النجم

سورة النجم

مكية آياتها اثنتان وستون (بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى) قال: النجم رسول الله صلى الله عليه وآله إذا هوى (1) لما أسري به إلى السماء وهو في الهواء وهذا رد على ما أنكر المعراج وهو قسم برسول الله صلى الله عليه وآله وهو فضل له على الأنبياء وجواب القسم (ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى) أي لا يتكلم بالهوى (إن هو) يعني القرآن (إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) يعني الله عز وجل (ذو مرة فاستوى) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: وحدثني ياسر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال ما بعث الله نبيا إلا صاحب مرة سوداء صافية وقوله (وهو بالأفق الاعلى) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ثم دنا) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله من ربه عز وجل (فتدلى) قال إنما نزلت هذه ثم دنا فتدانى (فكان قاب قوسين أو أدنى) قال كان من الله كما بين مقبض القوس إلى رأس السية (2) (أو أدنى) أي من نعمته ورحمته قال بل أدنى من ذلك (فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال وحي مشافهة.

أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن العباس عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ما ضل صاحبكم وما غوى) يقول ما ضل في علي عليه السلام وما غوى وما ينطق فيه عن الهوى، وما كان ما قال فيه إلا بالوحي الذي أوحى إليه ثم قال: (علمه شديد القوى) ثم أذن له فوفد إلى السماء فقال (ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الاعلى.

ثم دنا فتدلى (فتدانى ط×فكان قاب قوسين أو أدنى) كان بين لفظه وبين سماع محمد كما بين وتر القوس وعودها (فأوحى إلى عبده ما أوحى) فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك الوحي، فقال أوحى إلي ان عليا سيد الوصيين (المؤمنين ط×وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وأول خليفة يستخلفه خاتم النبيين، فدخل القوم في الكلام فقالوا: أمن الله ومن رسوله فقال الله جل ذكره لرسول الله صلى الله عليه وآله قل لهم (ما كذب الفؤاد ما رأى) ثم رد عليهم فقال (أفتمارونه على ما يرى) ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرت فيه بغير هذا أمرت ان أنصبه للناس وأقول لهم هذا وليكم من بعدي وهو بمنزلة السفينة يوم الغرق من دخل فيها نجا ومن خرج منها غرق ثم قال (ولقد رآه نزلة أخرى) يقول: رأيت الوحي مرة أخرى (عند سدرة المنتهى) التي يتحدث تحتها الشيعة في الجنان ثم قال الله قل لهم: (إذ يغشى السدرة ما يغشى) يقول: إذ يغشى السدرة ما يغشى من حجب النور (وما زاغ البصر) يقول: ما عمي البصر عن تلك الحجب (وما طغى) يقول: وما طغى القلب بزيادة فيما أوحى إليه ولا نقصان (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) يقول: لقد سمع كلاما لولا أنه قوي ما قوي.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) قال في السماء السابعة، واما الرد على من انكر خلق الجنة والنار فقوله (عندها جنة المأوى) اي عند سدرة المنتهى فسدرة المنتهى في السماء السابعة وجنة المأوى عندها، قال: وحدثني أبي عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن أبان بن عثمان عن أبي داود عن أبي بردة الأسلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: يا علي!

ان الله أشهدك معي في سبعة مواطن: (اما أول ذلك) فليلة أسري بي إلى السماء قال لي جبرئيل أين أخوك؟

فقلت خلفته ورائي قال ادع الله فليأتك به فدعوت الله وإذا مثالك معي، وإذ الملائكة وقوف صفوف، فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟

قال: هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة، فدنوت فنطقت بما كان وبما يكون إلى يوم القيامة (والثاني) حين أسري بي في المرة الثانية فقال لي جبرئيل أين أخوك؟

قلت خلفته ورائي!

قال: ادع الله فليأتك به فدعوت فإذا مثالك معي فكشط لي عن سبع سماوات حتى رأيت سكانها وعمارها وموضع كل ملك منها (والثالث) حين بعثت إلى الجن فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟

قلت خلفته ورائي فقال ادع الله فليأتك به فدعوت الله فإذا أنت معي فما قلت لهم شيئا ولا ردوا علي شيئا إلا سمعته (والرابع) خصصنا بليلة القدر وليست لاحد غيرنا (والخامس) دعوت الله فيك وأعطاني فيك كل شئ إلا النبوة فإنه قال خصصتك يا محمد بها وختمتها بك (واما السادس) لما أسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيين فصليت بهم ومثالك خلفي (معي ط×(السابع) هلاك الأحزاب بأيدينا، فهذا رد على من أنكر المعراج.

ومن الرد على من أنكر خلق الجنة والنار أيضا ما حدثني أبي عن بعض أصحابه رفعه قال كانت فاطمة عليها السلام لا يذكرها أحد لرسول الله صلى الله عليه وآله إلا أعرض عنه حتى أيس الناس منها، فلما أراد ان يزوجها من علي أسر إليها، فقالت يا رسول الله أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدثني عنه انه رجل دحداح البطن طويل الذراعين ضخم الكراديس انزع عظيم العينين لمنكبيه مشاشا كمشاش البعير ضاحك السن لا مال له، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فاطمة!

أما علمت أن الله اشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين نبيا ثم اطلع أخرى فاختار عليا على رجال العالمين وصيا ثم اطلع فاختارك على نساء العالمين، يا فاطمة!

انه لما أسري بي إلى السماء وجدت مكتوبا على صخرة بيت المقدس " لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بوزيره ونصرته بوزيره " فقلت لجبرئيل ومن وزيري؟

فقال علي بن أبي طالب، فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها " إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي محمد (حبيبي ط×صفوتي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره " فقلت لجبرئيل ومن وزيري؟

قال علي بن أبي طالب.

فلما جاوزت سدرة المنتهى انتهيت إلى عرش رب العالمين فوجدت مكتوبا على كل قائمة من قوائم العرش " أنا الله لا إله إلا أنا محمد حبيبي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره " فلما دخلت الجنة رأيت في الجنة شجرة طوبى أصلها في دار علي وما في الجنة قصر ولا منزل إلا وفيها فرع منها أعلاها اسفاط (3) حلل من سندس وإستبرق يكون للعبد المؤمن الف الف سفط، في كل سفط مائة الف حلة ما فرها حلة تشبه الأخرى على ألوان مختلفة، وهو ثياب أهل الجنة وسطها ظل ممدود كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله يسير الراكب في ذلك الظل مسيرة مائة عام فلا يقطعه وذلك قوله (وظل ممدود) أسفلها ثمار أهل الجنة وطعامهم متدلل في بيوتهم يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة مما رأيتم في دار الدنيا ومما لم تروه وما سمعتم به وما لم تسمعوا مثلها، وكلما يجتني منها شئ نبت مكانها أخرى لا مقطوعة ولا ممنوعة ويجري نهر في أصل تلك الشجرة ينفجر منها الأنهار الأربعة، نهر من ماء غير آسن ونهر من لبن لم يتغير طعمه ونهر من خمر لذة للشاربين ونهر من عسل مصفى.

يا فاطمة ان الله أعطاني في علي سبع خصال: هو أول من ينشق عنه القبر معي، وأول من يقف معي على الصراط فيقول للنار خذي ذا وذري ذا، وأول من يكسى إذا كسيت، وأول من يقف معي على يمين العرش وأول من يقرع معي باب الجنة، وأول من يسكن معي عليين، وأول من يشرب معي من الرحيق المختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

يا فاطمة هذا ما أعطاه الله عليا في الآخرة وأعد له في الجنة إذا كان في الدنيا لا مال له، فاما ما قلت إنه بطين، فإنه مملو من العلم خصه الله به واكرمه من بين أمتي، واما ما قلت إنه انزع عظيم العينين، فان الله خلقه بصفة آدم عليه السلام، واما طول يديه، فان الله طولهما ليقتل بهما أعداءه وأعداء رسوله وبه يظهر الله الدين ولو كره المشركون، وبه يفتح الله الفتوح ويقاتل المشركين على تنزيل القرآن والمنافقين من أهل البغي والنكث والفسوق على تأويله ويخرج الله من صلبه سيدي شباب أهل الجنة ويزين بهما عرشه.

يا فاطمة ما بعث الله نبيا إلا جعل له ذريته من صلبه وجعل ذريتي من صلب علي، ولولا علي ما كانت لي ذرية، فقالت فاطمة يا رسول الله ما اختار عليه أحدا من أهل الأرض، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال ابن عباس عند ذلك: والله ما كان لفاطمة كفؤ غير علي عليه السلام.

قوله: (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قال: لما رفع الحجاب بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله غشى نوره السدرة وقوله (ما زاغ البصر وما طغى) أي لم ينكر (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل له ستمائة جناح قد ملا ما بين السماء والأرض وقوله (أفرأيتم (اللات والعزى) قال اللات رجل والعزى امرأة وقوله (ومناة الثالثة الأخرى) قال كان صنم بالمسلك (الشلل ط×خارج من المحرم على ستة أميال يسمى المناة قوله (ألكم الذكر وله الأنثى) قال هو ما قالت قريش ان الملائكة هم بنات الرحمن فرد الله عليهم فقال (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) أي ناقصة ثم قال (إن هي) يعني اللات والعزى ومناة (إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان) اي من حجة وقوله (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) وهو ما يلم به العبد من ذنوب صغار بجهالة ثم يندم ويستغفر الله ويتوب فيغفر الله له وقوله: (وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) اي مستقرين قوله: (وإبراهيم الذي وفى) قال وفى بما امره الله من الأمر والنهي وذبح ابنه قوله: (وان إلى ربك المنتهى) قال إذا انتهى الكلام إلى الله فامسكوا، وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش فان قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه وهذا رد على من وصف الله وقوله (وانه هو أضحك وأبكى) قال أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات قال الشاعر: كل يوم بأقحوان جديد * تضحك الأرض من بكاء السماء قوله (من نطفة إذا تمنى) قال تتحول النطفة إلى الدم فتكون أولا دما ثم تصير النطفة وتكون في الدماغ في عرق يقال له الوريد وتمر في فقار الظهر فلا تزال تجوز فقرا فقرا حتى تصير في الحالبين (4) فتصير ابيض واما نطفة المرأة فإنها تنزل من صدرها.

حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في قول الله (وانه هو أغنى وأقنى) قال أغنى كل إنسان بمعيشته وأرضاه بكسب يده، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وانه هو رب الشعرى) قال نجم في السماء يسمى الشعرى كانت قريش وقوم من العرب يعبدونه وهو نجم يطلع في آخر الليل وقوله: (والمؤتفكة اهوى) قال المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل البصرة، ويا أهل المؤتفكة يا جند المرأة وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، ماؤكم زعاق (5)، وأحلامكم (أخلاقكم ط×رقاق، وفيكم ختم النفاق، ولعنتم على لسان سبعين نبيا، ان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني ان جبرئيل عليه السلام أخبره انه طوى له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء وأبعدها من السماء وفيها تسعة أعشار الشر والداء العضال، المقيم فيها مذنب، والخارج منها (متدارك) برحمة، وقد ائتفكت بأهلها مرتين، وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة.

وقوله (فبأي آلاء ربك تتمارى) اي بأي سلطان تخاصم (هذا نذير) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (من النذر الأولى) حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن علي بن أسباط عن علي بن معمر عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله " هذا نذير من النذر الأولى " قال إن الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذر الأول فأقامهم صفوفا " وبعث الله محمدا فآمن به قوم وأنكره قوم، فقال الله هذا نذير من النذر الأولى، يعني به محمدا صلى الله عليه وآله حيث دعاهم إلى الله عز وجل في الذر الأول، قال علي بن إبراهيم في قوله: (أزفت الآزفة) قال قربت القيامة (ليس لها من دون الله كاشفة) أي لا يكشفها إلا الله (أفمن هذا الحديث تعجبون) يعني بما قد تقدم ذكره من الاخبار (وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون) اي لاهون ساهون.


1- سية القوس: ما عطف من طرفيها. ج. ز.

2- جمع سفط وهو ظرف يعبأ فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء. ج. ز.

3- حالبان: قناتان بين الكليتين والمثانة.

4- ائتفك البلد بأهله انقلب، المؤتفكات: الرياح تختلف مهابها، رغا البعير: صوت، زعاق: مالح وهذه حال البصرة في ذاك العصر وان كانت آثارها الطبعية عامة في كل زمان. ج. ز.

5- اهطع في السير: اقبل مسرعا خائفا. ج. ز.