سورة آل عمران القسم الأوّل

زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقنطير المقنطرة من الذهب والفضة... (14)

35 - الثعلبي عن أبي حمزة الثمالي قال: القنطار بلسان إفريقية والأندلس ثمانية ألف مثقال من ذهب أو فضة (1).

36 - الثعلبي وروى الثمالي عن السدي قال: القنطار أربعة ألف مثقال (2).

إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العلمين (33) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34)

37 - العياشي عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قضى محمد (صلى الله عليه وآله) نبوته واستكملت أيامه أوحى الله: يا محمد! قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك من الايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب في ذريتك، فاني لم أقطع العلم والايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم وذلك قول الله ﴿إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العلمين (33) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34)﴾.

وإن الله جل وتعالى لم يجعل العلم جهلا ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل، ولكنه أرسل رسلا من ملائكة، فقال له كذا وكذا.

فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره، فقص عليه أمر خلقه بعلمه فعلم ذلك العلم وعلم أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء والأعوان والذرية التي بعضها من بعض فذلك قوله: ﴿فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما﴾ فأما الكتاب فهو النبوة، واما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء في الصفوة، واما الملك العظيم فهم الأئمة الهداة في الصفوة وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض التي جعل فيهم البقية، وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا، وللعلماء وبولاة الأمر الاستنباط للعلم والهداية (3).

38 - الصدوق حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم (عليه السلام) أن لا يقرب الشجرة، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله تبارك وتعالى أن يأكل منها نسي فأكل منها، وهو قول الله تبارك وتعالى: ﴿ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما﴾ (4).

فلما أكل آدم من الشجرة أهبط إلى الأرض، فولد له هابيل وأخته توأما، وولد له قابيل وأخته توأما.

ثم إن آدم أمر هابيل وقابيل أن يقربا قربانا وكان هابيل صاحب غنم، وكان قابيل صاحب زرع فقرب هابيل كبشا وقرب قابيل من زرعه ما لم ينق، وكان كبش هابيل من أفضل غنمه وكان زرع قابيل غير منقى، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، وهو قول الله عز وجل: ﴿واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين﴾ (5).

وكان القربان إذا قبل تأكله النار، فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتا وهو أول من بنى للنار البيوت، وقال: لأعبدن هذه النار حتى يتقبل قرباني.

ثم إن عدو الله إبليس قال لقابيل: إنه قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك فإن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك، فقتله قابيل، فلما رجع إلى آدم (عليه السلام) قال له: يا قابيل أين هابيل ؟ فقال: ما أدري وما بعثتني له راعيا، فانطلق آدم فوجد هابيل مقتولا فقال: لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل، فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة.

ثم إن آدم (عليه السلام) سأل ربه عز وجل أن يهب له ولدا فولد له غلام فسماه هبة الله لأن الله عز وجل وهبه له، فأحبه آدم حبا شديدا.

فلما انقضت نبوة آدم (عليه السلام) واستكملت أيامه أوحى الله تعالى إليه أن يا آدم إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك عند ابنك هبة الله، فإني لن أقطع العلم والايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك إلى يوم القيامة، ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي

ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح.

وذكر آدم (عليه السلام) نوحا (عليه السلام) وقال: إن الله تعالى باعث نبيا اسمه نوح وإنه يدعو إلى الله عز وجل فيكذبوه فيقتلهم الله بالطوفان.

وكان بين آدم وبين نوح (عليهما السلام) عشرة آباء كلهم أنبياء الله، وأوصى آدم إلى هبة الله أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق به فإنه ينجو من الغرق.

ثم إن آدم (عليه السلام) لما مرض المرضة التي قبض فيها أرسل إلى هبة الله فقال له: إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فأقرئه مني السلام وقل له: يا جبرئيل إن أبي يستهديك من ثمار الجنة، ففعل.

فقال له جبرئيل: يا هبة الله إن أباك قد قبض وما نزلت إلا للصلاة عليه فارجع فرجع فوجده أباه قد قبض، فأراه جبرئيل (عليه السلام) كيف يغسله، فغسله حتى إذا بلغ الصلاة عليه قال هبة الله: يا جبرئيل تقدم فصل على آدم فقال له جبرئيل (عليه السلام): يا هبة الله إن الله أمرنا أن نسجد لأبيك في الجنة فليس لنا أن نؤم أحدا من ولده، فتقدم هبة الله فصلى على آدم وجبرئيل خلفه وحزب من الملائكة وكبر عليه ثلاثين تكبيرة بأمر جبرئيل فرفع من ذلك خمسا وعشرون تكبيرة والسنة فينا اليوم خمس تكبيرات، وقد كان (صلى الله عليه وآله) يكبر على أهل بدر سبعا وتسعا.

ثم إن هبة الله لما دفن آدم أباه أتاه قابيل فقال له: يا هبة الله إني قد رأيت آدم أبي خصك من العلم بما لم أخص به وهو العلم الذي تعالى به أخوك هابيل فتقبل قربانه وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون: نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي لم يتقبل قربانه فإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل.

فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة حتى بعث نوح وظهرت وصية هبة الله حين نظروا في وصية آدم فوجدوا نوحا (عليه السلام) قد بشر به أبوهم آدم، فأمنوا به واتبعوه وصدقوه، وقد كان آدم وصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيد لهم، فيتعاهدون بعث نوح (عليه السلام) في زمانه الذي بعث فيه، وكذلك جرى في وصية كل نبي حتى بعث الله تبارك وتعالى محمدا (صلى الله عليه وآله).

وإنما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم وهو قول الله عز وجل ﴿ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين﴾ (6).

وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من استعلن من الأنبياء، وهو قول الله عز وجل ﴿ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك﴾ (7) يعني من لم يسمهم من المستخفين كما سمى المستعلنين من الأنبياء.

فمكث نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما لم يشاركه في نبوته أحد، ولكنه قدم على قوم مكذبين للأنبياء الذين كانوا بينه وبين آدم، وذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿كذبت قوم نوح المرسلين﴾ (8) يعني من كان بينه وبين آدم إلى أن ينتهي إلى قوله: ﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾ (9).

ثم إن نوحا لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى الله عز وجل إليه يا نوح إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك عند سام فإني لن أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين بينك وبين آدم، ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني، وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر، وليس بعد سام إلا هود، فكان ما بين نوح وهود من الأنبياء مستخفين ومستعلنين.

وقال نوح: إن الله تبارك وتعالى باعث نبيا يقال له: هود وإنه يدعو قومه إلى الله عز وجل فيكذبونه، وإن الله عز وجل مهلكهم بالريح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فان الله تبارك وتعالى ينجيه من عذاب الريح، وأمر نوح ابنه سام أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة، ويكون يوم عيد لهم فيتعاهدون فيه بعث هود وزمانه الذي يخرج فيه، فلما بعث الله تبارك وتعالى هودا نظروا فيما عندهم من العلم والإيمان وميراث العلم والاسم الأكبر وآثار علم النبوة فوجدوا هودا نبيا وقد بشرهم به أبوهم نوح فآمنوا به وصدقوه واتبعوه فنجوا من عذاب الريح، وهو قول الله عز وجل: ﴿وإلى عاد أخاهم هودا﴾ (10) وقوله: ﴿كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون﴾ (11) وقال عز وجل: ﴿ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب﴾ (12) وقوله: ﴿ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا (لنجعلها في أهل بيته) ونوحا هدينا من قبل﴾ (13) لنجعلها في أهل بيته، فآمن العقب من ذرية الأنبياء من كان من قبل إبراهيم لإبراهيم (عليه السلام).

وكان بين هود وإبراهيم من الأنبياء عشرة أنبياء وهو قوله عز وجل: ﴿وما قوم لوط منكم ببعيد﴾ (14) وقوله: ﴿فآمن له ولوط وقال إني مهاجر إلى ربى﴾ (15) وقول إبراهيم ﴿إني ذاهب إلى ربى سيهدين﴾ (16) وقوله جل وعز: ﴿وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم﴾ (17) فجرى بين كل نبي ونبي عشرة آباء وتسعة آباء وثمانية آباء كلهم أنبياء وجرى لكل نبي ما جرى لنوح وكما جرى لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم (عليهم السلام) حتى انتهى إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام).

ثم صارت بعد يوسف في الأسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى بن عمران.

وكان بين يوسف وموسى (عليهما السلام) عشرة من الأنبياء، فأرسل الله عز وجل موسى وهارون إلى فرعون وهامان وقارون، ثم أرسل الله عز وجل الرسل تترى ﴿كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث﴾ (18).

وكانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم نبيين وثلاثة وأربعة حتى أنه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبيا ويقوم سوق قتلهم في آخر النهار، فلما أنزلت التوراة على موسى بن عمران (عليه السلام) تبشر بمحمد (صلى الله عليه وآله).

وكان بين يوسف وموسى (عليهما السلام) من الأنبياء عشرة، وكان وصي موسى بن عمران يوشع بن نون وهو فتاه الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه.

فلم تزل الأنبياء (عليهم السلام) تبشر بمحمد (صلى الله عليه وآله) وذلك قوله: ﴿يجدونه﴾ يعني اليهود والنصارى ﴿مكتوبا﴾ يعني صفة محمد واسمه ﴿عندهم في التورة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر﴾ (19) وهو قول الله عز وجل يحكي عن عيسى بن مريم ﴿ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد﴾ (20) فبشر موسى وعيسى (عليهما السلام) بمحمد (صلى الله عليه وآله) كما بشرت الأنبياء بعضهم بعضا حتى بلغت محمدا (صلى الله عليه وآله).

فلما قضى محمد (صلى الله عليه وآله) نبوته واستكملت أيامه أوحى الله عز وجل إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، وذلك قوله عز وجل: ﴿إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العلمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم﴾ (21) فان الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلا، ولم يكل أمره إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه أرسل رسولا من ملائكته إلى نبيه فقال له: كذا وكذا، وأمره بما يحب، ونهاه عما ينكر، فقص عليه ما قبله وما خلفه بعلم، فعلم ذلك العلم أنبياءه وأصفياءه والإخوان بالذرية التي بعضها من بعض، فذلك قوله عز وجل: ﴿فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما﴾ (22)، فأما الكتاب فالنبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء والأصفياء من الصفوة، وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض الذين جعل الله عز وجل فيهم النبوة وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا، فهم العلماء وولاة الأمر وأهل استنباط العلم والهداة.

فهذا بيان الفضل في الرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله وأهل استنباط علم الله وأهل آثار علم الله عز وجل وأهل آثار علم الله عز وجل من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء من الآل والإخوان والذرية من بيوتات الأنبياء، فمن عمل بعملهم وانتهى إلى أمرهم نجا بنصرهم، ومن وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله في غير أهل الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله عز وجل وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فكذبوا وزاغوا عن وصية الله وطاعته فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى فضلوا وأضلوا أتباعهم فلا تكون لهم يوم القيامة حجة إنما الحجة في آل إبراهيم لقول الله عز وجل: ﴿فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما﴾ فالحجة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء حتى تقوم الساعة لأن كتاب الله ينطق بذلك ووصية الله جرت بذلك في العقب من البيوت التي رفعها الله تبارك وتعالى على الناس فقال: ﴿في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه﴾ (23) وهي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى، فهذا بيان عروة الايمان التي بها نجا من نجا قبلكم وبها ينجو من اتبع الأئمة، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه ﴿ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العلمين ومن آبائهم وذريتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين﴾ (24)

فإنه وكل بالفضل من أهل بيته من الآباء والإخوان والذرية، وهو قول الله عز وجل في كتابه: ﴿فإن يكفر بها هؤلاء (أمتك) فقد وكلنا﴾ أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون بها أبدا، ولا أضيع الإيمان الذي أرسلتك به وجعلت أهل بيتك بعدك علما على أمتك وولاة من بعدك وأهل استنباط علمي الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا وزر ولا بطر ولا رياء، فهذا تبيان ما بينه الله عز وجل من أمر هذه الأمة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله).

إن الله تعالى طهر أهل بيت نبيه وجعل لهم أجر المودة وأجرى لهم الولاية وجعلهم أوصياءه وأحباءه وأئمته بعده في أمته، فاعتبروا أيها الناس فيما قلت وتفكروا حيث وضع الله عز وجل ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحجته، فإياه فتعلموا، وبه فاستمسكوا تنجوا، وتكون لكم به حجة يوم القيامة والفوز، فإنهم صلة ما بينكم وبين ربكم ولا تصل الولاية إلى الله عز وجل إلا بهم، فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يكرمه ولا يعذبه، ومن يأت الله بغير ما أمره كان حقا على الله أن يذله ويعذبه.

وإن الأنبياء بعثوا خاصة وعامة، فاما نوح فإنه أرسل إلى من في الأرض بنبوة عامة ورسالة عامة، وأما هود فإنه أرسل إلى عاد بنبوة خاصة، واما صالح فإنه ارسل إلى ثمود وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر صغيرة، واما شعيب فإنه ارسل إلى مدين وهي لا تكمل أربعين بيتا، واما إبراهيم نبوته بكوثى ربا وهي قرية من قرى السواد فيها بدا أول أمره، ثم هاجر منها وليست بهجرة قتال، وذلك قوله عز وجل: ﴿إني ذاهب إلى ربى سيهدين﴾ (25) فكانت هجرة إبراهيم بغير قتال، وأما إسحاق فكانت نبوته بعد إبراهيم، واما يعقوب فكانت نبوته بأرض كنعان ثم هبط إلى أرض مصر فتوفي بها، ثم حمل بعد ذلك جسده حتى دفن بأرض كنعان، والرؤيا التي رأى يوسف الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين فكانت نبوته في أرض مصر بدؤها.

ثم إن الله تبارك وتعالى أرسل الأسباط اثني عشر بعد يوسف، ثم موسى وهارون إلى فرعون وملائه إلى مصر وحدها.

ثم إن الله تبارك وتعالى أرسل يوشع بن نون إلى بني إسرائيل من بعد موسى فنبوته بدؤها في البرية التي تاه فيها بنو إسرائيل، ثم كانت أنبياء كثيرون منهم من قصه الله عز وجل على محمد (صلى الله عليه وآله) ومنهم من لم يقصه على محمد.

ثم إن الله عز وجل أرسل عيسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل خاصة فكانت نبوته ببيت المقدس وكان من بعده الحواريون اثنا عشر، فلم يزل الايمان يستسر في بقية أهله منذ رفع الله عز وجل عيسى (عليه السلام).

وأرسل الله عز وجل محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى الجن والإنس عامة وكان خاتم الأنبياء، وكان من بعده الاثنا عشر الأوصياء، منهم من أدركنا ومنهم من سبقنا، ومنهم من بقي، فهذا أمر النبوة والرسالة، فكل نبي أرسل إلى بني إسرائيل خاص أو عام له وصي جرت به السنة، وكان الأوصياء الذين بعد النبي (صلى الله عليه وآله) على سنة أوصياء عيسى (عليه السلام)، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سنة المسيح (عليه السلام)، فهذا تبيان السنة وأمثال الأوصياء بعد الأنبياء (عليهم السلام) (26).

هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (38) فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين (39)

39 - القطب الراوندي قال: وبهذا الاسناد (27) عن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما ولد يحيى (عليه السلام) رفع إلى السماء فغذي بأنهار الجنة حتى فطم، ثم نزل إلى أبيه وكان يضئ البيت بنوره (28).

فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكذابين (61)

40 - ابن شهرآشوب عن الثمالي (29) ﴿وأنفسنا﴾ رسول الله وعلي ﴿أبنائنا﴾ الحسن والحسين ﴿ونساءنا﴾ فاطمة (30).

41 - أبو الفرج الاصفهاني أخبرني علي بن العباس بن الوليد البجلي المعروف بالمقانعي الكوفي قال: أنبأنا بكار بن أحمد بن اليسع الهمداني قال: حدثنا عبد الله بن موسى، عن أبي حمزة، عن شهر بن حوشب.

قال: وأخبرني أحمد بن الحسين بن سعد بن عثمان إجازة قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حصين بن مخارق، حدثني أبو الجارود وأبو حمزة الثمالي، عن أبي جعفر قال: قدم وفد نصارى نجران وفيهم الأسقف، والعاقب وأبو حبش، والسيد، وقيس، وعبد المسيح، وابن عبد المسيح الحارث وهو غلام - وقال شهر بن حوشب في حديثه: وهم أربعون حبرا - حتى وقفوا على اليهود في بيت المدارس، فصاحوا بهم: يا بن صوريا يا كعب بن الأشرف، أنزلوا يا اخوة القرود والخنازير.

فنزلوا إليهم، فقالوا لهم: هذا الرجل عندكم منذ كذا وكذا سنة قد غلبكم! (31) احضروا الممتحنة لنمتحنه غدا.

فلما صلى النبي (صلى الله عليه وآله) الصبح، قاموا فبركوا بين يديه، ثم تقدمهم الأسقف فقال: يا أبا القاسم، موسى من أبوه ؟ قال: عمران.

قال: فيوسف من أبوه ؟ قال: يعقوب.

قال: فأنت من أبوك ؟ قال: أبي عبد الله بن عبد المطلب.

قال: فعيسى من أبوه ؟ فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانقض عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب﴾ (32) فتلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزا (33) الأسقف، ثم دير به مغشيا عليه، ثم رفع رأسه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: أتزعم ان الله جل وعلا أوحى إليك أن عيسى خلق من تراب! ما نجد هذا فيما أوحي إليك، ولا نجده فيما أوحي إلينا، ولا تجده هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم.

فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: ﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكذابين﴾.

فقال: أنصفتنا يا أبا القاسم، فمتى نباهلك ؟ فقال: بالغداة إن شاء الله تعالى.

وانصرف النصارى، وانصرفت اليهود وهي تقول: والله ما نبالي أيهما أهلك الله الحنيفية أو النصرانية.

فلما صارت النصارى إلى بيوتها قالوا والله انكم لتعلمون أنه نبي، ولئن باهلناه إنا لنخشى أن نهلك، ولكن استقيلوه لعله يقيلنا.

وغدا النبي (صلى الله عليه وآله) من الصبح وغدا معه علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم.

فلما صلى الصبح انصرف فاستقبل الناس بوجهه، ثم برك باركا، وجاء بعلي فأقامه بين يديه، وجاء بفاطمة فأقامها بين كتفيه، وجاء بحسن فأقامه عن يمينه، وجاء بحسين فأقامه عن يساره.

فأقبلوا يستترون بالخشب والمسجد فرقا أن يبدأهم بالمباهلة إذا رآهم، حتى بركوا بين يديه، ثم صاحوا: يا أبا القاسم، أقلنا أقالك الله عثرتك.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): نعم - قال: ولم يسأل النبي شيئا إلا أعطاه - فقال: قد أقلتكم فولوا.

فلما ولوا قال النبي (صلى الله عليه وآله): " أما والذي بعثني بالحق لو باهلتهم ما بقي على وجه الأرض نصراني ولا نصرانية إلا أهلكهم الله تعالى ".

وفي حديث شهر بن حوشب: ان العاقب وثب فقال: أذكركم الله أن نلاعن هذا الرجل! فوالله لئن كان كاذبا مالكم في ملاعنته خير، ولئن كان صادقا لا يحول الحول ومنكم نافخ ضرمة (34) فصالحوه ورجعوا (35).

إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77)

42 - العياشي عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، ومقل مختال، وملك جبار (36).

ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79)

43 - يحيى الشجري أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن أحمد الجوزداني المقري قال: حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن شهدل المديني قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن سعيد قال: حدثني أبي قال: حدثنا حصين بن مخارق السلولي، عن أبي حمزة، عن يحيى بن عقيل، عن علي (عليه السلام) قال: الربانيون العلماء (37).

44 - الطبري حدثت عن المنجاب قال: حدثنا بشر بن عمارة (38)، عن أبي حمزة الثمالي، عن يحيى بن عقيل في قوله: الربانيون والأحبار، قال: الفقهاء والعلماء (39).

إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعلمين (96) فيه آيات بينت مقام إبراهيم... (97)

45 - الفضل الطبرسي روي عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن الحسين أي البقاع أفضل ؟ فقلنا: الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم! فقال لنا: أفضل البقاع ما بين الركن والمقام.

ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله تعالى بغير ولايتنا لا ينفعه ذلك شيئا (40).

46 - في أصل سلام بن أبي عمرة (41) عن أبي حمزة قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك يا بن رسول الله قد يصوم الرجل النهار ويقوم الليل ويتصدق ولا يعرف منه إلا خيرا إلا أنه لا يعرف الولاية قال: فتبسم أبو جعفر (عليه السلام) وقال: يا ثابت انا في أفضل بقعة على ظهر الأرض، لو أن عبدا لم يزل ساجدا بين الركن والمقام حتى يفارق الدنيا لم يعرف ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا (42).


1- هود: 25.

2- النساء: 164.

3- الشعراء: 105.

4- الشعراء: 122.

5- الأعراف: 65.

6- الشعراء: 123 - 124.

7- البقرة: 132.

8- الأنعام: 84.

9- هود: 89.

10- العنكبوت: 26.

11- الصافات: 98.

12- العنكبوت: 16.

13- المؤمنون: 44.

14- الأعراف: 157.

15- الصف: 6.

16- آل عمران: 33 - 34.

17- النساء: 54.

18- النور: 36.

19- الأنعام: 84 - 89.

20- الصافات: 99.

21- إكمال الدين: باب اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام) وأن الأرض لا تخلو من حجة لله ح 2، ص 213.

22- الحديث معلق على ما قبله والاسناد هو: عن ابن بابويه، حدثنا أبي، حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابان. (ح 281، ص 216) اما طريق الراوندي إلى ابن بابويه، قال: أخبرنا جماعة منهم الاخوان الشيخ محمد وعلي ابنا علي بن عبد الصمد، عن أبيهما، عن السيد أبي البركات علي بن الحسين الحسيني، عن الشيخ أبي جعفر بن بابويه. (ح 235، ص 188).

23- قصص الأنبياء: ح 282، ص 216.

24- في الأصل: أبو الفرج الاصفهاني في الأغاني عن شهر بن حوشب، وعن عمر بن علي، وعن الكلبي، وعن أبي صالح، وعن ابن عباس، وعن الشعبي، وعن الثمالي، وعن شريك، وعن جابر، وعن أبي رافع، وعن الصادق، وعن الباقر، وعن أمير المؤمنين:.

25- مناقب آل أبي طالب: ج 3، باب إمامة السبطين (عليهما السلام)، فصل في إمامتهما (عليهما السلام)، ص 419.

26- ما بين المعقوفتين هنا وما بعدها ورد في نسخ أخر.

27- آل عمران: 59.

28- نزا: وثب.

29- الضرمة: الجمرة، يقال ما في الدار نافخ ضرمة، أي ما فيها أحد.

30- الأغاني: ج 12، خبر أساقفة نجران مع النبي، ص 226.

31- تفسير العياشي: ج 1، ح 68، ص 179. في كنز العمال: ج 16، ح 43818، عن ابن عمر: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر.

32- الأمالي الخميسية: ج 1، ص 45.

33- بشر بن عمار (عمارة) الخثعمي الكوفي المكتب: عده الشيخ الطوسي في رجاله، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، الترجمة 6.

34- جامع البيان في تفسير القرآن: ج 3، ص 233. في الدر المنثور: ج 2، ص 47: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: * (ربانيين) * علماء فقهاء.

35- مجمع البيان: ج 2، ص 607. أخرج الحاكم النيسابوري عن ابن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا بني عبد المطلب اني سألت الله لكم ثلاثا، أن يثبت قائمكم وان يهدي ظالكم وان يعلم جاهلكم وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء فلو ان رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار. قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك: ج 3، كتاب معرفة الصحابة، مناقب أهل البيت، ص 148).

36- سلام بن أبي عمرة: وثقه النجاشي ولا إشكال فيه، والطريق إلى الكتاب معتبر وهو يشتمل على عشر روايات أكثرها في ولاية أهل البيت وليس فيه شئ من الأحكام. (أصول علم الرجال: ص 345).

37- كتاب الأصول الستة عشر: أصل سلام بن أبي عمرة، ص 118.

38- مناقب علي بن أبي طالب: ص 112. في الدر المنثور: ج 2، ص 60: أخرج أحمد عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اني تارك فيكم خليفتين كتاب الله عز وجل حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

39- الغيبة: باب.

40- ، ح 2، ص 43.

41- في الأصل: قال الشعبي والثمالي.

42- مناقب آل أبي طالب: ج 1، باب ذكر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصل في غزواته (صلى الله عليه وآله)، ص 238. في تفسير ابن كثير: قال الشعبي: بدر بئر لرجل يسمى بدرا.