الجمعة والمنافقون

سورة الجمعة

مدنية (1) آياتها احدى عشر (بسم الله الرحمن الرحيم يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس) القدوس البرئ من الآفات الموجبات للجهل قوله: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) قال: الأميون الذين ليس معهم كتاب، قال: فحدثني أبى عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله & في قوله " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم " قال: كانوا يكتبون ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله ولا بعث إليهم رسولا فنسبهم الله إلى الأميين، وقوله: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال: دخلوا في الاسلام بعدهم، ثم ضرب مثلا في بني إسرائيل فقال: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) قال: الحمار يحمل الكتب ولا يعلم ما فيها ولا يعمل بها كذلك بنو إسرائيل قد حملوا مثل الحمار لا يعلمون ما فيه ولا يعملون به قوله: (يا أيها الذين هادوا ان زعمتم انكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) قال: إن في التوراة مكتوب أولياء الله يتمنون الموت ثم قال: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) وقال أمير المؤمنين &: يا أيها الناس كل امرئ ملاق في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته قوله: (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) السعي هو الاسراع في المشي.

وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر & في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) قال: اسعوا أي امضوا، ويقال اسعوا اعملوا لها، وهو قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار والغسل ولبس أفضل ثيابك وتطيب للجمعة فهو السعي، ويقول الله ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن (أبى حمزة عن ط× أبي جعفر & في قوله: (وذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون) قال علي بن إبراهيم في قوله (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) قال: يوم السبت قوله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي بالناس يوم الجمعة ودخلت ميرة (2) وبين يديها قوم يضربون بالدفوف والملاهي فترك الناس الصلاة ومروا ينظرون إليهم فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا محمد بن أحمد (أحمد بن محمد ط×عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير انه سئل عن الجمعة كيف يخطب الامام؟

قال: يخطب قائما فان الله يقول وتركوك قائما وعنه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي أيوب عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال نزلت وإذا رأوا تجارة أو لهوا انصرفوا إليها وتركوك قائما (قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة) يعني للذين اتقوا (والله خير الرازقين)

سورة المنافقون

مدنية احدى عشر آية (بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون) قال: نزلت في غزوة المريسع (المتسع ك× وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج إليها فلما رجع منها نزل على بئر، وكان الماء قليلا فيها وكان أنس بن سيار حليف الأنصار، وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيرا لعمر بن الخطاب فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو ابن سيار بدلو جهجاه، فقال سيار دلوي وقال جهجاه دلوي، فضرب جهجاه يده على وجه ابن سيار فسال منه الدم، فنادى سيار بالخزرج ونادى جهجاه بقريش وأخذ الناس السلام وكاد ان تقع الفتنة، فسمع عبد الله بن أبي النداء فقال: ما هذا؟

فأخبروه بالخبر فغضب غضبا شديدا ثم قال قد كنت كارها لهذا المسير اني لاذل العرب، ما ظننت انى أبقى إلى أن اسمع مثل هذا فلا يكن عندي تعيير، ثم أقبل على أصحابه فقال: هذا عملكم أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم للقتل فأرمل نساءكم وأيتم صبيانكم ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم، ثم قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وكان في قوم زيد بن أرقم وكان غلاما قد راهق وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في ظل شجرة في وقت الهاجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله ابن أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلك وهمت يا غلام فقال: لا والله ما وهمت فقال لعلك غضبت عليه قال لا ما غضبت عليه قال فلعله سفه عليك، فقال لا والله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لشقران مولاه اخرج فأخرج (احدج فأحدج ك× راحلته وركب، وتسامع الناس بذلك فقالوا ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليرحل في مثل هذا الوقت فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته!

فقال وعليك السلام!

فقال ما كنت لترحل في هذا الوقت؟

فقال أوما سمعت قولا قال صاحبكم، قالوا وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟

قال عبد الله بن أبي زعم أنه ان رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال يا رسول الله!

فأنت وأصحابك الأعز وهو وأصحابه الأذل، فسار رسول الله صلى الله عليه وآله يومه كله لا يكلمه أحد، فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه، فحلف عبد الله انه لم يقل شيئا من ذلك، فقالوا فقم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نعتذر إليه، فلوى عنقه.

فلما جن الليل سار رسول الله صلى الله عليه وآله ليله كله والنهار فلم ينزلوا إلا للصلاة فلما كان من الغد نزل رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل أصحابه، وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فحلف عبد الله انه لم يقل ذلك وانه ليشهد انه لا إله إلا الله وانك لرسول الله وان زيدا قد كذب علي، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله منه، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له كذبت على عبد الله سيدنا، فلما رحل رسول الله صلى الله عليه وآله كان زيد معه يقول اللهم انك لتعلم اني لم اكذب على عبد الله بن أبي فما سار إلا قليلا حتى أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان يأخذه من البرحاء (3) عند نزول الوحي عليه فثقل حتى كادت ناقته ان تبرك من ثقل الوحي، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يسكب العرق عن جبهته ثم أخذ باذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل ثم قال: يا غلام صدق قولك ووعى قلبك وأنزل الله فيما قلت قرآنا، فلما نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين (بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله - إلى قوله - ولكن المنافقين لا يعلمون) ففضح الله عبد الله بن أبي.

حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: حدثنا أحمد بن ميثم عن الحسن بن علي ابن أبي حمزة عن أبان بن عثمان قال: سار رسول الله صلى الله عليه وآله يوما وليلة ومن الغد حتى ارتفع الضحى فنزل ونزل الناس فرموا بأنفسهم نياما وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله ان يكف الناس عن الكلام: قال: وان ولد عبد الله بن أبي اتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إن كنت عزمت على قتله فمرني أكون أنا الذي أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الأوس والخزرج اني أبرهم ولدا بوالدي فاني أخاف أن تأمر غيري فيقتله فلا تطيب نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل يحسن الله صحابته ما دام معنا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (كأنهم خشب مسندة) يقول لا يسمعون ولا يعقلون قوله (يحسبون كل صيحة عليهم) يعني كل صوت (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) فلما نعتهم الله لرسوله وعرفه مساءتهم إليهم وإلى عشائرهم فقالوا لهم قد افتضحتم ويلكم!

فأتوا نبي الله يستغفر لكم فلووا رؤسهم وزهدوا في الاستغفار يقول الله: (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم) وقال علي بن إبراهيم في قوله (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل ان يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق) يعني بقوله أصدق أي أحج (واكن من الصالحين) يعني عند الموت فرد الله عليه فقال (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) أخبرنا احمد ابن إدريس قال: حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله ولن يؤخر الله نفسا إذا أجلها، قال إن عند الله كتبا مرقومة يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء فإذا كان ليلة القدر انزل الله فيها كل شئ يكون إلى ليلة مثلها فذلك قوله " ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها " إذا أنزله وكتبه كتاب السماوات وهو الذي لا يؤخره.


1- الميرة بالكسر: طعام يجلب من بلد إلى بلد. ج ز.

2- برحاء كعلماء: الشدة.

3- وفى ط انها مكية. ج. ز.