بلاغـة الاستفهام في قوله تعالى: (مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض).

في قوله (مالكم) استفهام توبيخى يجلد ظهر كل متثاقل عن الجهاد وقدهُيِّئ له فكيف بمن دُعِى إليه وحُـثَّ وأُغْرِيَ بِـه، ولم يُحرم منه أو يُحَرَّم عليه، كما هو حالنا في زماننا هذا، وقد حُرَّمَ علينا أن نجاهد أعداء الإسلام، فمن يفعل، فقد باء بجريرة لاقرار له معها في أرض تطلع عليها الشمس.

ومعنى الاستفهام:" أي شيء لكم في التثاقل عن الجهاد وقت أن يقال لكم انفروا في سبيل الله تعالى ؟

وغيرخفي أن في هذا نفيا عظيما لأن يكون لهم أدنى ما يحملهم على التثاقل عند دعوتهم إلى الجهاد، وهذا مسلك من مسالك النفي المؤكد الذي لا قِـبَـلَ للمعاند إلى نقضه.

وهو يحمل مع معنى التوبيخ وتقرير النفي وتأكيده معنى الذم بأن يكون منهم من المعابات ما لم يجدوا ما يدعوهم إليه في مقابلة ما يجتهد في دعوتهم إلى نقيضه الذي فيه عِـزُّهم، فإذا كان غير حميد من العاقل أن تكون منه معابة وإن أغري بها وحُمِلَ إليها بل حُمل عليها، فكيف الأمر إذا لم يك شيء من ذلك بل كان ما هو مغرٍ بنقيضه من المكرمات؟

إنَّ في هذا الاستفهام من المعانى ما يهز القلب المعافى من داء الغفلة هزًا لا يستقر الجنب معه على فراش.

وفي قوله (إذا قيل لكم) بناء لفعل القول لغير الفاعل، فلم يصرح بفاعله إيماء إلى أن مناط التوبيخ والمذمة ليس متعلقًا بأن القائل فلان أو فلان، بل ذلك متحقق، وإن كان الداعى إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل استنصارًا للحق ودعوة إلى الله تعالى أصغرَ رجال الأمة أو نسائها، فكيف إذا ماكان القائل هو النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟!!!

في عدم تعيين القائل حث على النِّـفار إذا ما سمع المسلم: حيَّ على الجهاد، من غير أن يتلبث ليعرف مَنْ الداعِى، فإن كان عظيما خرج، وإلا فلا، بل هو الخرَّاج إلى الجنة كلَّما دعي إليها، ولن يكون العاقـل البتة آبـيـا دخولها بالتثاقل عن الجهاد في سبيل الله تعالى وفي عدم تعيين الفاعل بالتصريح بذكره إبلاغ في توبيخ من تثاقل ـ وهم قليل ـ وقددعاه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه للجهاد في سبيل الله تعالى، وقد جاء البيان القرآني مؤكدًا فريضة الطاعة لدعوته:

" يأيُّها الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ ولِلرسولِ إذا دَعَاكُمْ لِما يحْييكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِليْهِ تُحْشَرُونَ.

وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاتُصيِبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " { الأنفال:24-25}.

وفي قوله (لكم) زيادة في تصوير ما كان من المتثاقلين ـ وهم غير كثير ـ وأنهم قد أعرضوا عن خير عظيم قد ووجهوا به وكوفحوا به مباشرة، فهم المنصوب لهم القول الملقي به في آذانهم، والمؤذن به في ديارهم، ومن كان هذا شأن دعوته لايكون منه إلا القومة نصرة للداعي، وهم الذين كانت أجدادهم في الجاهلية، لا تنتهى صرخة الاستنصار بهم إلا وهم على صهوات جيادهم، وقد عَلِقَتْ السيوفُ في عواتقهم يطيرون حيث المستنصر زرافات ووحدانا، فما بالهم اليوم، وقد سلك الله تعالى بفضله الإيمان في قلوبهم، وأقامهم من خلف أحب وأعظم من خلق من العالمين ؟

أي فعلة تلك التى كانت من تلك الشرذمة القليلة من المتثاقلين ؟

وأىُّ إخلاد إلى النعمة الزائلة الذي أخذ بهم ؟

وكم هي محطمةٌ مقاربةُ المحبةِ لشهواتِ الدنيا الدَّانية الدَّنِيَّة ؟

في قوله (لكم) تصوير لما كان من حالهم لايكون لنا علم به إذا ما طوي ذكره، ويزيد في هذا اقتدارًا تقديمُه على " انفروا..." فكأنهم قد بلغوا حدًا من الرغبة عن النِّفار في سبيل الله افتقروا معه إلى أن يقال لهم انفروا، وشأن المسلم أن يكون على أهبة واستعداد وتطلع إلى نعيم الجنة.

وقوله " (انفروا) جملة طلبية أُريد بها وجوب تحقيق ما طلب، وجاء البيان بالفعل (انفروا) دلالة على أنه لايراد منهم مجرد الخروج في سبيل الله على أي حال كان ذلك الخروج وإنما يراد منهم النفرة: أي الخروج السريع والفزع العظيم بجٍِّد دونما تَلَبُّثٍ وتردد أو تبيُّن، وكأنَّ أمرًا مُبِيرًا سيَحِلُّ بهم، فما عليهم إلا المبادرة والمسارعة إلى الخروج في سبيل الله.

ويبقى افْـتِـقاري إلى النظر في تعدية الفعل (انفروا) بـ" في" من دون قوله " إلى" كما يهدي إليه ظاهر النظر، إذ يقال: نفر إليه ونفر عنه.

يقول " الطبري":" انفروا: أي اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم وأصل " النفر" مفارقة مكان إلى مكان لأمر هاجه على ذلك، ومنه نفور الدَّابة غير أنَّه يقال من النفر إلى العزو: " نفر فلان إلى ثغر كذا ينفر نفرًا ونفيرًا ".

وأحسب أن هذا من الفروق التى يفرقون بها بين اختلاف المخبر عنه، وإن اتفقت معانى الخبر، فمعنى الكلام: مالكم أيها المؤمنون، إذا قيل لكم: اخرجوا غزاة (في سبيل الله) أي في جهاد أعداء الله "(1).

يقول " الزمخشري "(2) في " أساس البلاغة ": " ونَفَرَ القومُ إلى الثَّغْـرِ نَفيرًا، وجاء نفيرُ بنى فلانٍ ونَفْرُهُم وَنَفْرَتُهُم، وهم الجماعة الذين ينفرون إلى العدو " اهـ.

وكأنَّ مآل المعنى: انفروا إلى الجهاد سائرين في سبيل الله، فلا يكون الجار والمجرور" في سبيل الله" متعلقا بالفعل " انفروا" بل متعلقا محذوف حال من فاعل الفعل "انفر" فهو من ضروب الإيجاز

بالحذف اللطيف أنت تراه قد حذف متعلِّق الفعل المحذوف، وذكر متعلقِّ الحال المحذوف، وكأنَّ في هذا إيماءً إلى أن النِّفارَ الذي هو مناط الطلب إنما هو النفارُ إلى الجهاد، وأن غيره ليس محلا لأن يطلب وأن يحمل الناس عليه وأن يوبخوا على التقاعس عنه،وفي هذا إبلاغ عظيم في تصويرمنزلة الجهاد في سبيل الله تعالى، فكأنَّ من عطاء اسلوب الحذف هنا الإبلاغ في تصوير المعنى المراد، فانظر كيف يكون ترك الذكر إبلاغًا في الإبانة عن معانيك، فليست العبرة في بيان العربية أن يكثر ملفوظ لسانك، بل العبرة أن يفيض مكنون جنانك من رحم قليل من ملفوظ لسانك.

وقوله (في سبيل الله) فيه تصوير لمن نفر إلى الجهاد مخلصا قصده ومطلبه بأنه إنما هو سائر في سبيل الله،ومن كان كذلك فإن قلبه غارق في الطمأنينة، لأن سبيل الله تعالى محصَّنٌ من أن يحوم من حوله من كان عدوًا لله تعالى، فهذا منادٍ للمجاهد أنك إن أخلصت النية واحتسبت، فاعلم أنك سائر في سبيل الله عز وجلَّ المحفوف بالعناية الربانية.

وأهل العلم شاع عنهم أنهم يقولون إن قوله (في سبيل الله) يراد به مجاهدة أعداء الله تعالى وما هذا منهم إلا من تخصيص الدلالة العامة وكأنَّ فيه صورة من صور مايعرف عند البلاغيين بالمجاز المرسل حيث عبر بالكلِّ وأراد بعضه، أو عبر بالمطلق وأراد المقيد.

وهذا من الإبلاغ في تصوير منزلة الجهاد على الرغم من أن كل عمل صالح (أي أريد به وجه الله تعالى ووافق الشرع) فاعله سائر في سبيل الله تعالى.

وفي اصطفاء(في)إيماءإلى احتواء العناية الربانية من يسير فيه بدْءًا ومنتهى وفي اصطفاء كلمة " سبيل" إيماء إلى أنَّ فيه امتدادًا وسهولة، يقال: للمطر " سَبَلٌ" إذا ما كان نازلا، وإسبال الثياب امتدادها أسفل الكعبين، وفي هذا إيماء إلى أن سبيل الله إلى الجنة ممدود لايتناهى يتفاوت العباد في اجتيازه، وهذا فيه حثٌ على ان يشمر المسلم عن ساقيه.

(يَأيُّها الَّذينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصَابُرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوااللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ){آل عمران }.

ويأتي قوله (اثاقلتم) دالا بما فيه من ذلك الإدغام على جسامته، فهو تثاقلٌ جد جسيم، والتثاقل فيه معنى التساقط، إيماء لهم أنهم من قبل حالهم هذه كانوا في علياء وتَرَفُّعٍ عمَّا هو لائط بالأرض.

وهذا لايكون من العبد إلا إذا اعتراه ما يعطل طاقاته الحافزة على النهوض المتسارع إلى ما يُدْعَى إليه وكأنَّ في هذا مقابلةً بين ما طلب منهم: (انفروا)، وما كان منهم: (اثقالتهم).

كان من النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لهم دعوة إلى المسارعة والمبادرة والفزع إلى ما أمروا به،وكان منهم نقيض ذلك: التثاقل إلـى الأرضِ.

إنها لمفارقة تصور عظيم ما وقع فيه المتثاقلون ـ وهم من الصحابة قليل ـ مفارقة ترهب وترعب، كيف يكون من مسلم ما هو مناقض تماما لما يدعوه إليه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قصدًا ومواجهة ؟!!

إن النفس المؤمنة لاتكاد تطيق مجرد الحسبان أن ذلك يمكن أن يكون منها.

وفي هذا ابلاغ في تصوير فداحة ما كان، وفي الوقت نفسه فيه إبلاغ في تصور الأثر المقيت لمقاربة محبة شهوات الدنيا وإفساح مكان لها في قلوبنا ونقلها مما جُعِلَ لها من مكان غير قرارفي أيْـدِيـنا إلى قرارٍ مكيـن في أفئدتنا.

إن أثر ذلك جد عظيم: أدناه أن يجعل صاحبه يقابل دعوة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى الفزع للجَنَّة والمسارعة إلى ملاقاة رب العالمين ـ يقابل هذه بما هو نقيضه، وكأنَّه ضربٌ من التحدي والمجابهة هذا أدنى ما تُسْقِطُ مقاربة حب شهوات الدنيا صاحبها فيه فكيف بما فـوقه ؟

وأهل العلم يقولون إنه قد عُدِّي الفعل " اثاقلتم" بإلى لتضمنه معنى " مال " و" أخلد " فكانه قيل: إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله ملتم وأخلدتم إلى الأرض، فالتضمين عندهم: " إشراب لفظ معنى لفظ آخر، فيعطى حكمه في تعديته بالحرف الذي يتعدى به الثانى ".

وهم يرون في هذا جمعا للفظ بين المعنيين، فيكون في الحرف المُعَدِّي قرينة على المعنى المُضَمَّنِ من اللفظ الآخر ممزوجا في المعنى الأصلى للفظ الدال عليه لفظه المنطوق.

يقول " الزمخشري ": " (اثاقلتم)...أي تباطأتم وتقاعستم، وضمن معنى الميل والإخلاد، فعدي بإلى، والمعنى: ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه ونحوه ـ أخلد إلى الأرض واتبع هواه ـ وقيل ملتم إلى الإقا مة بأرضكم ودياركم" (3)

ويقول عصريه: ابن عطيه ت: 546 " وقوله:(اثاقلتم إلى الأرض) عبارة عن تخلفهم ونُكُولِهم وتركهم الغزو لسكنى ديارهم والتزام نخلهم وظلالهم وهونحو من أخلد إلى الارض " (4) .

وإذا ما نظرت في دلالة الفعل الذي قيل إن فعل(اثاقلتم) قد ضمن معناه وهو(مال) رأيت أن في هذا الفعل(مال) وداعة ورقة في التصوير لاتتناغى مع عنف ما كان منهم.

وإذا قلنا إنه مضمن الفعل (أخلد) فإن في هذا الفعل معنى السكون إلى الشيء، وهـذا المدلـول مفتقـر إلى الحركة التـى تراها في قولـه (اثـاقـلـتم) ومفتقر إلى معنى القوة والعنف الذي تراه في (اثاقـلتـم) القول بالتضمين هنا فيه ضعف، فإن في قوله (اثاقلتم) معنى التساقط من علو، وهذا المعنى لاتجد منه شيئا في الفعل (مال) و(أخلد) .

ومن أهل العلم بلسان العربية على أن " اثاقل" مما يتعدى بإلى من غير تضمينه معنى فعل آخر، وهذا مأ أميـل إليْـه.

وفي قوله: (اثاقلتم إلى الأرض) استعارة تمثيلية، فقد شيه حال من يدعى إلى الفزع إلى المجاهدة في سبيل الله وهو كاره ما يدعى إليه راكنٌ إلى متاع الدنيا بحال من يدعى إلى ما هو أعلى فيتساقط رغبة عن العلو.

وهذا مما يقيم حالهم في صورة مشهودة تصويرًا لمقدارحالهم،وما بلغوه من التمسك بنعيم حاضرناقص زائل،ورغبة عن نعيم مقيم خالد.

وليس شك في أن تصوير حالهم في الرغبة عن الدعوة إلى الجهاد في هذه الصورة الحسية تقرير لها في النفوس لتنفر منها وتتقي أن تكون من أهلها، فكل عاقل يأبى أن يكون في حال كحال من يرفع عـمَّا هو دنيءٌ ومستقذر فيتساقط فيه ويرغب عن الارتفاع عنه.

وفي اصطفاء هذه الصيغة " اثَّاقلتم" تصوير بجرسها لدقائق ولطائف معناها، وهذا نهج من أنهاج البيان القرآني في تصوير معانيه، وقد أشرت لك من قبل إلى أبعاد الكلمة القرآنية، وقلت لك إنَّ كل بعد منها رافد من روافد الإبانة عن معانى الهدى.

وقد كانت للأستاذ " الشهيد": سيِّد قطب " ـ رفع الله ذكره في عباده الصالحين ـ(5) عناية حميدة بكثير من تصوير القرآن الكريم معانيه بجَرْس كلماته،يقول في هذه الآية:

" إنها ثقْلةُ الأرضِ ومطامعُ الأرضِ،وتصورات الأرضِ ثقلة الخوف على الحياة،والخوف على المال، والخوف على اللذائذ والمصالح والمتاع، ثقلة الدعة والراحة والاستقرار، ثقلة الذات الفانية،والأجلِ المحدودِ،والهدفِ القريبِ، ثقلة اللحمِ والدَّمِ والترابِ.

والتعبير يُلْقِي كلّ هذه الظلال بجَرْسِ ألْفأظه " اثاقلتم" وهي بجرسها تمثل الجسم المسترخى الثقيل، يرفعه الرافعون في جهد فيسقط منهم

في ثقلٍ ويلقيها بمعنى ألفاظها:" اثاقلتم إلى الأرضِ" وما لها من جاذبية تشد إلى أسفل وتقاوم رفرفة الأرواح وانطلاق الأشواق "(6).

وهذا من الأستاذ دالٌ على رهافة حسَّه البياني، فقد كان ذا منزلة في فقه ظلال المعانى، لاسيما المعانى التى تحفز الأمة إلى الاستشراف إلى شرف العزة والمنعة.

ويذهب " الطاهر بن عاشور "(7) " إلى أن " قوله: " إلى الأرض " كلام موجه بديع: لأن تباطؤهم عن الغزو، وتطلبهم العذر كان أعظم بواعثه رعبتهم البقاء في حوائطهم وثمارهم حتى جعل بعض المفسرين معنى: اثاقلتم إلى الأرض: ملتم إلى أرضكم ودياركم "(8) .

ويمكن أن تذهب إلى أنَّ في قوله " إلى الأرض" تورية " فيكون لها معنيان أحدهما قريب غير مقصود إليه قصدًا رئيسًا والآخر بعيد هو المقصود إليه قصدًا رئيسًا:

والتوجيه الذي ذكره " الطاهر " هو ضرب من ضروب البديع عند البلاغيين،وهم يريدون به:" إيراد كلام محتمل لوجهين مختلفين " والاختلاف هنا اختلاف تباين لااختلاف تضاد.

ويمكن أن تذهب إلى أنَّ في قوله " إلى الأرض" تورية " فيكون لها معنيان أحدهما قريب غير مقصود إليه قصدًا رئيسًا والآخر بعيد هو المقصود إليه قصدًا رئيسًا:

الأول هو الأرض المعروفة لنا، أو الأرض التى كانوا قد أخلدوا إلى ظِلِّها، كما جاء في أسباب النزول والأخر هو ما سفل من المنزلة والدرجة.

الأول خاص مرتبط بسبب النزول والثاني عام صالح لكل من تساقط عن العلِيِّ من المنازل الماجدة إلى الدركات السافلة من متع الحياة الدنيا في كل شأن من شئون الحياة.

وفي الوجهين تثريب عظيم لا يطيقه عربي فضلا عن عربي مسلم صحابي، فشأن العربي أنَّه أهل تجارة وجهاد، وليس أهل زراعة.

وقد هدى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى أنَّه قد جعلت الجنة تحت ظلِّ السيف.

روى الشيخان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه قال: " اعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف" (الرواية لمسلم ـ الجهاد:ح.ر:2./ 1742) .

فمن مال إلى ظلِّ شجرة وأعرض عن ظل السيف فقد غبن نفسه، وشأن العربي القُحّ أنَّه لايرضى الدنية في شيء من حياته، فكيف بعربي مسلم صحابي ؟!!

ومن ثَمَّ جاء الاستفهام الإنكاري التوبيخي التسفيهي الدَّال على ضلال الاختيار في الجملة التى من بعدها:


1- جامع البيان لابن جرير: 6/417م.س

2- هو محمود بن عمربن مجمد الخوارزمي الحنفي المعتزلىالمعروف بالزمخشري نسبة إلى" زمخشر"- (467-) من آثاره تفسير: الكشاف، ومعجم "أساس البلاغة" والمفصل في النحو.

3الكشاف للزمخشري:2/189 ط: مصطفي الحلبي:1392

4- المجرر الوجيز: 8/148م.س

5- هو سيد بن قطب بن إبراهيم بن حسين بن شاذلى (19.6-1966)من آثاره: تفسير في ظلال القرآن، والتصوير الفني في القرآن ومشاهد القيامة في القرآن والنقد الأدبي، وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته ومعالم في الطريق، وهو العدو اللدود للعلمانبين وأخدان الماسونية العالمية.

6- في ظلال القرآن:ص1655

7هو العلامة: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن محمد بن محمد بن عاشور 1296-1393ه) مفتى تونس،منآثاره تفسيره التحرير والتنويروكشف الغطى في أحاديث الموطا، والمقدمةالأدبية: مقدمة المرزوقي شرح ديوان الحماسة، وتحقيق ديوان بشار بن برد، ومقاصد الشريعة،واصول النظام الاجتماعى في الإسلام، وتحقيق ديوان النابغة الذبياني.

8- التحرير والتنوير:ج1./ 189 الدار التونسية للنشر.