تفسير القرآن بالقرآن

ويعتبر هذا النوع من المناهج أسماها وأعظمها وأفضلها في بيان المراد وكشف المعاني فإن الله تعالى شأنه قد وصف هذا الكتاب العزيز بأنه فيه تبيان كل شيء، ومادام كذلك فحتماً هو مبين وموضح لنفسه وقد استشهد أصحاب هذا الاتجاه بعدة شواهد قرآنية توضح وتعزز رأيهم. هذا بالإضافة إلى ميزة أخرى تجدها عند هذا المنهج وهي الإستفادة من المأثور والمعقول في ضوء المنهج القرآني.

مثال ذلك:

سأل زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم أبا جعفر الباقر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين عن وجوب القصر في الصلاة في السفر مع أن الله تعالى يقول: (وليس عليكم جناح)الأحزاب 5، ولم يقل افعلوا؟

فأجابهما الإمام صلوات الله وسلامه عليه: أوليس قد قال الله عزّ وجلّ في الصفا والمروة: (فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما)البقرة 158 ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض.(1)

وهناك شواهد كثيرة يسوقها أهل الفن والإختصاص للتدليل على قوة وشمولية هذا المنهج.

وفي ضوء هذا المنهج تجد مناهج فرعية لتطبيق المنهج العام وهي:

أ‌-المنهج الترتيبي التجزيئي.

ب‌-المنهج الموضوعي.

أ- المنهج الترتيبي أو التجزيئي:

وهو الأوسع والأشهر ضمن مناهج التفسير حيث يسير فيه المفسر بشكل مرتب من بداية كل سورة إلى آخرها ليبين المطالب والمعاني مستعيناً بالقرآن للتوضيح والشواهد والروايات.

ومن أعظم ما كتب وفقاً لهذا المنهج تفسير الميزان للعلامة الطبأطبائي فهو بحر زاخر بالدرر والجواهر وفيه من الأبحاث ما يكفي لمن أراد الفهم والعلم والتدبر في الكتاب، وقد وصفه بعض الأعلام بقوله: (إنَّ فضل الميزان عل سائر التفاسير كفضل القرآن على سائر الكتب).

وكذلك من عظيم ما كتب إلا أنه لم يظهر كاملاً بل مقدمة في التفسير ما خطته يد المرجع العظيم أستاذ الفقهاء السيد أبو القاسم الخوئي وهو المعروف باسم: البيان في تفسير القرآن، حيث عرض فيه لمقدمة في علوم القرآن ثم تفسير لفاتحة الكتاب.

وجاء في بيان هذا المنهج في مقدمة الخوئي:

على المفسر أن يجري مع الآية حيث تجري، ويكشف معناها حيث تشير ويوضح دلالتها حيث تدل، عليه أن يكون حكيماً حين تشتمل الآية على الحكمة وخلقياً حين ترشد الآية إلى الاخلاق، وفقيهاً حين تتعرض للفقه واجتماعياً حين تبحث في الاجتماع، وشياً آخر حين تنظر في أشياء أخرى.

ثم يقول في موضع آخر: وسيجد القارئ أني لا أحيد في تفسيري هذا عن ظواهر الكتاب ومحكماته وما ثبت بالتواتر أو بالطرق الصحيحة من الآثار الواردة عن أهل بيت العصمة من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما استقل به العقل الفطري الصحيح الذي جعله الله حجة باطنة كما جعل نبيه صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام حجة ظاهرة، وسيجد القارئ أيضاً أني كثيراً ما أستعين بالآية على فهم اختها واسترشد القرآن إلى إدراك معاني القرآن ثم أجعل الأثر المروي مرشداً إلى هذه الاستفادة. (2)

ب- المنهج الموضوعي:

وهذا المنهج يقوم على أساس تقسيم وتحديد الموضوعات والمقاصد القرآنية عن طريق جمع الآيات المتفرقة في الموضوع الواحد بحيث تجمع الآيات الواردة في موضوع معين ثم تتم دراستها دراسة شاملة وتستخرج مقاصدها وتوجيهاتها.

وهذا المصطلح هو حديث الظهور إلا أنه كتفكير ترجع جذوره إلى عصور متقدمة إلا أنها تتبلور في شكل تفسير جامع.

ووفقاً لهذا المنهج تكون الحركة للحصول على النظريات القرآنية التي تتمحور حول مواضيع تمس جوانب الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية...

وقد تنوعت واختلفت ألوان هذا المنهج، فمنها الذي يقتصر على مسائل فقهية مستنبطة من القرآن، ومنها على الكلام، أو الأخلاق أو السياسة أو الاجتماع، ومنها المستوعب لمعظم هذه الموضوعات... إلخ.

وللمفسر الذي يتبنى هذا المنهج أن يعمد إلى:

1-مواضيع طرحت بذاتها في القرآن الكريم فيعمل على استخراجها واستجلاء أبعادها وحدودها...

2-مواضيع هي من ضروريات الحياة الاجتماعية فيعرضها على القرآن للوقوف على النظرة القرآنية بشأنها.

وقد رجح السيد الشهيد الصدر أعلى الله مقامه هذا الاتجاه الثاني وذلك بحسب ما نقل عنه أن المفسر الموضوعي لا يبدأ عمله من النص، بل من واقع الحياة، يركز نظره على موضوع من موضوعات الحياة الفكرية أو الاجتماعية ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل وما قدمه الفكر الإنساني من حلول وما طرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ومن نقاط فراغ، ثم يأخذ النص القرآني لا ليتخذ من نفسه بالنسبة إلى النص دور المستمع والمسجّل فحسب، بل ليطرح بين يدي النص القرآني حواراً (سؤال وجواب): بمعنى أن المفسر يسأل والقرآن يجيب. (3)

وقد ورد عن المولى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: (وذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه؛ ألا إن فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي، ودواء دائكم ونظم ما بينكم). (4)

وهذا اللون من المناهج التفسيرية يحتاج إلى مقدرة علمية وافية وجهد كبير للوصول إلى استنطاق المعاني القرآنية.

ومن أبرز المحاولات في هذا الاتجاه:

1- مفاهيم القرآن لآية الله الشيخ جعفر السبحاني.

2- نفحات القرآن لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

3- معارف القرآن لآية الله الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي.

وهناك مناهج أخرى هي في حقيقتها ترجع إلى المناهج العامة المشار إليها كالمنهج البياني والمنهج الفقهي والتحليلي والمقارن والأخلاقي التربوي والعلمي والفلسفي والإشاري... فكلها تجدها تسير وفقاً لمنهج ترتيبي موضوعي وليس كمنهج مستقل بذاته إنما يغلب عليه طابع تخصصي ضمن المنهج العام.

كما توجد تفاسير جامعة لعدة مناهج يعرضها المفسر وإن كان يغلب عليها نموذج أو منهج معين، فترى المفسر يتناول فيها جوانب لغوية وبلاغية وتاريخية واجتماعية وفقهية وتربوية وكلامية... إلخ.، وخير ما يمثلها تفسير الميزان وتفسير الكاشف وتفسير روح المعاني وتفسير كنز الدقائق، والفرقان في تفسير القرآن، وتفسير الأمثل.

ملاحظة: لمزيد من التفاصيل حول هذه المناهج يمكن للقارئ مراجعة المصادر التالية:

1. التفسير والمفسِّرون - آية الله محمّد هادي معرفة.

2. المفسِّرن حياتهم ومنهجهم - السيّد محمَّد علي الأيازي.

3. المدارس التفسيريَّة ? محمَّد الشبيب.

4. المناهج التفسيريّة في علوم القرآن - آية الله الشيخ جعفر السبحاني.


1- المصدر: وسائل الشيعة ? الحرّ العاملي ج5 ص538 باب صلاة المسافر القسم 22 منه الحديث رقم 2 ? الطبعة الخامسة 1403 هـ/1983م ? دار إحياء التراث ? بيروت.

2- المصدر: البيان في تفسير القرآن ? الإمام الأكبر السيّد أبو القاسم الخوئي ص12-13 ? الطبعة الخامسة 1408هـ/1987م ? دار الزهراء للطباعة والنشر ? بيروت.

3- المصدر: التفسير والمفسِّرون ? آية الله محمّد هادي معرفة (قدس سره) ? ج2 ص1038 ? الطبعة الثانية 1426هـ نقلاً عن المدرسة القرآنية للسيِّد الشهيد محمّد باقر الصدر.

4- المصدر: نهج البلاغة ? ضبط وفهرسة د. صبحي الصالح ? الخطبة158 ص223 ? الطبعة الأولى 1967م/1387هـ - بيروت.