لقمان

سورة لقمان

مكية آياتها اربع وثلاثون (بسم الله الرحمن الرحيم ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم) أي على بيان من ربهم (وأولئك هم المفلحون) وقوله (ومن الناس من يشترى لهو الحديث) قال: الغناء وشرب الخمر وجميع الملاهي (ليضل عن سبيل الله بغير علم) قال: يحيد بهم عن طريق الله، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث.

الخ " فهو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي وكان النضر راويا لأحاديث الناس وأشعارهم، يقول الله عز وجل: (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في اذنيه وقرا فبشره بعذاب اليم) وقوله (وبث فيها من كل دابة) يقول جعل فيها من كل دابة وقوله (وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) يقول من كل لون حسن والزوج اللون الأصفر والأخضر والأحمر والكريم الحسن، أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن محمد عن بكر بن صالح عن جعفر بن يحيى عن علي بن (القصير ط×النضر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت جعلت فداك قوله (ولقد آتينا لقمان الحكمة) قال أوتي معرفة إمام زمانه.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (هذا خلق الله) أي مخلوق الله لان الخلق هو الفعل والفعل لا يرى وإنما أشار إلى المخلوق وإلى السماء والأرض والجبال وجميع الحيوان فأقام الفعل مقام المفعول وقوله (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد) فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لقمان (1) وحكمته التي ذكرها الله عز وجل، فقال: أما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله ساكتا سكينا عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستعبرا بالعبر لم ينم نهارا قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره وعمق نظره وتحفظه في أمره ولم يضحك من شئ قط مخافة الاثم، ولم يغضب قط ولم يمازح إنسانا قط ولم يفرح بشئ ان أتاه من أمر الدنيا ولا حزن منها على شئ قط، وقد نكح من النساء وولد له من الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم إفراطا، فما بكى على موت أحد منهم، ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما ولم يمض عنهما حتى يحابا، ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين، فيرثي للقضاة ما ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان فكان يداوي قلبه بالفكر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة، فان الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقايلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟

فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع والطاعة لأنه ان فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني وإن هو خيرني قبلت العافية فقالت الملائكة يا لقمان لم قلت ذلك؟

قال: لان الحكم بين الناس من أشد المنازل من الدين وأكثرها فتنا وبلاءا ما يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان وصاحبه فيه بين أمرين ان أصاب فيه الحق فبالحري ان يسلم وان أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلا وضعيفا كان أهون عليه في المعاد أن يكون فيه حكما سريا شريفا، ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا تدرك تلك، قال فتعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه، فلما امسى وأخذ مضجعه من الليل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاءا فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويثبتها فيها.

قال: فلما أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله الخلافة في الأرض وابتلي فيها غير مرة وكل ذلك يهوي في الخطأ يقبله الله ويغفر له، وكان لقمان يكثر زيارة داود عليه السلام ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه وكان داود يقول له: طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية وأعطي داود الخلافة وابتلي بالحكم والفتنة.

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) قال فوعظ لقمان لابنه بآثار حتى تفطر وانشق وكان فيما وعظه به يا حماد!

ان قال: يا بني انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد، يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك لا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صوما يمنعك من الصلاة فان الصلاة أحب إلى الله من الصيام، يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الايمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله، فان نجوت فبرحمة الله وان هلكت فبذنوبك، يا بني ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا، ومن غني بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ومن تكلف علمه اشتد طلبه ومن اشتد طلبه أدرك منفعته فاتخذه عادة، فإنك تخلف في سلفك وتنفع به من خلفك ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب وإياك والكسل عنه والطلب لغيره فان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم فإنك لن تجد له تضييعا أشد من تركه، ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا، ولا تماشين ظلوما، ولا تصادقنه ولا تصاحبن فاسقا نطفا (2) ولا تصاحبن متهما، واخزن علمك كما تخزن ورقك (3)، يا بني خف الله خوفا لو أتيت القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبك وارج الله رجاءا لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت أن يغفر لك.

فقال له ابنه يا أبت وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟

فقال له لقمان يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نورين نورا للخوف ونورا للرجاء لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله، فان هذه الأخلاق تشهد بعضها لبعض فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا ومن عمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا ومن أطاع الله خافه ومن خافه فقد أحبه ومن أحبه اتبع أمره ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه نعوذ بالله من سخط الله، يا بني!

لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها ألا ترى انه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين وقوله (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) يعني ضعفا على ضعف ثم قال (وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما - إلى قوله - بما كنتم تعملون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (واتبع سبيل من أناب إلي) يقول اتبع سبيل محمد صلى الله عليه وآله.

قال علي بن إبراهيم ثم عطف على خبر لقمان وقصته فقال (يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله ان الله لطيف خبير) قال من الرزق يأتيك به الله وقوله (ولا تصعر خدك للناس) أي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم (ولا تمش في الأرض مرحا) أي فرحا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ولا تمش في الأرض مرحا " أي بالعظمة وقال علي بن إبراهيم في قوله (واقصد في مشيك) أي لا تعجل (واغضض من صوتك) أي لا ترفعه (ان انكر الأصوات لصوت الحمير) وروي فيه غير هذا أيضا واما قوله (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) قال فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن شريك عن جابر قال قرأ رجل عند أبي جعفر عليه السلام وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة قال اما النعمة الظاهرة فهو النبي صلى الله عليه وآله وما جاء به من معرفة الله عز وجل وتوحيده واما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة والباطنة، واعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوا باطنة، فأنزل الله " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ففرح رسول الله عند نزولها إذ لم يتقبل الله تعالى إيمانهم إلا بعقد ولايتنا ومحبتنا وقوله (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) قال بالولاية وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) فهو النضر ابن الحارث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله اتبع ما انزل إليك من ربك قال بل أتبع ما وجدت عليه آبائي وقوله (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم) وذلك أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن الروح، فقال: الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، قالوا نحن خاصة؟

قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذان يا محمد تزعم انك لم تؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة وقد قرأت: ومن يؤت الحكمة - وهي التوراة - فقد أوتي خيرا كثيرا، فأنزل الله تعالى: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله يقول علم الله أكثر من ذلك وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام الآية " معنى ذلك ان علم الله أكثر من ذلك فاما ما آتاكم فهو كثير فيكم قليل في ما عند الله وقوله (ألم تر ان الفلك تجري في البحر بنعمة الله) قال السفن تجري في البحر بقدرة الله، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) بلغنا والله أعلم انهم قالوا يا محمد خلقنا أطوارا نطفا ثم علقا ثم أنشأنا خلقا آخر كما تزعم وتزعم إنا نبعث في ساعة واحدة!

فقال الله ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إنما يقول له كن فيكون وقوله (ألم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) يقول ما ينقص من الليل يدخل في النهار وما ينقص من النهار يدخل في الليل وقوله: (وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى) يقول كل واحد منهما يجري إلى منتهاه لا يقصر عنه ولا يجاوزه، وقال علي بن إبراهيم في قوله (ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور) قال هو الذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر الله على جميع أحواله وقوله (وإذا غشيهم موج كالظلل) يعني في البحر (دعوا الله مخلصين له الدين - إلى قوله - فمنهم مقتصد) أي صالح (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) قال الختار الخداع وقوله (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده - إلى قوله - ان وعد الله حق) قال ذلك القيامة وقوله (ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير) قال الصادق عليه السلام هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات الله عز وجل.


1- نطف ككتف: الرجل المريب.

2- ورق مثلث الواو بسكون الراء: الدراهم المضروبة ج أوراق ووراق. ج. ز.

3- ازر النبات: التف.