القسم الثالث

مكانته ومنزلته: يعد أبو حمزة الثمالي أحد الأوائل الذين تربوا في كنف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأخذوا الحديث عنهم ونهلوا من علومهم.

وقد أصبحت له بذلك منزلة سامية منهم (عليهم السلام) ومكانة بارزة بين أصحابهم، وقد تجلى ذلك بأمور: الأول: مدح الأئمة (عليهم السلام) أبا حمزة وتعظيمهم له واظهارهم قوة ايمانه وثبات عقيدته: قال الرضا (عليه السلام): أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه، وذلك أنه قدم أربعة منا، علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وبرهة من عصر موسى بن جعفر (عليهم السلام)، ويونس بن عبد الرحمن كذلك هو سلمان زمانه (1).

وقال أبو حمزة: كانت لي بنية سقطت فانكسرت يدها، فأتيت بها التيمي، فأخذها فنظر إلى يدها، فقال: منكسرة، فدخل يخرج الجبائر وأنا على الباب فدخلتني رقة على الصبية فبكيت ودعوت فخرج بالجبائر فتناول بيد الصبية فلم يربها شيئا، ثم نظر إلى الأخرى فقال: ما بها شئ، قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: يا أبا حمزة وافق الدعاء الرضاء فاستجيب لك في أسرع من طرفة عين (2).

وقال أبو حمزة: والله اني لعلى ظهر بعيري بالبقيع إذ جاءني رسول فقال: أجب يا أبا حمزة! فجئت وأبو عبد الله (عليه السلام) جالس، فقال: اني لأستريح إذا رأيتك... (3).

وقال الكاظم (عليه السلام) في حقه: كذلك يكون المؤمن إذا نور الله قلبه.

كان علمه بالوجه (4).

وقال أبو بصير: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: ما فعل أبو حمزة الثمالي ؟ فقلت: خلفته عليلا، قال: إذا رجعت إليه فاقرأه مني السلام واعلمه انه يموت في شهر كذا في يوم كذا.

قال أبو بصير: قلت: جعلت فداك والله لقد كان فيه انس وكان لكم شيعة، قال: صدقت ما عندنا خير لكم (5) من شيعتكم، معكم قال: إن هو خاف الله وراقب نبيه وتوقى الذنوب، فإذا هو فعل كان معنا في درجاتنا، قال علي: فرجعنا تلك السنة فما لبث أبو حمزة إلا يسيرا حتى توفي (6).

الثاني: إن أبا حمزة كان معتمد الأئمة في مناظرة المخالفين والاحتجاج على الخصوم: فقد عاصر أبو حمزة الثمالي الفترة التي استحكمت في المجتمع الاسلامي بعض الجماعات والفرق المنحرفة، كالمرجئة والخوارج والقدرية، فنصبوا منابر لآرائهم، وعقدوا حلقات جدل بينهم.

ومن المعضلات التي واجهت الأئمة (عليهم السلام) وصحبهم أن فكرة الارجاء قد استمالت عددا من علماء الأمة وأئمة المذاهب بدرجة أو بأخرى من الذين آثروا الدعة وحب السلامة، فلجأوا إلى موادعة الحكم الأموي، والذي وجد هو بدوره فيهم ضالته حيث أغمضوا عن موبقاته وجرائمه وعبدوا له طريق اغتصابه الخلافة من أهلها حينما أوجدوا لها مستساغا شرعيا.

ومن الطبيعي والحال هذه أن نرى تصدي أصحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وفي طليعتهم أبي حمزة الثمالي لتلك الجماعات والدخول معها في نزاعات واحتجاجات، لتفنيد آرائها والوقوف أمام انتشار عقائدها، ومن ورائه في ذلك كله أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يمدونه بمعين أفكارهم ويلقنونه بتأويل ما اشتبه على تلك الفرق من معاني الآيات وأصول الاعتقادات.

فعند أحد تلك المواقف لأبي حمزة مع المرجئة يسخر الإمام الباقر (عليه السلام) من هذه الفرقة الضالة التي زينت لها أهواؤها التمسك بظواهر بعض الآيات فأشادت عليها عقائدها وبنت أفكارها.

قال أبو حمزة لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): إن المرجئة يخاصموننا في هذه الآيات: ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون - إلى قوله - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾ (7).

فقلت انهم يزعمون أنها في بني إسرائيل، فقال (عليه السلام): نعم الاخوة نحن لبني إسرائيل إن كان حلو القرآن لنا، ومره لهم، نزلت فيهم ثم جرت فينا (8).

وما زال الأئمة (عليهم السلام) يحثون أبا حمزة على مقارعة مبتدعي هذه الفرق ومجانبة عقائدهم والبراءة منهم، لما لهم من خطر على عقائد المسلمين.

قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) لأبي حمزة: ابرؤا من خمسة: المرجئة، والخوارج، والقدرية، والشامي (9)، والناصب (10).

واستدعاه الإمام الصادق (عليه السلام) يوما فأطلعه على حقائق خفيت على بعض الشيعة فيما ارتأوا من شروط في الإمامة، وأقام له الحجة عليهم.

قال أبو حمزة: والله اني لعلى ظهر بعيري بالبقيع إذ جاءني رسول فقال: أجب يا أبا حمزة!.

فجئت وأبو عبد الله (عليه السلام) جالس، فقال: اني لأستريح إذا رأيتك، ثم قال: ان أقواما يزعمون أن عليا (عليه السلام) لم يكن إماما حتى شهر سيفه، خاب إذا عمار وخزيمة بن ثابت وصاحبك أبو عمرة، وقد خرج يومئذ صائما بين الفئتين بأسهم فرماها قربى يتقرب بها إلى الله تعالى حتى قتل، يعني عمارا (11).

وقد عنى الإمام (عليه السلام) بهؤلاء الأقوام: المشترطين في الإمامة الخروج بالسيف، واحتجاجه عليهم ان عمارا وخزيمة بن ثابت وأبا عمرة ثعلبة بن عمرو الأنصاري وكذلك أبا ذر وسلمان والمقداد وحذيفة وغيرهم من السابقين من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو إمامهم ولم يشهر سيفه وقت إذ.

ولم يقف الأئمة (عليهم السلام) عند دعمهم لأبي حمزة ومده بما يعينه في صراعه العقائدي مع الخصوم والتصدي لهم، بل أطلعوه على ما أعد الله تعالى لتلك الفرق ولشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في حياتهم الأخرى، ليكون على بينة من أمره وليزداد يقينا على يقينه.

أبو حمزة الثمالي قال: دخلت على محمد بن علي (عليهما السلام): وقلت يا بن رسول الله حدثني بحديث ينفعني، قال: يا أبا حمزة كل يدخل الجنة إلا من أبى.

قال: قلت: يا بن رسول الله أحد يأبى أن يدخل الجنة ؟ قال: نعم.

قلت: من ؟ قال: من لم يقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

قلت: يا بن رسول الله حسبت أن لا أروي هذا الحديث عنك، قال: ولم ؟ قلت: اني تركت المرجئة والقدرية والحرورية وبني أمية كل يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقال: ايهات ايهات، إذا كان يوم القيامة سلبهم الله إياها فلم يقلها إلا نحن وشيعتنا والباقون منها براء، أما سمعت الله يقول: ﴿يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا﴾ (12).

وقال: من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله (13).

الثالث: إن أبا حمزة كان من ثقاتهم لدى الناس وقت الأزمات وعند تعرض آل البيت للاضطهاد والتنكيل: فقد شهد أبو حمزة دعوة زيد بن علي (عليهما السلام) بالكوفة وعاش أحداثها وخذلان من بايعه وغره.

قال الصادق (عليه السلام): يا أبا حمزة، هل شهدت عمي ليلة خرج ؟ قال: نعم (14).

وقال أبو حمزة: رأيت زيدا بالكوفة في دار معاوية بن إسحاق، فأتيته فسلمت عليه، ثم قلت: جعلت فداك، ما أقدمك بهذا البلد ؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكنت أختلف إليه، فجئت ليلة النصف من شعبان فسلمت عليه، وكان ينتقل في دور بارق وبني هلال، فلما جلست عنده، قال: يا أبا حمزة تقوم حتى نزور أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (15).

ولم يقف أبو حمزة صامتا عند محنة زيد وأمام تلك الأحداث وما جرى على آل الرسول.

فقد ورد في خبر أن أبا خالد الواسطي وأبا حمزة الثمالي قالا: حبرنا رسالة ردا على الناس، ثم إنا خرجنا من الكوفة إلى المدينة، فدخلنا على محمد بن علي (عليهما السلام)، فقلنا له: جعلنا لك الفدا إنا حبرنا رسالة ردا على الناس فانظر إليها قال: فاقرؤها، قال: فقرأناها.

فقال: لقد أجدتم واجتهدتم فهل أقرأتموها زيدا ؟ قلنا: لا.

قال: فاقرؤها زيدا، وانظروا ماذا يرد عليكم، قال: فدخلنا على زيد فقلنا له: جعلنا لك الفدا رسالة حبرناها ردا على الناس جئناك بها.

قال: اقرؤها، فقرأناها عليه حتى إذا فرغنا منها قال: يا أبا حمزة وأنت يا أبا خالد لقد اجتهدتم لكنها تكسر عليكم، اما الجزء الأول فالرد فيه كذا فما زال يردها حتى فرغ من آخرها حرفا حرفا، فوالله ما ندري من أي شئ نعجب من حفظه لها أو من كسرها.

ثم أعطانا جملة من الكلام نعرف به الرد على الناس، قال: فرجعنا إلى محمد بن علي فأخبرناه ما كان من زيد (16).

كان ذلك في عهد الحاكم الأموي هشام بن عبد الملك.

ورغم ما أوصى به ولاته بالمراقبة الشديدة لما يفد ويخرج من الكوفة وهي مصدر دعوة زيد، والمدينة وهي مركز الإمامة، ظل أبو حمزة مترددا بينهما مع بعد المسافة وخطورة الموقف حاملا رسالة الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) وردودهم وتوصياتهم للناس من عدم الركون للظلم، وتذكيرهم بأن أهل البيت هم الولاة والأحق بالأمر من غيرهم،

وان زيدا هو ابن رسول الله وفرع السلالة المحمدية التي بها هدي الناس، ونصرته هي نصرة جده (صلى الله عليه وآله) وخذلانه هو الانحراف عن الدين والخسران المبين.

لكنه الغدر والقدر، فكما غدر بمسلم والحسين (عليه السلام) غدر بزيد، وكما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بمقتل الحسين (عليه السلام) أخبر بمقتل زيد، فبقلتهم يحيى الاسلام وبدمائهم تروى شجرته.

قال أبو حمزة الثمالي: كنت أزور علي بن الحسين (عليهما السلام) في كل سنة مرة في وقت الحج، فأتيته سنة من ذلك، وإذا على فخذه صبي، فقعدت إليه وجاء الصبي فوقع على عتبة الباب فانشج، فوثب إليه علي بن الحسين (عليهما السلام) مهرولا فجعل ينشف دمه بثوبه ويقول له: يا بني أعيذك بالله أن تكون المصلوب في الكناسة.

قلت: بأبي أنت وأمي أي كناسة ؟ قال: كناسة الكوفة، قلت: جعلت فداك ويكون ذلك ؟! قال: إي والذي بعث محمدا بالحق إن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولا، مدفونا، منبوشا، مسلوبا، مسحوبا، مصلوبا، في الكناسة، ثم ينزل فيحرق ويدق، ويذرى في البر.

قلت: جعلت فداك وما اسم هذا الغلام ؟ قال: هذا ابني زيد.

ثم دمعت عيناه.

وساق أبو حمزة الحديث إلى أن قال: فوالله لقد رأيته مقتولا، مدفونا، منبوشا، مسلوبا، مسحوبا، مصلوبا، ثم احرق ودق في الهواوين، وذري في العريض من أسفل العاقول (17).

شهد ذلك أبو حمزة، وشهد مقتل أبنائه الثلاثة: نوح، ومنصور، وحمزة (18).

وقد خرجوا مع زيد ولبوا دعوته لنصرته وصمدوا معه حتى استشهدوا رحمهم الله.

عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي (صلى الله عليه وآله): ان زيد بن علي وأصحابه يتخطون رقاب الناس يوم القيامة ويدخلون الجنة بغير حساب.

الرابع: إن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يؤثرونه على سواه بعلومهم وأسرارهم ووصاياهم: وقد يظهر ذلك بسؤال وطلب من أبي حمزة، أو بمبادرة منهم: بخطاب له باسمه أو كنيته أو لقبه وتكرار ذلك أثناء حديثهم إياه مبالغة في إكرامه، وقد يقسمون له أثناء ذلك.

والأخبار المشيرة لهذا المعنى كثيرة، تعددت حسب تعدد المناسبات منها: قال أبو حمزة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك ان الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية: ﴿عم يتساءلون عن النبأ العظيم﴾.

قال: ذلك إلي إن شئت أخبرتهم وإن شئت لم اخبرهم، ثم قال: لكني أخبرك بتفسيرها، قلت: ﴿عم يتساءلون﴾ ؟ قال: فقال: هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: ما لله عز وجل آية هي أكبر مني ولا لله من نبأ أعظم مني (19).

وللحديث مداليل:

1 - إن الإمام (عليه السلام) قد خص أبا حمزة دون غيره بهذا الحديث، فهو من ثقات الإمام وأهل لتحمل حديث أهل البيت (عليهم السلام) وصونه ورعايته.

2 - إن الإمام (عليه السلام) آثره على جميع الشيعة وأودعه من علمه وأسراره، ولم يكن ليحصل ذلك إلا لعلمه (عليه السلام) برسوخ ايمان أبي حمزة وثباته.

فقد جاء عنهم (عليهم السلام) ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ثلاث: نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان (20).

3 - إن أبا حمزة بقوله: " ان الشيعة يسألونك " قد نصب نفسه متحدثا عنهم ومرجعا لهم يرجعون إليه في مسائلهم وما أشكل عليهم، وكان ينبغي أن يعترض الإمام على دعواه ويبطل زعمه أو يستفهم منه عما قاله، ولما لم يحصل مثل ذلك يتوجه القول: من أن أبا حمزة إن لم يكن معينا من قبل الإمام مرجعا للشيعة عنه فهو حلقة وصل بين الإمام وشيعته وقد أقر الإمام له بذلك حيث لم يعترض عليه، ولا يتأتى لأحد أن يحظى بهذه المنزلة إلا من اجتمعت له شرائط تولي مثل هذا الأمر، من علم وايمان ووثاقة وعدل.

4 - إن الإمام (عليه السلام) قد ألقى على أبي حمزة درسا في شروط وآداب تحمل الحديث وإلقائه، وان حديثهم (عليهم السلام) لا يجوز التفريط به وإذاعته لعامة الناس وإن كانوا من شيعتهم (عليهم السلام) بل يجب عليه وقبل ذلك تحري من توفرت فيه شروط تحمل ورعاية ورواية الحديث.

5 - إن أبا حمزة لم يرجع في ما أشكل عليه من تفسير الآيات إلا لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وما ذاك إلا اعتقادا منه بأنهم أعلم الناس بالقرآن وأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد جعلهم عدلا لكتاب الله في وجوب التمسك بهم والرجوع إليهم.

تعيين مرقد الإمام علي (عليه السلام) أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) بإخفاء قبره خشية تعدي أعدائه عليه ونبشه والمثلة به (21)، وبقي قبره الشريف سرا بين أبناء الإمام (عليه السلام) لم يطلعوا عليه أحدا إلا الخواص من شيعتهم، وكان أبو حمزة الثمالي في طليعتهم فقد اطلعه الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) ثم ابنه زيد الشهيد على قبر جدهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ولعله الإشارة الأولى لتعيين مرقد الإمام علي (عليه السلام).

قال الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) - في حديث - لأبي حمزة: هل لك أن تزور معي قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ قلت: أجل، فسرت في ظل ناقته يحدثني حتى أتينا الغريين وهي بقعة بيضاء تلمع نورا فنزل عن ناقته ومرغ خديه عليها وقال: يا أبا حمزة هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم زاره بزيارة... (22).

وقال أبو حمزة: رأيت زيدا بالكوفة في دار معاوية بن إسحاق فأتيته فسلمت عليه،... فقال: يا أبا حمزة تقوم حتى نزور أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ؟ قلت: نعم جعلت فداك، ثم ساق أبو حمزة الحديث حتى قال: أتينا الذكوات البيض فقال: هذا قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام) (23).

ومن وصاياهم (عليهم السلام) لأبي حمزة: قال له أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا حمزة ما كان ولن يكون مؤمن إلا وله بلايا أربع: إما أن يكون جار يؤذيه، أو منافق يقفو أثره، أو مخالف يرى قتاله جهارا، أو مؤمن يحسده.

ثم قال: أما إنه أشد الأربعة عليه، لأنه يقول فيصدق عليه، ويقال: هذا رجل من اخوانه فما بقاء المؤمن بعد هذا (24).

وقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): يا أبا حمزة إن تركت الناس لم يتركوك وإن رفضتهم لم يرفضوك، قلت: فما أصنع ؟ قال: أعطهم من عرضك ليوم فقرك وفاقتك (25).

وقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا ثابت إن الله إذا أحب عبدا غثه بالبلاء غثا، وثجه به ثجا، وإنا وإياكم لنصبح به ونمسي (26).

وقال له محمد الباقر (عليه السلام): يا أبا حمزة مالك إذا أتى بك أمر تخافه ان لا تتوجه إلى بعض زوايا بيتك - يعني القبلة - فتصلي ركعتين، ثم تقول: " يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين " - سبعين مرة - كلما دعوت بهذه الكلمات مرة سألت حاجة (27).

وقال علي بن الحسين (عليهما السلام) لأبي حمزة: إذا أردت أن يطيب الله ميتتك، ويغفر لك ذنبك يوم تلقاه، فعليك بالبر وصدقة السر وصلة الرحم، فإنهن يزدن في العمر وينفين الفقر ويدفعن عن صاحبهن سبعين ميتة سوء (28).

وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): يا أبا حمزة لا تنامن قبل طلوع الشمس فاني أكرهها لك فان الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد (29).

وقال له أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا حمزة الوضوء قبل الطعام وبعده يذهبان الفقر.

قلت: بأبي أنت وأمي يذهبان بالفقر ؟ فقال: نعم، يذهبان به (30).

وقال له أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا حمزة أيما مسلم أتى مسلما زائرا أو طالب حاجة وهو في منزله فاستأذن ولم يخرج إليه لم يزل في لعنة الله حتى يلتقيا.

فقلت: جعلت فداك في لعنة الله حتى يلتقيا ؟ قال: نعم يا أبا حمزة (31).

وقال له أبو جعفر الباقر (عليه السلام): أيما مؤمن عاد مؤمنا خاض في الرحمة خوضا، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ويسترحمون عليه ويقولون: طبت وطابت لك الجنة إلى تلك الساعة من غد.

وكان له يا أبا حمزة خريف في الجنة، قلت: وما الخريف جعلت فداك ؟ قال: زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما (32).


1- المائدة: الآيات 44 - 47.

2- أخبار القضاة: ج 1، ص 44.

3- حسبنا ما قاله ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن هؤلاء من أفرط في ارتكاب الذنوب ومنهم من فرط فيها، ففي حين وصف المرجئة مرتكب الكبيرة بالايمان ذهب الخوارج إلى تكفيره، وأراد بالشامي كل قاسط من أصحاب معاوية.

4- الأصول الستة عشر: أصل العلاء بن رزين، ص 154.

5- اختيار معرفة الرجال: ج 1، ح 61، ص 141.

6- النبأ: 38.

7- تفسير فرات الكوفي: ص 434.

8- تهذيب الأحكام: ج 6، ح 20، ص 37.

9- فرحة الغري: ص 120.

10- الحدائق الوردية: ج 1، ص 142.

11- فرحة الغري: ج 2، ص 120.

12- رجال النجاشي: ج 1، الترجمة 294.

13- الكافي: ج 1، ص 207، ح 1.

14- بصائر الدرجات: باب ان حديثهم (عليهم السلام) صعب مستصعب، ح 19، ص 25.

15- تصدى الحجاج بن يوسف الثقفي لتنفيذ ما تنبأ به الإمام (عليه السلام)، فقد ورد أنه أمر بنبش ثلاثة آلاف من قبور النجف الأشرف في طلب جثة أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يظفر بذلك والحمد لله. (روضات الجنات: ج 2، ص 54).

16- فرحة الغري: ص 58.

17- فرحة الغري: ص 120.

18- التمحيص: باب سرعة البلاء إلى المؤمن، ح 10، ص 32.

19- الكافي: ج 2، ص 541، ح 2.

20- المؤمن: باب شدة ابتلاء المؤمن، ح 40، ص 25.

21- الكافي: ج 2، ص 556، ح 1.

22- عدة الداعي: ص 101.

23- بصائر الدرجات: ج 7، باب 14، ح 9، ص 343.

24- الكافي: ج 6، ص 290، ح 2.

25- الكافي: ج 2، ص 365، ح 4.

26- الكافي: ج 3، ص 120، ح 3.

27- المحاسن: باب الحث على طلب العلم، ح 155، ص 227.

28- أمالي المفيد: المجلس الثالث والعشرون، ح 33، ص 199.

29- فرحة الغري: ص 115.

30- طب الأئمة: ص 111.

31- تفسير فرات الكوفي: ص 434.

32- لاحظ المسند: كتاب الحجة، باب ان الأرض لا تخلو من حجة.