سورة سبأ

لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور (15) فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل (16)

242 - ابن كثير قال أبو بكر بن عياش: عن أبي حمزة الثمالي، عن عكرمة قال في كاهن سبأ: إنه قال لقومه لما دنا منهم العذاب: من أراد سفرا بعيدا وحملا شديدا، فعليه بعمان، ومن أراد الخمر والخمير، وكذا وكذا والعصير، فعليه ببصرى - يعني الشام - ومن أراد الراسخات في الوحل، والمقيمات في المحل فعليه بيثرب ذات النخل.

فخرج قوم إلى عمان وقوم إلى الشام، وهم غسان، وخرج الأوس والخزرج - وهم بنو كعب بن عمرو - وخزاعة حتى نزلوا يثرب، ذات النخل، فلما كانوا ببطن مر قالت خزاعة: هذا موضع صالح لا نريد به بدلا، فنزلوا، فمن ثم سميت خزاعة، لأنهم تخزعوا من أصحابهم.

وتقدمت الأوس والخزرج حتى نزلوا بيثرب (1).

وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين (18)

243 - أحمد الطبرسي عن أبي حمزة الثمالي قال: دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال له: جعلني الله فداك! اخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين﴾.

قال له: ما يقول الناس فيها قبلكم ؟ قال: يقولون: انها مكة.

فقال: وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة.

قال: فما هو ؟ قال: إنما عنى الرجال.

قال: وأين ذلك في كتاب الله ؟ فقال: أوما تسمع إلى قوله عز وجل: ﴿وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله﴾ (2) وقال: ﴿وتلك القرى أهلكناهم﴾ (3) وقال: ﴿وسل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها﴾ (4) أفيسأل القرية أو الرجال أو العير ؟ قال: وتلا عليه آيات في هذا المعنى.

قال: جعلت فداك! فمن هم ؟ قال: نحن هم.

فقال: أو ما تسمع إلى قوله: ﴿سيروا فيها ليالي وأياما آمنين﴾ ؟ قال: آمنين من الزيغ (5).

244 - أحمد الطبرسي عن أبي حمزة الثمالي قال: أتى الحسن البصري (6) أبا جعفر (عليه السلام) فقال: جئتك لأسألك عن أشياء من كتاب الله.

فقال أبو جعفر: ألست فقيه أهل البصرة ؟ قال: قد يقال ذلك.

فقال له أبو جعفر (عليه السلام): هل بالبصرة أحد تأخذ عنه ؟ قال: لا، قال: فجميع أهل البصرة يأخذون عنك ؟ قال: نعم.

فقال أبو جعفر: سبحان الله لقد تقلدت عظيما من الأمر، بلغني عنك أمر فما أدري أكذاك أنت، أم يكذب عليك ؟ قال: ما هو ؟ قال: زعموا أنك تقول: إن الله خلق العباد ففوض إليهم أمورهم.

قال: فسكت الحسن.

فقال: أرأيت من قال الله له في كتابه: إنك آمن، هل عليه خوف بعد هذا القول منه ؟ فقال الحسن: لا.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): اني أعرض عليك آية وأنهي إليك خطابا، ولا أحسبك الا وقد فسرته على غير وجهه، فان كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت.

فقال له: ما هو ؟ قال: أرأيت حيث يقول: ﴿وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين﴾.

يا حسن بلغني انك أفتيت الناس فقلت هي مكة.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) فهل يقطع على من حج مكة وهل يخاف أهل مكة، وهل تذهب أموالكم ؟ قال: بلى.

قال: فمتى يكونون آمنين ؟ بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن.

فنحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول الله عز وجل، فمن أقر بفضلنا حيث بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها، قرى ظاهرة، والقرى الظاهرة: الرسل، والنقلة عنا إلى شيعتنا، وفقهاء شيعتنا إلى شيعتنا.

وقوله تعالى: ﴿وقدرنا فيها السير﴾ فالسير مثل للعلم، سير به ليالي وأياما، مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم، في الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، آمنين فيها إذا أخذوا منه، آمنين من الشك والضلال، والنقلة من الحرام إلى الحلال، لأنهم أخذوا العلم ممن وجب لهم أخذهم إياه عنهم، بالمعرفة، لأنهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا، ذرية مصطفاة بعضها من بعض، فلم ينته الاصطفاء إليكم، بل إلينا انتهى، ونحن تلك الذرية المصطفاة، لا أنت ولا أشباهك يا حسن، فلو قلت لك - حين ادعيت ما ليس لك، وليس إليك: يا جاهل أهل البصرة! لم أقل فيك إلا ما علمته منك، وظهر لي عنك، وإياك أن تقول بالتفويض فان الله عز وجل لم يفوض الأمر إلى خلقه، وهنا منه وضعفا، ولا أجبرهم على معاصيه ظلما (7).

قل إنما أعظكم بوحدة.... (46)

245 - فرات الكوفي معنعنا عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ﴿قل إنما أعظكم بوحدة﴾ قال: إنما أعظكم بولاية علي وهي الواحدة التي قال الله: إنما أعظكم بواحدة (8).

ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب (51)

246 - الفضل الطبرسي قال أبو حمزة الثمالي: سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) والحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام) (9) يقولان: هو جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم.

قال: وحدثني عمرو بن مرة (10) وحمران بن أعين انهما سمعا مهاجرا المكي يقول: سمعت أم سلمة تقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث الله إليه جيشا حتى إذا كانوا بالبيداء بيداء المدينة خسف بهم (11).

وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد (52)

247 - في تفسير علي بن إبراهيم قال: (12) أخبرنا الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله ﴿وأنى لهم التناوش من مكان بعيد﴾ قال: انهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال وقد كان لهم مبذولا من حيث ينال (13).


1- الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولى زيد بن ثابت الأنصاري. (ت 110 ه?).

2- الاحتجاج: ج 2، احتجاجات الإمام الباقر، ص 327.

3- تفسير فرات الكوفي: ص 345، ح 1. ورواه الكليني في (الكافي): ج 1، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 41، ص 420، قال: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة مثله. ورواه القمي في تفسيره: ج 2، ص 204، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي مثله. قلت: وهو من التفسير بالمصداق أو التأويل.

4- الملقب بالحسن المثنى: كان جليلا رئيسا فاضلا ورعا، كان يلي صدقات أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقته، وحضر مع عمه الحسين (عليه السلام) يوم الطف ونصره. وقيل إنه أسر وكان به جراح قد شفي منه. (مستدركات علم رجال الحديث: ج 2، الترجمة 3439) ذكره ابن حبان في كتاب الثقات: ج 4، ص 121.

5- عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي أبو عبد الله الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس مات سنة ثمان عشرة ومائة (تقريب التهذيب).

6- مجمع البيان: ج 8، ص 513. في الدر المنثور: ج 5، ص 241: أخرج بن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أم سلمة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول يعوذ عائذ بالحرم فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم قلت يا رسول الله فكيف بمن يخرج كارها ؟ قال: يخسف به معهم ولكنه يبعث على نيته يوم القيامة.

7- الظاهر أن الراوي هو أبو الفضل العباس بن محمد لروايته عن الحسين بن محمد وهو شيخه، للتفصيل راجع ص 103.

8- تفسير القمي: ج 2، ص 206.

9- تقدم اسناده إلى الحصين ص 119.

10- الأصبغ بن نباتة التميمي الحنظلي الكوفي، يكنى أبا القاسم، وهو غني عن الترجمة.

11- الأمالي الخميسية: ج 1، ص 48. في الدر المنثور: ج 5، ص 250: أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل في قوله * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * قال: أعلمهم بالله أشدهم له خشية.

12- معاني الأخبار: باب معنى الظالم لنفسه والمقتصد والسابق، ح 3، ص 105. في كتاب (أرجح المطالب في عد مناقب أسد الله الغالب) ص 86: عن علي في قوله تعالى: * (ثم أورثنا الكتاب) * الآية، قال: نحن أولئك (أخرجه ابن مردويه).

13- مخفف عن قولهم " أي شئ ".