المجادلة

سورة المجادلة

مدنية الجزء (28) آياتها اثنتان وعشرون (بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير) قال كان سبب نزول هذه السورة انه أول من ظاهر في الاسلام كان رجلا يقال له أوس بن الصامت من الأنصار وكان شيخا كبيرا فغضب على أهله يوما فقال لها!

أنت علي كظهر أمي، ثم ندم على ذلك، قال وكان الرجل في الجاهلية إذا قال لأهله أنت علي كظهر أمي حرمت عليه آخر الأبد، وقال أوس لأهله يا خولة!

إنا كنا نحرم هذا في الجاهلية وقد آتانا الله الاسلام فاذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسليه عن ذلك، فأتت خولة رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ان أوس بن الصامت هو زوجي وأبو ولدي وابن عمي فقال لي أنت علي كظهر أمي وكنا نحرم ذلك في الجاهلية وقد أتانا الله بالاسلام بك.

حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد عن حمران عن أبي جعفر & قال إن امرأة من المسلمات أتت النبي صلى الله عليه وآله، فقالت يا رسول الله!

ان فلانا زوجي وقد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته ولم ير مني مكروها أشكوه إليك، فقال: فيم تشكينه؟

قالت إنه قال أنت علي حرام كظهر أمي وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري، فقال لها رسول الله صلى الله عليه آله ما انزل الله تبارك وتعالى علي كتابا اقضي فيه بينك وبين زوجك وأنا اكره ان أكون من المتكلفين، فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وانصرفت، قال فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول الله صلى الله عليه وآله في زوجها وما شكت إليه وانزل الله في ذلك قرآنا (بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما - إلى قوله - وان الله لعفو غفور) قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المرأة فأتته فقال لها جئني بزوجك، فأتت به فقال له أقلت لامرأتك هذه أنت علي حرام كظهر أمي؟

فقال قد قلت لها ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفي امرأتك قرآنا وقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك - إلى قوله - وإن الله لعفو غفور) فضم إليك امرأتك فإنك قد قلت منكرا من القول وزورا وقد عفا الله عنك وغفر لك ولا تعد قال: فانصرف الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته وكره الله عز وجل ذلك للمؤمنين بعد وأنزل الله (الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) يعني (لما قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، قال: فمن قالها بعدما عفا الله وغفر للرجل الأول فان ط×عليه (تحرير رقبة من قبل ان يتماسا) يعني مجامعتهما (ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) يعني من قبل ان يتماسا (فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) قال: فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا قال (ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله) قال هذا حد الظهار، قال حمران قال أبو جعفر &: ولا يكون ظهار في يمين ولا في اضرار ولا في غضب ولا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه) قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله فيسألونه ان يسأل الله لهم، وكانوا يسألون مالا يحل لهم، فأنزل الله (ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول) وقولهم له إذا اتوه أنعم صباحا وانعم مساءا وهي تحية أهل الجاهلية فأنزل الله (فإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة " السلام عليكم " ثم قال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول - إلى قوله - إليه تحشرون) وقوله: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) قال فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله & قال كان سبب نزول هذه الآية ان فاطمة عليها السلام رأت في منامها ان رسول الله صلى الله عليه وآله هم ان يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم من المدينة فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة فعرض لهم طريقان فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة كبراء (1) وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما اكلوا منها ماتوا في مكانهم، فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فلما أصبحت جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بحمار فاركب عليه فاطمة وامر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة، كما رأت فاطمة في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين كما رأت فاطمة عليها السلام حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة ذراء كما رأت فاطمة & فامر بذبحها فذبحت وشويت فلما أرادوا اكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة ان يموتوا، فطلبها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليها وهي تبكي فقال ما شأنك يا بنية؟

قالت: يا رسول الله رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وقد فعلت أنت كما رأيته في نومي فتنحيت عنكم لان لا أراكم تموتون، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل عليه جبرئيل & فقال: يا محمد هذا شيطان يقال له الزها (الرها ط)، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به فامر جبرئيل & ان يأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا؟

فقال: نعم يا محمد!

فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع ثم قال جبرئيل لمحمد صلى الله عليه وآله قل يا محمد إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياء الله المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي، ويقرأ الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنه لا يضره ما رأى فأنزل الله على رسوله (إنما النجوى من الشيطان) الآية، أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي بكر الحضرمي وبكر بن أبي بكر قال قالا حدثنا سليمان بن خالد قال سألت أبا جعفر & عن قول الله: (إنما النجوى من الشيطان) قال فلان قوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) فلان وفلان وابن فلان أمينهم حين اجتمعوا فدخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا ان مات محمد ان لا يرجع الامر فيهم ابدا.

قال علي بن إبراهيم في قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل المسجد يقوم له الناس فنهاهم الله ان يقوموا له فقال تفسحوا اي وسعوا له في المجلس (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) يعني إذا قال قوموا فقوموا وقوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال: إذا سألتم رسول الله ص حاجة فتصدقوا بين يدي حاجتكم ليكون اقضي لحوائجكم، فلم يفعل ذلك أحد إلا أمير المؤمنين & فإنه تصدق بدينار وناجى رسول الله صلى الله عليه وآله عشر نجوات حدثنا أحمد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع (أبى جعفر ط×قال: سألته عن قول الله عز وجل: (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال: قدم علي بن أبي طالب & بين يدي نجواه صدقة ثم نسخها قوله: (أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني (الحسنى ط×قال: حدثنا الحسين بن سعيد قال: حدثنا محمد بن مروان قال حدثنا عبيد بن خنيس قال: حدثنا صباح عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال قال علي &: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية النجوى كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فجعلت أقدم بين يدي كل نجوى أناجيها النبي صلى الله عليه وآله درهما، قال: فنسخها قوله: أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات - إلى قوله - والله خبير بما تعملون، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) قال: نزلت في الثاني لأنه مر به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس عند رجل من اليهود ويكتب خبر رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله جل ثناؤه (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم) فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له النبي صلى الله عليه وآله رأيتك تكتب عن اليهود وقد نهى الله عن ذلك!

فقال يا رسول الله كتبت عنه ما في التوراة من صفتك وأقبل يقرأ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو غضبان، فقال له رجل من الأنصار ويلك أما ترى غضب النبي صلى الله عليه وآله عليك؟

فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله اني إنما كتبت ذلك لما وجدت فيه من خبرك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا فلان!

لو أن موسى بن عمران فيهم قائما ثم أتيته رغبة عما جئت به لكنت كافرا بما جئت به وهو قوله (اتخذوا أيمانهم جنة) أي حجابا بينهم وبين الكفار وايمانهم إقرار باللسان وخوفا من السيف ورفع الجزية وقوله (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم) قال إذا كان يوم القيامة جمع الله الذين غصبوا آل محمد حقهم فيعرض عليهم أعمالهم فيحلفون له انهم لم يعملوا منها شيئا كما حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا حين حلفوا أن لا يردوا الولاية في بني هاشم، وحين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة، فلما أطلع الله نبيه وأخبره حلفوا له انهم لم يقولوا ذلك ولم يهموا به حتى انزل الله على رسوله " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا لهم " قوله: (لا تجد قوما يؤمنون بالله - إلى قوله - وإخوانهم أو عشيرتهم) الآية، اي من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يؤاخي من حاد الله ورسوله إلى قوله (أولئك كتب في قلوبهم الايمان) وهم الأئمة عليهم السلام (وأيدهم بروح منه) قال: الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة عليهم السلام وقوله (أولئك حزب الله) يعني الأئمة عليهم السلام أعوان الله (إلا أن حزب الله هم المفلحون).


1- العصمة: ما يعتصم به من عقد وسبب. مجمع.