه على الاسلام ثم استلهم منه الدكتور محمد حسين الذهبي والف كتابه (التفسير والمفسرون) في جزين ولقى هذا الكتاب ترحيبا في الأوساط الجامعية ولفت انتباهها، وذلك لان هذا الكتاب فريد في موضوعه، يستعرض مباحث مسهبة في (التفسير والمفسرين)، بيد انه مني ايضا بمثالب فاظعة، إذ انه غفل عن كثير من الكتب التي صنفت قبله في التفسير، ووهم في تعريف المفسرين وكتبهم لاعتماده على مصادر ضعيفة، والانكى من ذلك كله ان مؤلفه عبر عن بغضه واجحافه بحق بعض المذاهب الإسلامية وتفاسيرها مما قلل من قيمة الكتاب كثيرا.

ومن بين المذاهب التي اسخطته، وتجرعت مضض جفائه اكثر من غيرها هو المذهب الجعفري، إذ تحامل الذهبي على عقائد الشيعة، وذكر تفاسيرهم في عداد التفاسير المشوبة بالبدع.

ومما يؤسف له ان الأوساط الجامعية في بلدنا الاسلامي هذا، اختارت هذا الكتاب كمنهج تدريسي، وذلك لعدم ما يحل محله، إلى ان شمر المحقق المتتبع، الباحث القرآني الشيخ محمد هادي معرفة - دام ظله - عن ساعد الجد والجهد، بعزم راسخ، وتحقيق شامل، فالف كتابه القيم (التفسير والمفسرون) سدا لهذا النقص والعوز.

ونلحظ ان هذا المؤلف الكريم امضى ما ينيف على ثلاثين سنة في البحث والتحقيق متحديا الصعاب دفاعا عن كيان التشيع، واثباتا لدور علمائه في بث العلوم والمعارف القرآنية.

وكان ثمار تلك الجهود تدوين مجموعة كاملة في مباحث العلوم القرآنية، بصورة واسعة وجامعة، تحت عنوان (التمهيد في علوم القرآن).

وفي هذا المضمار قام الاستاذ بتاليف كتابه (التفسير والمفسرون) في جزين، والكتاب هذا نال السبق عن غيره من المؤلفات، لان المؤلف الجليل قام بتدريسه طوال سنوات قبل النشر في الحوزة العلمية بقم المشرفة، والجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية بمشهد المقدسة قبل نشره، حيث جد في تحبيره من خلال اضافة فصول جديدة اليه اثنا التدريس.

ويجدر بنا ان نشير إلى بعض ميزات الكتاب، وهي كما يلي:

1- كل من يتصفح الكتاب تصفحا متواضعا يجد ان المؤلف قد صرف جهده في تزويد الكتاب بمباحث قيمة ومجدية، ولم يال جهدا من التتبع الحثيث ومراجعة المصادر التي ساعدته في الوصول إلى الهدف المنشود.

2- ان فصول الكتاب مشحونة بتحقيقات مستوعبة حول الارا والاقوال المذكورة، وقد تصدى المؤلف لنقدها ومناقشتها، خلافا لكثير من الكتب التي اقتصرت على نقل الارا والاقوال فحسب.

3- ظاهرة الابداع معلم بارز من معالم الكتاب، إذ نجد فيه مباحث جديدة كضوابطالتأويل، والمنهج البياني للقرآن، ودور اهل البيت (ع) في تفسير القرآن وهي مباحث يمكننا ان نقول عنها: انها تعرض لأول مرة في كتاب علمي، مدعمة بالادلة.

4- لقد سعى الاستاذ سعيا حثيثا في صدد تحقيق هدفه من تاليف الكتاب، وهو الذب عن مذهب اهل البيت في التفسير، إذ عقد له فصولا وافية، متنأولا دورهم البنا في ذلك، كما شمل سعيه وتحقيقه الصحابة الموالين لاهل البيت والتابعين لهم باحسان، وكذلك البحث عما كتبه اتباع مذهب اهل البيت في التفسير.

5- في البحث عن دور مفسري الصحابة والتابعين ركن إلى مصادر الرجال المعتمدة، واخذ يناقش علماالرجال، فبرا الكثير منهم مما ابداه الرجاليون فيهم من الجرح والتضعيف، واثبت موالاتهم لاهل البيت (ع)، رغم شهرتهم بانهم من الاغيار.

ومن دواعي الفخر والاعتزاز ان تحتضن الجامعة الرضوية امثال هؤلاء الاعلام ولاسيما استاذنا ﴿معرفة﴾، إذ اغتنمت فرصة وجوده بين ظهرانيها منذ عدة سنوات، فاقترحت عليه موضوع طبع هذا الكتاب لسد الثغرة، فاستجاب سماحته مشكورا ملبيا الدعوة، وبها نالت جامعتنا وسام الفخر في نشره.

وانجزت المراحل التمهيدية قبل الطبع كالمراجعة، والاخراج الفني، واعداد فهارسه، وتنضيد الحروف المطبعية بالحاسب الالكتروني وغيرها، في قسم الدراسات القرآنية في الجامعة الرضوية.

نبتهل إلى المولى القدير جل وعلا ان يتقبل من المؤلف الكريم ومن كافة الاخوة الذين ساهموا في اعدادالكتاب وطبعه، هذا الجهد.

وانه لمن دواعي سرورنا ان نقدم هذا الكتاب الثمين لأودا القرآن الكريم جميعهم، وللّه الحمد أولا وآخرا.

قسم الدراسات القرآنية.

التابعة للجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية.

التفسير والمفسرون.