الحجرات

سورة الحجرات

مدنية آياتها ثمان عشرة (بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله ان الله سميع عليم) نزلت في وفد بني تميم كانوا إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وقفوا على باب حجرته فنادوا يا محمد!

اخرج الينا، وكانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله تقدموه في المشي، وكانوا إذا تكلموا رفعوا أصواتهم فوق صوته ويقولون يا محمد يا محمد!

ما تقول في كذا وكذا كما يكلمون بعضهم بعضا فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) الآية (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون - إلى قوله - ان الذين ينادونك من وراء الحجرات) وهم بنو تميم (أكثرهم لا يعقلون) ثم قال: (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم).

وقوله: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام وكان سبب ذلك ان عايشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله ان إبراهيم ليس هو منك وإنما هو من جريح القبطي فإنه يدخل إليها في كل يوم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لأمير المؤمنين عليه السلام: خذ السيف واتني برأس جريح فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام السيف ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله انك إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالسفود (1) المحماة في الوبر فكيف تأمرني أثبت فيه أو امض على ذلك؟

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: بل تثبت، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى مشربة (2) أم إبراهيم فتسلق عليها فلما نظر إليه جريح هرب منه وصعد النخلة فدنا منه أمير المؤمنين عليه السلام وقال له انزل، فقال له يا علي!

اتق الله ما ها هنا أناس، اني مجبوب ثم كشف عن عورته، فإذا هو مجبوب، فاتي به إلى رسول صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما شأنك يا جريح!

فقال: يا رسول الله ان القبط يجبون حشمهم (3) ومن يدخل إلى أهليهم والقبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لادخل إليها وأخدمها وأؤنسها فأنزل الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ " الآية، وفي رواية عبد الله (عبيد الله ط×بن موسى عن أحمد بن رشيد (راشد ط×عن مروان بن مسلم عن عبد الله بن بكير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك كان رسول الله صلى الله عليه وآله امر بقتل القبطي وقد علم أنها قد كذبت عليه، أو لم يعلم وإنما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت علي عليه السلام؟

فقال بلى قد كان والله أعلم ولو كانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله القتل ما رجع علي عليه السلام حتى يقتله، ولكن إنما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله لترجع عن ذنبها، فما رجعت ولا اشتد عليها قتل رجل مسلم بكذبها.

حدثنا محمد بن جعفر عن يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عبد الرحمن ابن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم) يعني أمير المؤمنين (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) فلان وفلان وفلان واما قوله: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ان الله يحب المقسطين) فإنه سيف على أهل البغي والتأويل قال حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأل رجل عن حروب أمير المؤمنين عليه السلام وكان السائل من محبينا فقال أبو جعفر عليه السلام: بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيومئذ لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا، وسيف منها ملفوف وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه الينا، فاما السيوف الثلاثة الشاهرة.

فسيف على مشركي العرب قال الله تعالى: " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا - يعني آمنوا - فاخوانكم في الدين " فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام وأموالهم وذراريهم سبي على ما سبى رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه سبى وعفا وقبل الفداء صلى الله عليه وآله.

والسيف الثاني على أهل الذمة قال الله جل ثناؤه: " وقولوا للناس حسنا " نزلت في أهل الذمة فنسخها قوله: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " فمن كان منهم في دار الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل وما لهم وذراريهم سبي فإذا قبلوا الجزية حرم علينا سبيهم وأموالهم وحلت مناكحتهم ولا يقبل منها إلا الجزية أو القتل.

والسيف الثالث على مشركي العجم يعني الترك والديلم والخزرج قال الله جل ثناؤه في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم فقال: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد - يعني بعد السبي منهم - وما فداء " يعنى المفاداة بينهم وبين أهل الاسلام فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ولا يحل لنا نكاحهم ما داموا في الحرب.

واما السيف الملفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله عز وجل: " وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله " فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل صلى الله عليه وآله من هو؟

قال: هو خاصف النعل؟

- يعني أمير المؤمنين عليه السلام - وقال عمار بن ياسر قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثا وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وانهم على الباطل، فكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السلام على ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة يوم فتح مكة فإنه لم يسب لهم ذرية، فقال: من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام فيهم: لا تسبوا لهم ذرية ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبرا، ومن أغلق بابه فهو آمن.

واما السيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله تعالى " النفس بالنفس والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له " فسلمه إلى أولياء المقتول وحكمه الينا، فهذه السيوف بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وآله فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرتها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله.

واما قوله (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن) فإنها نزلت في صفية بنت حي بن اخطب، وكانت زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك أن عائشة وحفصة كانتا تؤذيانها وتشتمانها وتقولان لها يا بنت اليهودية: فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: ألا تجيبنهما؟

فقالت بماذا يا رسول الله؟

قال قولي أبي هارون نبي الله وعمي موسى كليم الله وزوجي محمد رسول الله فما تنكران مني؟

فقالت لهما فقالتا هذا علمك رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله في ذلك (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم - إلى قوله - ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان) وقوله: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) قال الشعوب العجم والقبائل العرب وقوله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وهو رد على من يفتخر بالأحساب والأنساب، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة: يا أيها الناس ان الله قد اذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ان العربية ليست بأب ووالدة وإنما هو لسان ناطق، فمن تكلم به فهو عربي، ألا انكم من آدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم قوله (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) أي استسلمتم بالسيف (ولما يدخل الايمان في قلوبكم وقوله (لا يلتكم من اعمالكم شيئا) أي لا ينقصكم قوله (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) أي لم يشكوا (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) الآية، قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وقوله (قل أتعلمون الله بدينكم) أي أتعلمون الله دينكم وقوله (يمنون عليك أن اسلموا) نزلت في عثكن يوم الخندق وذلك أنه مر بعمار بن ياسر وهو يحفر الخندق وقد ارتفع الغبار من الحفر فوضع كمه على أنفه ومر، فقال عمار: لا يستوي من يبني المساجد فيصلي فيها راكعا وساجدا كمن يمر بالغبار حائدا يعرض عنه جاحدا معاندا، فالتفت إليه عثكن فقال: يا بن السوداء إياي تعنى، ثم اتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له لم ندخل معك لتسب أعراضنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله.

قد أقلتك إسلامك فاذهب فأنزل الله (يمنون عليك أن اسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان إن كنتم صادقين) أي لستم صادقين (إن الله يعل غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعلمون).


1- أرض دائمة النبات.

2- حشم كخدم لفظا ومعنى. ج. ز.

3- مجتمع الشجر في مغيض الماء.