العاديات

سورة العاديات

مكية (1) (بسم الله الرحمن الرحيم والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا) حدثنا جعفر بن أحمد عن عبد الله بن موسى قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: والعاديات ضبحا فالموريات قدحا، قال هذه السورة نزلت في أهل وادي اليابس قال قلت وما كان حالهم وقصتهم؟

قال إن أهل وادي اليابس اجتمعوا اثني عشر الف فارس وتعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا على أن لا يتخلف رجل عن رجل ولا يخذل أحد أحدا ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم على حلف واحد أو يقتلوا محمد صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فنزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وأخبره بقصتهم وما تعاقدوا عليه وتواثقوا وأمره ان يبعث فلانا إليهم في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والأنصار، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " يا معشر المهاجرين والأنصار ان جبرئيل أخبرني ان أهل وادي اليابس اثني عشر الف فارس قد استعدوا وتعاقدوا وتعاهدوا ان لا يغدر رجل لصاحبه ولا يفر عنه ولا يخذله حتى يقتلوني وأخي علي بن أبي طالب وقد أمرني ان أسير إليهم فلانا في أربعة آلاف فارس فخذوا في أمركم واستعدوا لعدوكم وانهضوا إليهم على اسم الله وبركته يوم الاثنين إن شاء الله تعالى " فأخذ المسلمون عدتهم وتهيئوا وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فلانا بأمره وكان فيما أمره به انه إذا رآهم ان يعرض عليهم السلام فان تابعوه وإلا واقعهم فيقتل مقاتليهم ويسبي ذراريهم ويستبيح أموالهم ويخرب ضياعهم وديارهم، فمضى فلان ومن معه من المهاجرين والأنصار في أحسن عدة وأحسن هيئة يسير بهم سيرا رفيقا حتى انتهوا إلى أهل وادي اليابس، فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزل فلان وأصحابه قريبا منهم، خرج إليهم من أهل وادي اليابس مائتا رجل مدججين بالسلاح، فلما صادفوهم قالوا لهم: من أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون؟

ليخرج الينا صاحبكم حتى نكلمه.

فخرج إليهم فلان في نفر من أصحابه المسلمين فقال لهم: أنا فلان صاحب رسول الله، قالوا ما أقدمك علينا؟

قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن اعرض عليكم الاسلام فان تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون لكم مالهم وعليكم ما عليهم وإلا فالحرب بيننا وبينكم، قالوا له: أما واللات والعزى لولا رحم بيننا وقرابة قريبة لقتلناك وجميع أصحابك قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم فارجع أنت ومن معك واربحوا العافية فانا إنما نريد صاحبكم بعينه واخاه علي بن أبي طالب &.

فقال فلان لأصحابه: يا قوم!

القوم أكثر منكم أضعافا وأعد منكم وقد ناءت داركم عن اخوانكم من المسلمين فارجعوا نعلم رسول الله صلى الله عليه وآله بحال القوم، فقالوا له جميعا خالفت يا فلان قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أمرك به فاتق الله وواقع القوم ولا تخالف رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال إني اعلم مالا تعلمون الشاهد يرى مالا يرى الغائب فانصرب وانصرف الناس أجمعون، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بمقالة القوم وما رد عليهم فلان فقال رسول الله: صلى الله عليه وآله يا فلان خالفت أمري ولم تفعل ما أمرتك وكنت لي والله عاصيا فيما أمرتك فقام النبي صلى الله عليه وآله وصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: يا معشر المسلمين اني أمرت فلانا ان يسير إلى أهل وادي اليابس وان يعرض عليهم السلام ويدعوهم إلى الله فان أجابوه وإلا واقعهم وانه سار إليهم وخرج إليه منهم مائتا رجل فإذا سمع كلامهم وما استقبلوه به انتفخ صدره ودخله الرعب منهم وترك قولي ولم يطع أمري، وان جبرئيل امرني عن الله ان أبعث إليهم فلانا مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس فسر يا فلانا على اسم الله ولا تعمل كما عمل أخوك فإنه قد عصى الله وعصاني وأمره بما امر به الأول فخرج وخرج معه المهاجرون والأنصار الذين كانوا مع الأول يقتصد بهم في سيرهم حتى شارف القوم وكان قريبا منهم بحيث يراهم ويرونه، وخرج إليهم مائتا رجل فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم للأول فانصرف وانصرف الناس معه وكاد ان يطير قلبه مما رأى من عدة القوم وجمعهم ورجع يهرب منهم.

فنزل جبرئيل & فأخبر محمدا صلى الله عليه وآله بما صنع هذا وانه قد انصرف وانصرف المسلمون معه، فصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر بما صنع هذا وما كان منه وانه قد انصرف وانصرف المسلمون معه مخالفا لامري عاصيا لقولي، فقدم عليه فأخبره مثل ما اخبره به صاحبه فقال له يا فلان عصيت الله في عرشه وعصيتني وخالفت قولي وعملت برأيك ألا قبح الله رأيك وان جبرئيل & قد أمرني ان أبعث علي بن أبي طالب في هؤلاء المسلمين واخبرني ان الله يفتح عليه وعلى أصحابه، فدعا عليا & وأوصاه بما أوصى به الأول والثاني وأصحابه الأربعة آلاف فارس وأخبره ان الله سيفتح عليه وعلى أصحابه.

فخرج علي & ومعه المهاجرون والأنصار فسار بهم سيرا غير سير فلان وفلان وذلك أنه أعنف بهم في السير حتى خافوا ان ينقطعوا من التعب وتحفى (2) دوابهم فقال لهم: لا تخافوا فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرني بأمر وأخبرني ان الله سيفتح على وعليكم فأبشروا فإنكم على خير وإلى خير، فطابت نفوسهم وقلوبهم وساروا على ذلك السير والتعب حتى إذا كانوا قريبا منهم حيث يرونهم ويراهم امر أصحابه ان ينزلوا وسمع أهل وادي اليابس بقدوم علي بن أبي طالب وأصحابه فخرجوا إليه منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح، فلما رآهم علي عليه السلام خرج إليهم في نفر من أصحابه فقالوا له من أنتم ومن أين أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون؟

قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأخوه ورسوله إليكم، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ولكم ان آمنتم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم من خير وشر، فقالوا له إياك أردنا وأنت طلبتنا قد سمعنا مقالتك وما عرضت علينا هذا مالا يوافقنا فخذ حذرك واستعد للحرب العوان (3) واعلم إنا قاتلوك وقاتلوا أصحابك والموعد فيما بيننا وبينك غدا ضحوة، وقد أعذرنا فيما بيننا وبينكم.

فقال لهم علي عليه السلام: ويلكم!

تهددوني بكثرتكم وجمعكم!

فأنا أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فانصرفوا إلى مراكزهم وانصرف علي عليه السلام إلى مركزه فلما جنه الليل أمر أصحابه ان يحسنوا إلى دوابهم ويقضموا ويسرجوا (4) فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس (5) ثم أغار عليهم بأصحابه فلم يعلموا حتى وطأتهم الخيل فيما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم وسبي ذراريهم واستباح أموالهم وخرب ديارهم وأقبل بالأسارى والأموال معه ونزل جبرئيل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما فتح الله بعلي عليه السلام وجماعة المسلمين، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين وأعلمهم انه لم يصب منهم إلا رجلين ونزل فخرج يستقبل عليا في جميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة، فلما رآه علي & مقبلا نزل عن دابته ونزل النبي صلى الله عليه وآله حتى التزمه وقبل ما بين عينيه، فنزل جماعة المسلمين إلى علي & حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وأقبل بالغنيمة والأسارى وما رزقهم الله به من أهل وادي اليابس، ثم قال جعفر بن محمد &: ما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن يكون من خيبر فإنها مثل ذلك، وأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم هذه السورة (6) (والعاديات ضبحا) يعني بالعاديات الخيل تعدو بالرجال، والضبح صيحتها في أعنتها ولجمها " فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا " فقد أخبرتك انها أغارت عليهم صبحا قلت قوله: " فأثرن به نقعا " قال: الخيل يأثرن بالوادي نقعا " فوسطن به جمعا " قلت قوله " ان الانسان لربه لكنود " قال لكفور " وانه على ذلك لشهيد " قال يعنيهما جميعا قد شهدا جميعا وادي اليابس وكانا لحب الحياة لحريصين قلت قوله: " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور ان ربهم بهم يومئذ لخبير " قال: نزلت الآيتان فيهما خاصة كانا يضمران ضمير السوء ويعملان به، فأخبر الله خبرهما وفعالهما فهذه قصة أهل وادي اليابس وتفسير العاديات ثم قال علي بن إبراهيم في قوله: (والعاديات ضبحا) اي عدوا عليهم في الضبح، ضباح الكلاب صوتها (فالموريات قدحا) كانت بلادهم فيها حجارة فإذا وطأتها سنابك الخيل كان تنقدح منها النار (فالمغيرات صبحا) اي صبحتهم بالغارة (فأثرن به نقعا) قال ثورة الغبرة من ركض الخيل (فوسطن به جمعا) قال توسط المشركين بجمعهم (ان الانسان لربه لكنود) اي كفور وهما اللذان امرا وأشارا على أمير المؤمنين & ان يدع الطريق بما حسداه وكان علي & اخذ بهم على غير الطريق الذي اخذا فيه فعلما انه يظفر بالقوم فقال عمرو بن العاص لفلان ن عليا غلام حدث لا علم له بالطريق وهذا طريق مسبع لا يؤمن فيه السباع، فمشيا إليه وقالا له: يا أبا الحسن هذا الطريق الذي اخذت فيه طريق مسبع فلو رجعت إلى الطريق فقال لهما أمير المؤمنين &: الزمار حالكما وكفا عما لا يعنيكما واسمعا وأطيعا فاني أعلم بما أصنع فسكنا وقوله (وانه على ذلك لشهيد) اي على العداوة (وانه لحب الخير لشديد) يعني حب الحياة حيث خافا السباع على أنفسهما فقال الله تعالى (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور) اي يجمع ويظهر (ان ربهم بهم يومئذ لخبير).


1- حفي الفرس: انقشر حافره من كثر السير. ج. ز.

2- الحرب العوان: الحرب التي قوتل فيها مرة بعد أخرى.

3- القضم: الاكل بأطراف الأسنان شيئا يابسا، والمعنى ان يقضوا ليلهم في رعاية الدواب وأكل الطعام اليابس ليكون له صوت عند الاكل لكي لا يهجم عليهم العدو غيلة. ويسرجوا اي يسرجوا السراج.

4- الغلس بالتحريك: ظلمة آخر الليل. ج. ز.

5- قيل نزلت السورة لما بعث النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام إلى ذات السلاسل فأوقع بهم، وذلك بعد أن بعث عليهم مرارا غيره من الصحابة فرجع كل منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل، قال وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبي وشد أسراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل، ولما نزلت السورة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الناس فصلى بهم الغداة وقرأ فيها والعاديات، فلما فرغ من صلاته قال أصحابه هذه سورة لم نعرفها، فقال رسول الله: نعم! ان عليا ظفر بأعداء الله وبشرني بذلك جبرائيل في هذه الليلة (مجمع البيان) ويرد عليه وعلى ما ذكره القمي (ره) ان الغزوة المذكورة كانت في المدينة والسورة على ما بين مكية؟قلنا: نقل الشيخ في التبيان عن الضحاك كون هذه السورة مدنية، ويؤيده ما مضى في الرواية السابقة من أنه لما قرأها رسول الله في صلاة الغداة قال أصحابه هذه سورة لم نعرفها. ج ز.

6- قرئ بضمتين وهي قراءة أهل الكوفة غير حفص، وقرأ الباقون بفتحتين وكلاهما جمع عمود في الكثرة، اما جمعه في القلة فأعمدة والمعنى انه توصد عليهم الأبواب ويمدد على الأبواب العمد استيثاقا في استيثاق وفيه تأكيد للباس من الخروج وإيذان بحبس الأبد مجمع البحرين.